أن تكون كبيرا ومهاب الجانب وقدرك محفوظ ومحترم؛ مسألة تتجاوز أناقة ملابسك وتسريحة شعرك، فهي تدخل في صلب طريقة تفكيرك وكيفية تعاطيك مع ما يدور حولك.
لا يعقل أن يراك الناس كبيرا وأنت تحشر أنفك في توافه الأمور، وتنزل بمقامك لمشاحنات سخيفة ومهاترات لا طائل منها، وتجعل نفسك عرضة لتطاول ضعاف النفوس فضلا عن المرتزقة.
تعلمت أن أصحاب العقول الكبيرة تعنيهم الأفكار وأصحاب العقول المتوسطة تشغلهم الأحداث وأصحاب العقول الصغيرة ينشغلون بالأشخاص، أما أصحاب العقول الصغيرة جدا فينشغلون بذواتهم وهيئاتهم
الشخصية فقط.
والقرار بيدك أنت وحدك تختار أي عقل منها يعبّر عنك، وهذه ليست مجرد عبارة تقال أو ورقة يتم إمضاؤها، وإنما مبادئ وقيم سرعان ما تنعكس على أرض الواقع بالتصرفات والأفعال.
وفي حياتي عاصرت عددا من الذين رأيتهم عن قرب كبارا وتعلمت ولا زلت الكثير منهم، وقد رأيت من جملة ما رأيت في رقي شخصياتهم عدة أمور منها:
- عدم الإصغاء للوشاة وناقلي أحاديث النميمة والغيبة، وإن وصلهم شيء رغم ذلك يرفضون تتبع الحديث أو اكتشاف مصدر ذلك الافتراء عليهم.
- ضبط النفس وعدم الانفعال أو الصراخ عند الحديث حتى لو احتدم النقاش.
- صنع المعروف مع الجميع، حتى أولئك الذين أساءوا لهم وارتكبوا تجاوزات صريحة بحقهم.
- عدم المن أو تذكير الآخرين بسابق فضلهم أو جميل صنعهم بحقهم، حتى لو جحدوا ذلك.
- حسن الاستماع لمن يطرق بابهم، والانتقال به لدائرة أوسع وأرحب من القضية التي تأسر عقله وتفكيره.
- عدم التورط في منقصة الغيبة والنميمة أو الخوض في سمعة وأعراض الآخرين.
- تجنب التدخل في ما لا يعنيهم، أو إبداء الرأي والنصيحة دون أن تطلب منهم.
- التواضع مع المحيطين بهم والانتباه لطريقة المشي والتصرف، حتى لا يراها أحدهم ضربا من التباهي أو الاستعلاء.
- حسن اختيار الكلمات والتعبيرات، فهم أكثر الناس دراية بأن الكلمة كالرصاصة إذا خرجت لا تعود.
- تجنب شخصنة الخلاف، فمن الطبيعي أن يختلف المرء مع غيره وينتقد فكره ورأيه بل ويهاجم أطروحاته، لكن لا يسقط في فخ الانتقاص من شكله أو لونه أو جنسه أو أصله؛ فهذه أمور قدّرها الله سبحانه وتعالى له ولا علاقة للشخص المنتَقَد باختيارها.
وصدق من قال: إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام، فالكبير طموحاته كبيرة وتفكيره سابق لأقرانه ونظرته أبعد من غيره.
كن كبيرا وارتق بنفسك وشخصك عن سفاسف الأمور واطلب علياءها، وتذكر أنك أنت في النهاية من يقرر مقامك ومكانك: قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل.