"الوفاءُ لمن يستحقه فرضُ عينٍ على القادرين، خاصة لو كان المستحق قد قدّم أفضل ما لديه في سبيل الآخرين".
أنا أؤمن جداً بذلك، وأرجو أن يوفقني الله عز وجل لإقناعك بذلك، إن لم تكن به من المؤمنين.
وبالعودة إلى العنوان (الحركة الأسيرة في المناهج التعليمية)، فالمؤكد أن الإعجاب يأخذنا إلى عنان السماء حينما نقرأ في المناهج التعليمية لأي دولة عن شخصية كان لها بصمة في مجال من مجالات الحياة، ويزداد احترامنا لمن فكر بالكتابة عنها ثم أخرج ما كتبه ونثره في فضاء الكون وقال اقرأوا عن عظمائكم، مع التأكيد على أنه ليس كل من ذكرته المناهج كان عظيماً، فبعض الشخصيات والقضايا أخذت أكثر من حقها، وضاع حق شخصيات وقضايا أكثر أهمية.
ونحن كشعب فلسطيني لدينا الكثير من الشخصيات المُشرفة والمُشرقة، فرجالنا ونساؤنا وأطفالنا وكبارنا وصغارنا وأحجارنا وأشجارنا وأبقارنا ما بخلوا على الوطن بشيء، "فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا"، ولن يبدلوا إن شاء الله.
ومن الفئات التي قدمت للوطن ما يفوق الوصف هم الأسرى، ونحن إذ نتحدث عنهم ننحني خجلاً وتواضعاً أمام عظيم صنيعهم، فهم فوق الكلمات، ويستحقون منا كل الوفاء قولاً وفعلاً.
قد يسأل أحدنا: كيف يكون الوفاء للأسرى؟
كثيرة هي أوجه الوفاء للأسرى، حيث تبدأ برعاية أهلهم بما يليق بهم، مروراً بالفعاليات المختلفة من وقفات ومسيرات وندوات ومؤتمرات وأمسيات ثقافية، وتفعيل قضيتهم على كل الصعد داخلياً وخارجياً، وفوق كل ذلك أسر الجنود وصفقات التبادل، وهذا شيء عظيمٌ ويدخل في سياق تراكم الفعل الثوري بكافة أشكاله.
ومؤخراً تعرفت على نموذج رائع فيه الكثير من الوفاء للأسرى، حيث خصصت جامعة القدس المفتوحة مساقاً جامعياً كاملاً للحديث عن الأسرى وأسمته "الحركة الأسيرة". ومما زاد الكتاب دسماً وقوة هو أن من كتبه هو الأسير المحرر الأستاذ الدكتور جهاد البطش، والذي يشغل حالياً نائب رئيس الجامعة لشؤون قطاع غزة، ويُدرّسه الدكتور زكريا العثامنة.
إن إعجابي بصنيع جامعة القدس نابع من أنه لا فائدة للمناهج التعليمية إن لم تتحدث عن محاسن البلاد والعباد، وتفتح شهية الإنسان تجاه الدفاع عنها بكل قوة رغم حرقة الواقع، ولا فائدة للجامعة إن لم تخبر الطلاب بأن لكم في بطن الأرض شهداء وفي خارج الوطن لاجئين وخلف القضبان أسرى، وبينكم جرحى وأيتام وأرامل وثكالى، ولا فائدة للتعليم إن لم يحقن عقل المواطن بحقن حب الوطن والانتماء، ويغرس تفاصيله في شرايين قلبه ويجعل مقدساته أغلى من روحه.
كتاب "الحركة الأسيرة" ليس مقرراً للنجاح في الامتحان النصفي أو النهائي، أو الحصول على أرقام مرتفعة على الورق، بل نجاح في الوفاء والانتماء، وارتفاع مستوى الوفاء في شرايين الأوفياء.
في الكتاب معلومات يجهلها كثير ممن يعتلون المنابر متحدثين عن الأسرى، فهو لم ينظر للأسرى كما تعودنا على أنهم "أرقام" مجردة من المشاعر والأحاسيس، والمفاخر والمآثر، بل يؤرخ لمسيرة جهادية نضالية حافلة؛ فيها الأمل يواجه الألم، الابتسامة تواجه الموت، و يُواجه الجَلدَ بالجَلَدِ.
في "الحركة الأسيرة" سرد مفصل لمعالم الإنسانية الميتة ولوحشية العدو في التعامل مع الأسرى، حيث التعذيب والجلد والعزل والإهمال الطبي والقتل البطيء والممنهج للروح النضالية، وهذا أكده برنامج ما خفي أعظم مؤخراً.
في "الحركة الأسيرة" معلومات عن أسماء سجون نرددها دون أن نعرف متى ومن أنشأها، وعن إضرابات نظمها الأسرى، وعن أسرى ارتقوا شهداء.
إن حديثي عن مساق "الحركة الأسيرة" في جامعة القدس المفتوحة لا يعني إغفال أدوار الجامعات، فهي تخدم الأسرى داخل وخارج السجن، حيث تتيح للأسير إكمال دراسته وهو في السجن ضمن ظروف ما، وتقدم له معاملة مالية مميزة حين تحرره.
أختم بما أراه في باب الوفاء أيضاً، أن تنتهج المؤسسات التعليمية بكافة مراحلها مساقاً يتحدث عن الأسرى، وأن يتم وهذا للجامعات تعليق صور الأسرى الذين التحقوا بالجامعات الفلسطينية أثناء وبعد تحررهم وتعليقها في مكتبة الجامعة، وأن تستضيف الجامعات كل شهر أسيرا محررا ليتحدث عن الأسر ومرارته.
أفكار خدمة الأسرى كثيرة، فمن أراد الاستزادة فليقرأ مقالي بعنوان: "كيف نخدم قضية الأسرى؟".
كيف انتزع الأسرى زمام المبادرة من الاحتلال الإسرائيلي؟
لماذا تعتقل اسرائيل الفلسطينيين إداريا؟ هل الإضراب عن الطعام هو الحل؟