أن تعيش جماعة كبيرة كالإخوان المسلمين مشكلة، أو أزمة، ليس أمرا مستغربا، فهذا شأن الكيانات الضخمة عددا وتاريخا، لكن المشكلة الكبرى، والأزمة التي تحتاج لوقفة من العقلاء سواء في الكيان أو خارجه من محبيه، هو أن تسقط فئة من هذه الجماعة في اختبار الأخلاق.
قلت في مقالات سابقة: إن معركة الإخوان الأخيرة، ستنتهي بلا شك بعد فترة تطول قليلا أو تقصر، لكن الأزمة لم تنته بعد، لأن للأزمة أبعادا أخرى أخطر من معركة التنظيم ومن يقوده، ومن الأحق بهذه القيادة وهذه المناصب فيها، ولست معنيا بالمنتصر والمهزوم، لأن الأزمة تتعلق هنا بالمنتصر أخلاقيا، والمنهزم أخلاقيا كذلك.
المعركة بين فصيلين في الجماعة، أو فئتين، بغض النظر عن حجم كل منهما، ومن له الغلبة، ومن ليست له، لأنها كما قلت معركة تنظيمية لا تعني الكثيرين من الناس، بل ما يعني جموع المؤمنين بالجماعة، والمؤيدين لها، هو: المعركة الأخلاقية، والتي بدت علامات الهزيمة النكراء فيها لأناس كانوا يرفعون لواءها وقت أن وجدوها تحقق لهم وجودا وموقعا تنظيميا، ولما أصبحت الأخلاق عبئا عليهم، وعائقا عن إحراز مكاسبهم، تخلوا عن التظاهر بها، لأن من يتحلى بالأخلاق لا يمكن أن يتخلى عنها بسهولة، إلا إذا كانت ستارا يستتر به بين الناس، فالأخلاق سلوك لا تنفصل عن المتحلي بها سواء في حربه أو سلمه، مع القريب والبعيد، مع العدو والصديق.
المعلوم أن الإخوان تنظيم يشترط فيمن ينضم إليه شروطا ومواصفات، أولها: صفات أخلاقية، ومن الصفات العشر للأخ المسلم: متين الخلق، ولا تقبل الإخوان أن يدخلها بداية من يتصف بسوء الخلق، لكن الأزمة الأخيرة بينت مستوى من الأخلاق كان يمكن أن يظل مستترا، لكنه للأسف برز وبصورة فجة، جعل الناس تنظر نظرة أخرى غير ما كانت تنظر به للجماعة وتاريخها.
كانت هذه الممارسات التي يراها الناس الآن معلنة وفجة، كانت تمارس مع المعارضين داخل التنظيم، أو من خصوم لبعض قياداته، في خلافات لا يمكن أن تكون لله، بل كانت شخصية بحتة، ولكن كان يكسوها من يخوضون المعارك وقتها بأنها لأجل الدعوة، ولكن الآن وقد أصبحت معركة بين طرفين كانا طرفا واحدا، وبرز طرف منهما، في صورة المتجاوز لكل خلق، والمتجاوز لكل سلوك تنظيمي، كان ينهى الناس عنه، ولكن عندما أصبحت المعركة معه صفرية، ولا بقاء له بدونها، استحل كل هذه الممارسات، دون قيد أو شرط أخلاقي.
حتى وصلت ممارسة هذا الطرف لتجاوز الخلق في الخلاف، أن كتب أحد أبرز قيادات الإخوان يقول عنهم: إنهم اغتصبوني في الله، يقصد بذلك ما كان يفعله البعض معه ومع غيره من انتهاك للسمعة، واستحلال لعرضه وعرض من يريد أن يحرمهم من كعكة الإخوان، أو قيادتها تحديدا، وهي ممارسات ليست وليدة اليوم، ويشهد هذا العضو وغيره أنه كان يرى بأم عينه نفس هذه الممارسات تمارس مع إخوان له، يعلم براءتهم، ويكتفي بالاحتجاج الصامت، أو السري، مخافة أن ينالوا من عرضه، فلما أصبح في الصفوف الأمامية في المعركة أمامهم جعلوه غرضا وهدفا لسهامهم، وهو ما حدث مع غيره وغيره.
أخطر ما في الأزمة الأخيرة أنها أوضحت أمرا خطيرا في الأخلاق، وهو: التضحية برأس المال الأخلاقي، لأجل مكسب محتمل صغير ووقتي، لا يمكن أن يعوض نزيف الأخلاق مقابل هذا الربح إن تحقق مع الأسف.
كنا نكتب ونحذر ونرسل مع كل عاقل من قبل، منذ سنوات، أن هذه الفئة أكبر مشكلتها: التجاوز الأخلاقي في الخصومة، واستحلال كل وسيلة تحقق غرضها، حتى لو كان على حساب الدعوة ذاتها، أو الشهداء والمعتقلين، عندما تم منع الأموال عن الشباب المغترب، وأسر المعتقلين والشهداء، وكانت الحجة التي ترفع وقتها لتخيف الجميع، أنهم يمنعون ذلك عن المعارضين لخط الجماعة السلمي، وهي تهمة لا سند لها، ولا دليل، بل هي دليل سقوط أخلاقي قيمي.
وفي وقت الخلاف السابق كانوا يستعينون على منصاتهم بأشخاص حولهم علامات استفهام من حيث علاقاتهم، أو أخلاقياتهم، أو من سيئي الأخلاق، والخائضين في الأعراض، وكان الكثيرون يرسلون لهم ما يكتب هؤلاء، من بوستات على الفيسبوك، وغيره، يخوضون فيها في أعراض مخالفيهم في الجماعة، ولم تكن المشكلة في وجود هؤلاء فقط، بل كانت في تبنيهم لهم، في تحد واضح لتبني من يتجاوز الأخلاق ما دام تجاوزه يفيدهم، حتى قابلت أحدهم يوما، وقلت له: لماذا تقبلون الارتباط بشخصية وصل بها لحد إلى فبركة صورة لزوجة أحد الزعماء بالكذب، وتخوض في أعراض الناس بالباطل، فقال لي بنص كلامه: شخصية تضرب في خصومنا ولا تضرنا، لماذا نمنعها؟!
أخطر ما في الأزمة الأخيرة أنها أوضحت أمرا خطيرا في الأخلاق، وهو: التضحية برأس المال الأخلاقي، لأجل مكسب محتمل صغير ووقتي، لا يمكن أن يعوض نزيف الأخلاق مقابل هذا الربح إن تحقق مع الأسف.
أعتقد أن على الجماعة مراجعة هذا الملف الأخلاقي كاملا، عند جميع الأطراف، فليس مقبولا من تنظيم أحد أهم أبواب الدخول إليه: الأخلاق، أن يكون أحد أكبر أدوات المعارك فيه: سوء الأخلاق، وانتهاك الأعراض، لأن الأمر أصبح ملفتا للنظر، فقد أصبح سلوكا ممنهجا، لرجال ونساء، حتى وصل أن كتبت سيدة على صفحتها محسوبة على طرف في الأزمة اشتهر بالتجاوز الآن، تصف أحد القامات السياسية، وأحد القامات الصحفية والإعلامية، تصفهما بالعهر.
النماذج أكثر من أن تحصى، ونقل ما يكتب يعف قلم الإنسان عن نقله، لكن الجميع يلاحظ هذا الانحدار الأخلاقي في الخصومة، وأسوأ ما فيه: بروزه على كل الوسائل، بشكل فج، وهو ما يستدعي دق جرس الإنذار، والعمل على رأب هذا الصدع الأخلاقي، وأن تكون الجماعة أخلاقية كما تعلن أدبياتها، وتستقيم الأدبيات مع الواقع والعمل، وإلا كبر الناس عليها أربعا.
أكاذيب فؤاد علام عن الإخوان وكتاب "دعاة لا قضاة"
الوطنية هي الملاذ الأخير للأوغاد وشريف منير