لم تكن العلاقة بين حركة طالبان وتنظيم الدولة في أفغانستان (ولاية خراسان) منذ ظهور الأخير عام 2015 إلا علاقة تنافر وعداوة، فالتنظيم بانتمائه للسلفية الجهادية بنسختها الأكثر تشددا وتطرفا، يعتبر طالبان حركة مرتدة، لوقوعها في نواقض الإيمان، كتوليها للكفار والمرتدين، وارتباطها بعلاقات مشبوهة مع الاستخبارات الباكستانية، بحسب التنظيم.
وينظر تنظيم ولاية خراسان إلى النسق الديني الطالباني بوصفه نسقا ضالا في العقيدة، ينشر البدع والانحرافات، ويسعى لإشاعة التدين الصوفي بشطحاته وتجاوزاته لحدود الشريعة، بحكم انتماء حركة طالبان إلى مدرسة ديوبند الدينية، المعروفة بتبنيها للمذهب الماتريدي في العقيدة، والمذهب الحنفي في الفقه، والتصوف في العبادة والسلوك، وهو ما يعده التنظيم انحرافا عن منهج السلف الصالح في الاعتقاد والسلوك والتعبد.
تعود بدايات نشأة تنظيم ولاية خراسان إلى عام 2015، بعد انضمام مجموعة من المنشقين عن طالبان باكستان إلى تنظيم الدولة، على خلفية خلافات وقعت في صفوف الحركة بعد مقتل أميرها حكيم الله محسود في غارة أمريكية عام 2013، وأعلن أمير تلك المجموعة المنشقة، حافظ سعيد خان، مبايعته لزعيم تنظيم الدولة أبي بكر البغدادي، وبعدها أعلن تنظيم الدولة تشكيل ولاية خراسان على لسان الناطق باسم التنظيم أبي محمد العدناني.
ووفقا لمراقبين فإن الإعلان عن وفاة زعيم حركة طالبان، الملا محمد عمر عام 2105، فتح الباب لانضمام عناصر جُددٍ من حركة طالبان من ذوي التوجهات السلفية إلى تنظيم الدولة في خراسان، لسقوط بيعة الملا عمر من أعناقهم بعد وفاته، وكان المنضمون الجدد يرون في التنظيم الأكثر تشددا، أنه الأقرب إليهم من حركة طالبان بخلفياتها العقدية والمذهبية والصوفية المنتمية إلى مدرسة ديوبند الدينية.
ومنذ ظهور التنظيم في المناطق الباكستانية والأفغانية، فإنه نفذ تفجيرات وهجمات دموية في أفغانستان وباكستان، استهدفت مساجد ومستشفيات وأماكن عامة، وقام مقاتلوه بالاعتداء على السكان المحليين، وخطفهم وتعذيبهم وقطع رؤوسهم، وكان آخر العمليات التي أعلن التنظيم مسؤوليته عنها بعد عودة طالبان إلى حكم أفغانستان، تفجيرات مطار كابل في 26 أغسطس/آب، والتي راح ضحيتها ما لا يقل عن 100 شخص، و13 جنديا أمريكيا، وتفجيرات جلال آباد في 22 سبتمبر/أيلول والتي راح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى من طالبان ومدنيين.
مع تزايد العمليات التفجيرية والانتحارية التي ينفذها مقاتلو تنظيم ولاية خراسان، كيف ستواجه حركات طالبان تلك التهديدات المستهدفة لأمن البلاد واستقرارها؟ وهل تمثل تلك التهديدات تحديات دائمة للحركة أم إنها تحديات عارضة ستتخلص منها طالبان في وقت سريع وقريب؟ وهل ستتمكن إمارة أفغانستان بسلطتها الجديدة من القضاء على تنظيم ولاية خراسان وما يشكله من تحديات لحكمها؟
يتحدث الكاتب والمحلل السياسي الباكستاني، حذيفة فريد عن أن "إمارة أفغانستان الإسلامية بدأت بشن هجمات على جيوب تنظيم ولاية خراسان في ولايتي ننغرهار وكونر، اللتين كانتا معقلا للتنظيم سابقا، وترغب الإمارة في القضاء على جيوب التنظيم قبل نزول الثلج، وإلا فسيكون عليها الانتظار لفترة قد تتجاوز الستة أشهر، وهو ما سيمنح التنظيم فرصة كافية لرص صفوفه، وتلقي المزيد من الدعم البشري والعسكري".
حذيفة فريد.. كاتب ومحلل سياسي باكستاني
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "القضاء على داعش ليس بالأمر البسيط والسهل، فـ(داعش) فكرة، والفكرة لا تموت، وللقضاء عليها يتوجب على الإمارة أن تهاجم الفكرة وتفندها، والأمر الآخر هو أن التنظيم يتخذ من حرب العصابات وعمليات الذئاب المنفردة منهجا له، لكن حركة طالبان وقوات الإمارة خاضوا مثل هذه المعارك سابقا، ويعلمون جيدا طريقة التعامل المثلى معها".
وتابع: "لكن المشكلة تكمن في أن تهديد (داعش) يظل تهديدا دائما، وليس مؤقتا، إذ إن التنظيم يعتمد على فكرة التوسع والخلافة، وهو أيضا ما يدور في ذهن الجيل الجديد من قوات الإمارة، وهنا تعود الكرة إلى ملعب قادة الإمارة الكبار للتحكم والسيطرة، وكذلك قيادة الجيل الحالي ورسم المسار الصحيح لها، وهو ما يشير إلى أن التخلص من (داعش) يكاد يكون مستحيلا، لأنه ليس فصيلا وتنظيما، بل هو نهج وفكرة ورأي".
من جهته قلل المحلل السياسي الأفغاني روح الله عمر، من خطر تنظيم ولاية خراسان، مشيرا إلى أن "وجود التنظيم في أفغانستان ليس قويا كما كان موجودا في سوريا أو العراق سابقا، بل هم مجموعة من أفراد طالبان باكستان تأثروا بأفكارهم، وحينما طُردوا من باكستان وأتوا إلى أفغانستان، لم يكن لديهم أعمال، فانضموا إلى تنظيم الدولة، وكذلك انضم إليهم مواطنون أفغان، لمصالح مالية وقبلية".
روح الله عمر الأفغاني.. محلل سياسي أفغاني
وردا على سؤال "عربي21" حول طبيعة الخطر الذي يشكله تنظيم ولاية خراسان على أمن واستقرار حكم طالبان، قال: "خطر (داعش) في أفغانستان عارض، وستتمكن الإمارة من السيطرة على الوضع، وحركة طالبان تعد الترتيبات اللازمة لذلك، بتعيينها لشخصيات عسكرية قوية في تلك المناطق للتعامل مع عناصر التنظيم بصرامة وقوة".
واستدرك: "إلا أنه لا يمكن تحديد وقت لإنجاز ذلك، فلربما تستغرق العمليات الاستخباراتية سنة كاملة، لا سيما بعد إطلاق سراح كثير من مقاتلي التنظيم، وهو ما ينذر بتفجيرات هنا وهناك، لكن حركة طالبان تقوم بحملة استخباراتية شاملة حتى تتم متابعة هؤلاء العناصر، للقبض عليهم، ومن ثم السيطرة على الأوضاع بشكل تام".
بدوره قال الخبير في الحركات الإسلامية حسن أبو هنية: "ما يحدد ما إن كان تنظيم الدولة في خراسان يشكل تهديدا عارضا أو تحديا دائما لحركة طالبان، مرهون بسلوك طالبان نفسها، ومرهون في الوقت نفسه بسلوك المجتمع الدولي في تعاملة مع الحركة بعد عودتها وسيطرتها الأخيرة على كامل أفغانستان، إن كان سيعترف بها سياسيا، ويدعمها اقتصاديا".
وأضاف: "من المعروف أن تنظيمات السلفية الجهادية، خاصة المتشددة منها تزداد نموا وظهورا في بيئات الفوضى، فإذا ما تمكنت حركة طالبان من إدارة الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية بحكمة وكفاءة واقتدار، ونجحت في توفير المتطلبات المعيشية في حدودها الدنيا لعموم الشعب الأفغاني، ما يعني قدرتها على إيجاد حالة معقولة من الأمن والاستقرار، فإن فرص تنظيم ولاية خراسان، في الظهور والحضور تبقى ضعيفة".
وأردف أبو هنية لـ"عربي21": "طالبان حاليا بحاجة إلى اعتراف سياسي، ودعم اقتصادي من دول الجوار، وسائر المجتمع الدولي، فمسؤولياتها حاليا انتقلت من إدارة شؤون الحركة إلى إدارة شؤون الدولة، وهذا يحملها أعباء جديدة ثقيلة جدا، فإذا فشلت – أو أُفشلت – في ذلك، فإنه يعني شيوع الفوضى في أفغانستان، وهو ما يعزز ظهور ولاية خراسان، ومختلف التنظيمات الراديكالية بشكل قوي".
ولفت في ختام حديثه إلى أن "تنظيم ولاية خراسان قد ينفذ عملية هنا أو هناك، ويقوم بتفجيرات في مناطق مختلفة من أفغانستان، لكنه لا يشكل تهديدا وجوديا لإمارة أفغانستان بقيادة طالبان إلا في حالة فشل الحركة في إدارة شؤون البلاد، وعجزها عن إنجاز حالة من الأمن والازدهار والاستقرار، ما يعني أن تنظيم ولاية خراسان، وغيره من المجموعات المتشددة، سيتم استثمارها كأدوات لإنهاك طالبان وإفشال تجربتها".
بماذا تختلف الأشعرية عن السلفية حتى تقربها الأنظمة؟
عودة طالبان.. كيف ستؤثر على الجهادية العالمية؟ خبراء يجيبون
لماذا تُتهم طالبان بالتشدد مع التزامها بمرجعية الفقه الحنفي؟