تقارير

الأمثال الشعبية الفلسطينية.. ركن تراثي يُعبر عن هوية المجتمع

المثل الشعبي أحد أهم عناصر التراث الفلسطيني الموغلة في القدم

تعتبر الأمثال الشعبية الفلسطينية من أهم أركان التراث الشعبي الفلسطيني؛ وذلك لبلاغة تعبيرها عن مختلف تجارب المجتمع الفلسطيني التي مر بها عبر العصور والتي تعبر عن ثقافته وطرق عيشه ومختلف المعاملات والأخلاق التي تعارف عليها الناس فيه.

وتحكي الأمثال الشعبية حقيقة مألوفة صيغت بأسلوب مختصر حتى يتناولها جمهور واسع من الناس وهي من ناحية بلاغية تتميز بالإيجاز.

والمثل الشعبي هو جملة قصيرة بليغة متوارثة عبر الأجيال، سهلة الانتشار وسريعة التداول جاءت تعبيرا عن تجربة محددة وشاع استعمالها بمناسبة وقوع تجارب أو مواقف مماثلة للتجربة الأصلية.. وهو نتاج لتداخلات التاريخ والثقافة والجغرافيا والأدب والاقتصاد والدين والعادات والتقاليد.

وأكد الدكتور رشاد المدني، الباحث والمتخصص في التاريخ الفلسطيني والقرى والمدن الفلسطينية المدمرة على أن المجتمع الفلسطيني له الكثير من القيم والأمثال الشعبية التي تنعكس في سلوكها الاجتماعي ويرتاح معها السامع ويزداد اقتناعا بما يسمع.

 



وقال المدني لـ "عربي21": "إن الأمثال الشعبية تفضل الأخلاق الطيبة على المال، وإن كثير منها له علاقة وصلة بالتربية الحسنة وإيجاد وخلق الرجل الصالح الخلوق الكريم"، مشيرا إلى أن بعض هذه الأمثال الشعبية لها وظيفته اجتماعية في المجتمع الفلسطيني.

وأضاف: "عكست الأمثال الشعبية الفلسطينية مختلف نواحي الحياة وأنماطها بحلوها ومرها، ولعبت دورا مهما في إبراز صور وأشكال ثقافة الشعب الفلسطيني وتراثه وأحاسيسه ومشاعره ورؤيته العميقة في النقد اللاذع لكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية".

وأشار إلى أن الكثير من الأمثلة كانت عبارة عن حكم وعبر وعظات، وفي معظمها تعبر عن واقع الحياة بقصصها وحكاياتها سواء كانت هذه القصص والحكايات إيجابية أم سلبية.

وأوضح المدني أن هناك أكثر من تعريف للمثل الشعبي لكن أكثرها شيوعا التعريف التالي: "المثل جملة مفيدة موجزة متوارثة شفافة من جيل إلى جيل.. وهو جملة محكمة البناء بليغة العبارة شائعة الاستخدام عند مختلف الطبقات". 

وقال: "يجد المدقق في هذه الأمثال الشعبية أنها متنوعة وكثيرة واضحة المعنى قصيرة الكلمات ومعظمها باللغة العامية فيها إثارة وتجمع بين السخرية أحيانا والحكمة أحيانا أخرى، فهي كالسهم المصيب ينفذ بسرعة البرق ويصيب الهدف وهي أيضا أسلوب أدبي جميل يحمل في طياته الفكرة والفائدة والموعظة الحسنة وفي نفس الوقت يكمن فيها نوع من الشدة والقسوة والتهكم وتضخيم الأمور".

وأضاف: "الملاحظ في المجتمع الفلسطيني أن المرأة نالت قسطا كبيرا من هذه الأمثال الشعبية التي تحدثت عن أسرار المرأة وصفاتها وأفعالها ومواقفها وميزاتها الإيجابية والسلبية إضافة إلى جمالها وغيرتها وعلاقتها بالرجل ومع مثيلاتها من النساء، كما تناولت العديد من مساوئ المرأة ومحاسنها في ظل الحياة الاجتماعية والأسرية في المجتمع الفلسطيني".

وأشار المدني إلى أن الأمثال الشعبية تكشف عن فلسفة المجتمع الاجتماعية والأخلاقية وتعكس وجوده الاجتماعي وهي أيضا صورة للواقع وتجسيد للمشاعر والطموح. 

وقال: "تأتي أهمية الأمثال الشعبية الفلسطينية كونها تتحدث عن سعادة من يتداولها، وعن شقاوتهم، وعن الغنى، والفقر، والجمال، والقبح، والقوة، والضعف، والسيطرة، والشجاعة، والعدالة، والسخرية اللاذعة".

وأضاف: "الأمثال الشعبية الفلسطينية لم تترك جانبا من جوانب الحياة إلا وتناولته إيجابا وسلبا، ولم تكتف هذه الأمثال بطرق أمور الحياة فقط بل تناولت الكثير منها الجوانب الدينية والجنة والنار والثواب والعقاب ولكن بما لا يتعارض مع الشريعة والحكمة والمنطق والأصول".

واعتبر المدني الأمثال الشعبية بأنها بمثابة سجل عظيم وقاموس كبير فيه فلسفة شعبية معبرة عن السعادة والشقاء والخير والشر عن النور والظلام عن جوارح الإنسان، مستعرضا العشرات من هذه الأمثال.

واعتبر الكاتب والباحث ناهض زقوت، الأمثال الشعبية وثيقة اجتماعية وتاريخية ونفسية يهتم بها الدارسون، لأنها في المقام الأول، تترجم عن فلسفة الحياة التي يدين بها شعب من الشعوب في تلقائية وبساطة. 

 



وقال زقوت لـ "عربي21": "إن أنواع الخبرات المأخوذة من تجارب الحياة والتي يقوم عليها المثل الشعبي في كثير من الأحيان ذات أثر في سلوك الناس اعتمادا على أن المثل نتيجة لخبرة سابقة لأجيال ماضية".

وأضاف: "المثل الشعبي جزء من التراث، ويتميز بسمات معينة: كسرعة الانتشار ورفضه للموت المطلق حتى ولو ماتت الطبقة التي أنتجته، إذ يبقى المثل متغلغلا في الوجدان الجمعي، ويختزل القصة الشعبية والنادرة والطرفة في لغة جماهيرية مكثفة لا تتطلب ذاكرة متفرغة للحفظ المنهجي للأسماء والتواريخ". 

وأوضح زقوت أن الأمثال الشعبية تتميز بصفة موت المؤلف، أي أنها مجهولة المؤلف، وهذا عائد لكونها إرثا شعبيا، وصياغتها اشتركت فيها شريحة اجتماعية أو أكثر، فأوجدت كلماتها بما يتناسب مع عقيدتها وتفكيرها لتكون عونا في التغلب على صعوبات الحياة والعمل، ولهذا فان للأمثلة وظيفة تؤيدها، فهي بالإضافة إلى أنها حاجة اجتماعية اقتصادية ثقافية ونفسية، هي أيضا عمل فني.

وقال: "إن الأمثال لم تأت اعتباطيا في المجتمع، إنما تلعب دورا أساسيا في الحياة الثقافية للمجتمع، وتساهم في الكشف عن جوانب كثيرة وهامة في القيم الاجتماعية ـ الثقافية لشعب ما أو لمجتمع ما".

وأضاف: "أن الأمثال الشعبية الفلسطينية لها قوامها الخاص وطعمها المميز، رغم أن منابعها هي ذاتها منابع أمثال الأمة العربية، ولكن المتأمل في نصوص هذه الأمثال يلاحظ أن قسما منها له مساس مباشر بتراثنا الفصيح من حيث المعنى والصورة واللفظ، مع شيء من التحريف اللغوي الطفيف، حيث تظهر فيها اللهجة العامية الفلسطينية".

وأشار زقوت إلى أن الأرض تبرز في الأمثال الشعبية كوحدة غير قابلة للتجزئة، بحيث تشكل أي محاولة للاقتطاع منها تشويها لها، مؤكدا على أن جوهر هذه الوحدة، هو التصاق الفلاح بأرضه والذود عنها.

وأوضح أن الأمثال الشعبية تناولت كل ظواهر المجتمع، مشيرا إلى أنها تحدث عن الحيوان بما يمثله من دور أساسي في حياة الفلاح، ذاكرا عدد من الحيوانات التي جاءت في الأمثال مثل: الكلب، القطة (البس)، الذئب، الثعلب، الأغنام، القرد، الأسد، الجمل, الأبقار، الحصان، والحمار، وغيرها من الحيوانات والطيور.

وأكد الباحث الفلسطيني أن الأمثال الشعبية عبرت عن الملامح الشخصية والسلوك الحياتي للإنسان الفلسطيني، وذلك من خلال السلوك والواقع المحيط، والحواس في المثل والكناية والتعابير الشعبية والدين والصحة والموسيقى والغناء، والزمان والمكان.

وقال: "إن المثل الشعبي لم يترك شاردة أو واردة في السلوك الشخصي والملامح الشخصية للإنسان إلا وقد أتى على ذكرها، مما يؤكد ارتباط المثل بالمحيط الاجتماعي للإنسان بكل قوة".

من جهتها قالت الدكتورة تغريد شعفوط، رئيسة مركز كيان الثقافي: "إن المثل الشعبي من أكثر فروع الثقافة الشعبية ثراء، حيث يجسد المثل الشعبي تعبيرًا عن نتاج تجربة شعبية طويلة تخلص إلى عبرة وحكمة، ومجموعة الأمثال الشعبية تكون ملامح فكر شعبي ذي سمات ومعايير خاصة، فهي إذن جزء مهم من ملامح الشعب وأسلوب حياته ومعتقداته ومعاييره الأخلاقية وهو ليس مجرد شكل من أشكال الفنون الشعبية، وإنما هو عمل يستحث قوة داخلية على التحرك".

 

                  تغريد شعفوط.. رئيسة مركز كيان الثقافي

وأضافت شعفوط لـ "عربي21": "المثل لون أدبي معبر طريف المنحى، عظيم الفائدة، يلخص تجربة إنسانية، يتردد على ألسنة الناس، على أن شعبية المثل مكنته من احتلال موقع جليل في نفس قائله وسامعه، وجعلت له مكان الصدارة، من حيث الأهمية والتأثير بين سائر فنون القول الشعبية".

واعتبرت المثل الشعبي بأنه أحد أهم عناصر التراث الفلسطيني الموغلة في القدم، مشيرا إلى أن بعض الأمثال الشعبية استمد من حادثة واقعية وبعضها استمد من حكاية أو نكتة شعبية، وأخرى اقتبست عن الفصحى بنصها أو بشيء من التغيير، منوهة إلى أن بعض الأمثال مستمدة من الأدب الشعبي.

وقالت شعفوط: "قد يرى البعض أن كثيرًا مـن الأمثال لا تتفق، بـل قـد تتناقض، لو وضعت جنبًا إلى جنب، ولكن حقيقة الأمر أنه لا تناقض، وهذا ليس لأن الفكر الشعبي متناقض، بل لأن التجارب والحالات شديدة التنوع".

وأضافت: "ولو اقتصرت الأمثال على إظهار جزء من الخبرات غير المتناقضة لما حق للدارسين أن يعدوا الأمثال صورة للفكر الشعبي وخبراته، ولكان ظهر جزء من الصورة وخفي جزء، ووظيفة الأمثال هي تسجيل خبرات الشعب والحفاظ على قيمه وعاداته وتقاليده من الاندثار، ونقل خبرات الآباء والأجداد إلى الأبناء والأحفاد".

وعددت شعفوط مصادر الأمثال الشعبية التي كانت على النحول التالي: ما استمد من حادثة واقعية، ما استمد من حكاية أو نكتة شعبية، ما اقتبس عن الفصحى بنصه أو بشيء من التغيير، المستمد من التراث الأدبي الشعبي، المستمد من الأغاني الشعبية، المستمد من ملاحظة الطبيعة والمعرفة الجغرافية المناخية والزراعية، المستمد من معتقدات قديمة جدا، المستمد من ملاحظة دقيقة لأعماق النفس البشرية أو التجربة الإنسانية العامة، المستمد من تعابير أعجب الناس بجماليها وبالصورة الكاريكاتيرية الساخرة فيها، والمستمدة من التعامل مع شعوب وثقافات أخرى.

وأشارت إلى أن الأمثال في مجموعها من زاوية المضمون تأتي في الإطارات التالية: قيمية، وصف حال، ملاحظة إنسانية عامة، التعابير العامة والتشبيهات، والتجربة السياسية التي مر بها الشعب الفلسطيني على مدار تاريخه.

ومن أهم الأمثال الشعبية التي رصدها موقع "عربي21" والتي تبدأ بجملة "بقول المثل" هي: رب ابنك صغير بتلاقيه كبير، اطعم ابنك واكرمه ما بتعرف مين يحرمه، ما بيموت الا لما بقصر عمره، كثر الشد بيرخي، ان كبر ابنك خاويه، بيت مال بربيش رجال، هم البنات للمات، ايام الزيت اصبحت مسيت، اقلب الجرة على تمها بتطلع البنت لامها، الف عدو برة ولا عدو جوا، الموت مع الجماعة رحمة، ما بحريث الارض الا عجولها، البنت ان طلع لها قرن اكسر قرنين، البنت بلا أخلاق دالية بلا أوراق، ابن الوز عوام، رجعت حليمة لعادتها القديمة، طنجرة ولقت غطاها، الدنيا قايمة والعرب نايمة، حط راس بين هالروس وقول يا قطاع الروس، مجنون برمي حجر في بير 100 عاقل ما بطلعوه، الحيطان الها ودان، إلي ينزل من السما تتلقاه الأرض، محدش بقول على زيته عكر.