يرى
الكاتب والصحفي التونسي محمد كريشان في مقال نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية
أن الرئيس التونسي قيس سعيّد يتجه بالبلاد نحو حكم أوتوقراطي من خلال الإجراءات التي
اتخذها في الفترة الماضية.
ويرى
الكاتب في المقال الذي ترجمته "عربي21"، أن "أسطورة" الإجماع على
المسار الديمقراطي في تونس انهارت للتو على يد رئيس الدولة قيس سعيّد، الذي وصل إلى
المنصب سنة 2019 من خلال تصويت مناهض للمنظومة الحاكمة.
وقد
أصدر الرئيس سعيّد يوم 22 أيلول/ سبتمبر الجاري مرسوما، يعيد فيه تفسير بعض المواد الدستورية، بما يتيح له الحصول على المزيد من الصلاحيات، ويجعله "يُبحر في عباب مغامرة سلطوية
مثقلة بالمشاكل والتصدعات".
وحسب
الكاتب، فإن إغراءات الحكم الاستبدادي التي وقع في شراكها الرئيس سعيّد، أنهت من جانب
واحد عقدًا بدأت فيه البلاد بتعلّم الديمقراطية البرلمانية عقب ثورة 2011.
ويضيف
كريشان أن الحدث لا يعتبر كارثيًا على التجربة الديمقراطية في تونس فحسب، بل على العالم
العربي بأسره، حيث كان يُنظر إلى النموذج التونسي على أنه بصيص أمل للمنطقة في ظل الأنظمة
الديكتاتورية والحروب الأهلية، لكن هذا الشعاع قد انطفأ للتو.
ولا
شك -حسب رأي الكاتب- أن انقلاب 25 تموز/ يوليو، هو الذي مهّد للمسار الحالي، حيث تولى
قيس سعيّد كل السلطات بموجب المادة 80 من الدستور، متذرعا بمواجهة خطر وشيك يهدد البلاد.
ويعتقد
كريشان أن الشعب رحّب بتلك الخطوة؛ بسبب السخط العميق على الأوضاع التي كانت تعيشها
البلاد، من صراعات سياسية وتدهور اجتماعي واقتصادي وأزمة صحية حادة خلفتها جائحة كورونا.
سعيّد
يواصل مغامرته
لكن
ما كان يُفترض أن يكون بادرة مؤقتة لمواجهة الوضع المتأزم وتصحيح المسار، أصبح خطوة
أولى تؤسس لنظام جديد، حيث جاءت المرحلة الثانية من المغامرة التي يخوضها قيس سعيّد،
في 22 سبتمبر/ أيلول الجاري، لتُضفي الطابع الرسمي على الانجراف نحو الاستبداد، بإلغاء
قسم كامل من دستور 2014، والذي يتيح للرئيس تنقيح الدستور بالكامل خلال الفترة القادمة.
ويرى
كريشان أن الأمور باتت تتجه نحو حكم رئاسي، خاصة أن سعيّد لم يُخفِ مطلقًا رفضه للديمقراطية
البرلمانية التي تصادر حسب رأيه حق الاقتراع الشعبي لاختيار الرئيس.
وحسب
الكاتب، فإنه لا جدال حول أوجه القصور والفساد في المنظومة الحاكمة منذ 2011، والتي
أدت إلى حالة من الشلل الاقتصادي، وجعلت فئة كبيرة من الشعب المحبط ترى في سعيّد المنقذ
الوحيد من هذا الوضع. وكان على سعيّد في هذه الحالة أن يوحّد الشعب لا أن يمزقه، وأن
يحافظ على ثقافة الحوار التي ميزت تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس، والتي حصلت بفضلها
على جائزة نوبل للسلام سنة 2015.
لكن
الرئيس نسف بشكل منهجي هذا النموذج، ورفض طيلة الفترة الماضية كل جهود الوساطة لحل
الأزمة التي تمر بها البلاد. والأسوأ من ذلك، أنه يعمق حالة الاستقطاب والصراع بين
الشعب والنخب السياسية من خلال الانتقادات اللاذعة ضد من يصفهم بـ"الخونة".
ويختم
الكاتب بأن تونس -وهي على شفا الإفلاس- لا تستطيع تحمل مخاطر هذه الخلافات المصطنعة،
مؤكدا أن الفرصة ما زالت قائمة بعد لتجنب الفوضى، لكن على الرئيس سعيّد أن يفهم أن المجتمع
المدني التونسي ما زال موجودا، وأن تاريخه جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية، وأنّ الاستماع
إليه سيعزز فرص الخروج من الأزمة، أما تجاهله فإنه سيفتح أبوابا نحو المجهول.
اقرأ أيضا: رويترز: سعيّد يفقد أنصاره وخزينة الدولة شبه خاوية
MEE: ما سيحدث في تونس ستكون له أهمية دولية كبيرة
إيكونوميست: بعد هزيمة المغرب.. ماذا ينتظر الإسلاميين عربيا؟
"لوموند": غضب من استمرار إجراءات سعيّد حتى بين مؤيديه