لأول مرة تستخدم الولايات المتحدة صيغة مرور المساعدات الإنسانية "عبر الخطوط" خلال البيان الختامي للقمة الأوروبية ـ الأمريكية التي انعقدت الشهر الماضي، وهي صيغة تحمل دلالتين:
الأولى، الإصرار على إبقاء معبر باب الهوى في إدلب مفتوحا وفق آلية عمل الأمم المتحدة لتقديم المساعدات الإنسانية، بحيث أن المساعدات التي تمر عبر الحدود التركية، يمكن لها أن تتجه نحو مناطق سيطرة النظام عبر تجاوز خطوط التماس الداخلية.
وفي هذه الصيغة، تحافظ الولايات المتحدة على موقفها في عدم إدخال النظام السوري ضمن الآلية الأممية، وتحقق في الوقت ذاته للروس جزءا من مطالبهم بأن لا تقتصر المساعدات على الشمال السوري.
الثانية، أن الصيغة الأمريكية "عبر الخطوط"، قد تحمل معنى معاكسا، بمعى أن الولايات المتحدة قد تقبل أن يُغلق معبر باب الهوى، ليصبح دخول المساعدات حصريا عبر بوابة النظام، مع الحرص على أن تصل المساعدات إلى مناطق الشمال عبر خطوط التماس.
القرار الدولي 2585
الاحتمال الثاني، تم إسقاطه مع صدور القرار 2585 الخاص بتمديد الآلية الأممية، لكن التفاهمات الروسية ـ الأمريكية لم تسقطه، وهو ما عبر عنه سفير روسيا في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا حين قال "لقد منح أعضاء المجلس الضوء الأخضر لتعزيز الآلية عبر الحدود بشكل تدريجي ثم استبدالها في نهاية المطاف بعمليات تسليم عبر الخطوط".
بمعنى، أن الأمم المتحدة قد تذهب بعد عام إلى إنهاء الآلية الأممية للمساعدات عبر الحدود، واستبدالها بتقديم المساعدات عبر النظام السوري مباشرة، طالما أن المساعدات لم تعد مخصصة وفقا للقرار الأممي الأخير على بقعة جغرافية محددة داخل سوريا، بل أصبحت تشمل عموم الجغرافية السورية بما فيها مناطق النظام.
تشكل هذه النقطة محور خلاف أمريكي ـ أوروبي، فالدول الأوروبية لا سيما إنجلترا وفرنسا وألمانيا، يرفضون تقديم المساعدات عبر النظام السوري، وإذا ما جرى إلغاء الآلية الأممية، فقد يوقف الاتحاد الأوروبي تقديم المساعدات.
النزاع الأمريكي ـ الروسي حول المعابر يحمل دلالات مختلفة: بالنسبة للولايات المتحدة فإن المسألة تقتصر على البعد الإنساني فقط، أما بالنسبة للروس فهي مسألة سياسية ـ اقتصادية بامتياز، ذلك أن مرور المساعدات عبر النظام، هي خطوة مهمة لتعويمه وجعله طرفا رسميا أمام المجتمع الدولي في هذه المسألة،
لا تتوقف التنازلات الأمريكية عنذ هذه المسألة فحسب، فالقرار 2585 يدعو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى الاستجابة بخطوات عملية لتلبية الاحتياجات المبكرة والملحة للشعب السوري في ضوء الآثار الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية العميقة لوباء "كوفيد 19" على سوريا، كدولة في حال طوارئ إنسانية معقدة، ويرحب بجميع الجهود والمبادرات لتوسيع الأنشطة الإنسانية في سوريا.
يشكل هذا النص تحولا مهما في التعاطي الأمريكي مع الأزمة السورية، إذ لأول مرة تقبل واشنطن بإعادة إعمار بنى تحتية (المياه، الصرف الصحي، الصحة، التعليم، المأوى) في موقف مخالف لمواقفها السابقة التي ربطت إعادة الإعمار بالتسوية السياسية.
ومع أن نص القرار ربط إعادة إعمار هذه البنى بالآثار الاجتماعية والاقتصادية لوباء كورونا، إلا أن هذه الخطوة من شأنها أن تشكل مقدمة لتطورات لاحقة في هذا المجال، وقد سمح نص القرار بإعادة تمديد الآلية الأممية بعد ستة أشهر وفقا للتقرير الذي سُيقدم للأمم المتحدة حول نشاطات إعادة البناء هذه.
رؤيتان مختلفتان
النزاع الأمريكي ـ الروسي حول المعابر يحمل دلالات مختلفة: بالنسبة للولايات المتحدة فإن المسألة تقتصر على البعد الإنساني فقط، أما بالنسبة للروس فهي مسألة سياسية ـ اقتصادية بامتياز، ذلك أن مرور المساعدات عبر النظام، هي خطوة مهمة لتعويمه وجعله طرفا رسميا أمام المجتمع الدولي في هذه المسألة، فضلا عن الفوائد الاقتصادية التي سيجنيها النظام.
كما أن للموقف الروسي بعدا آخر، وهو مناكفة الأمريكيين في ما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام، حيث تستخدم موسكو ورقة المعابر لابتزاز واشنطن في تخفيض منسوب العقوبات.
الملفت للانتباه، أن إدارة بايدن قدمت تنازلين مهمين في هذا الصدد، الأول ما تحدثنا عنه "عبر الخطوط"، والثاني قبل نحو شهرين، بإخراج شركتين سوريتين لهما علاقة بتقديم الدعم الطبي، من قائمة العقوبات الأمريكية.
وليس معروفا إلى الآن ما إذا كانت التنازلات الأمريكية مجرد صفقة جزئية مع روسيا، تقبل على أثرها واشنطن برفع العقوبات عن بعض المشاريع المتعلقة باحتياجات الناس، مقابل موافقة موسكو على عدم استخدام الفيتو ضد قرار تمديد الآلية الأممية، أم أن التنازلات الأمريكية تأتي ضمن صفقة أكبر من مسألة المعابر؟ في ظل تصريحات السفير الروسي "القرار الأممي معلم على طريق حل الأزمة السورية والتغلب على عواقبها".
*كاتب وإعلامي سوري