بينت التجارب التاريخية خلال السبعين عاما السابقة أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية ليست داعمة لنشوء ديمقراطية في بلدان العالم الثالث، إذ تفضل دعم أنظمة استبدادية تابعة لها أو تقيم علاقات تحالف معها.
بدا هذا الأمر واضحا في السياسة الأمريكية في بلدان العالم العربي إبان ثورات الربيع العربي، وقبلها في بلدان أخرى، خصوصا في إفريقيا وآسيا، وبرزت هذه السياسة واضحة أيضا لدى فرنسا في الساحة الإفريقية.
في حين يختلف الموقف الأمريكي من هذه المسألة لدى الدول التي ترتبط بها مصالح خاصة أو تشكل تهديدا لها كما هو الحال في أمريكا اللاتينية وبعض الدول الآسيوية، حيث فضلت الإدارات الأمريكية دعم الديمقراطية وترسيخها في ظل بيئة محيطة معادية.
في عام 2003، عبرت الخارجية الأمريكية بصراحة عن سياستها إزاء الديمقراطية، حين قالت إذا تعارض تطبيق الديمقراطية مع المصالح الأمريكية، فالأولوية للمصالح ويمكن التضحية بالديمقراطية.
تعاملت الولايات المتحدة مع البلدان الدكتاتورية والبلدان ذات الديمقراطيات الناشئة بأساليب مختلفة تبعا للمرحلة التارخية وخصوصيتها، فخلال الحرب الباردة بعيد الحرب العالمية الثانية، ركزت الاستراتيجية الأمريكية على إيقاف المد الشيوعي في محيطها الجغرافي أولا وفي بعض المناطق الدولية ذات الحساسية.
هكذا وقفت واشنطن ضد رئاسة سلفادور أليندي في تشيلي ودعمت الانقلاب العسكري الاستبدادي بزعامة أوغوستو بينوشيه، وهكذا تحالفت مع باكستان ومصر والسعودية.
في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، ظهر توجه عالمي لتأييد التحول الديمقراطي ودعم حقوق الإنسان، دون أن يؤثر هذا التوجه الجديد على مبدأ السياسة الأمريكية الخارجية، التي قد ترفض وتحارب الديمقراطية إذا ما هددت مصالحها في هذه الدول.
هذا التوجه العالمي عُبر عنه في سياسة الاتحاد الأوروبي أكثر ما عُبر عنه في السياسة الأمريكية، فقد ربط الاتحاد الأوروبي العضوية فيه والحصول على دعم اقتصادي بقيام الدول في أوروبا الشرقية فضلا عن إسبانيا والبرتغال بخطوات مهمة نحو الديمقراطية.
ولذلك، وضع اتفاق هلسنكي في منتصف سبعينيات القرن الماضي للترويج للديمقراطية، وفعلا بدأت تظهر النتائج في إسبانيا والبرتغال واليونان، وفي مرحلة لاحقة في دول أوروبا الشرقية.
مع مطلع هذا القرن أصبح نشر الديمقراطية هدفا عالميا، ففي عام ألفين اجتمع في وارسو مجتمع الديمقراطيات، لنشر الديمقراطية وتوطيدها.
وكان لأحداث أيلول (سبتمبر) 2001 دورا مهما في دعم الديمقراطية، لاعتقاد العواصم الغربية أن التنمية الاقتصادية والديمقراطية سيؤديان إلى تجفيف منابع الإرهاب وإلى تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المطلوب لتخفيف التطرف المجتمعي.
في مرحلة الربيع العربي بدا التخبط واضحا على الولايات المتحدة، فمن جهة وجدت نفسها على مستوى الخطاب السياسي الرسمي ملزمة بدعم الثورات المطالبة بالحرية وإنهاء الاستبداد، ومن جهة ثانية كانت تخشى أن تؤدي هذه الاحتجاجات إلى اضطرابات في بعض الدول الهامة، وأن يصل إلى حكمها تيارات معادية لها ولإسرائيل.
غير أن طبيعة الصراع وطبيعة التوازنات الدولية وتشابك المصالح، جعلت من التنمية الاقتصادية وتحقيق الديمقراطية مقولتان فارغتان وتخلوان من أية رؤية واقعية، ولذا، استبدلتا بالتحالف مع الدول المناهضة للإرهاب بغض النظر عن طبيعة نظام الحكم فيها، ديمقراطي أم استبدادي.
في مرحلة الربيع العربي بدا التخبط واضحا على الولايات المتحدة، فمن جهة وجدت نفسها على مستوى الخطاب السياسي الرسمي ملزمة بدعم الثورات المطالبة بالحرية وإنهاء الاستبداد، ومن جهة ثانية كانت تخشى أن تؤدي هذه الاحتجاجات إلى اضطرابات في بعض الدول الهامة، وأن يصل إلى حكمها تيارات معادية لها ولإسرائيل.
في مصر، ومع وصول الإخوان المسلمين إلى سدة والحكم، والبدء باتباع سياسات بطيئة لإعادة مصر إلى مكانتها العربية، أرعب الولايات المتحدة وإسرائيل، فعملت بشكل سري على الإطاحة بالتجربة الديمقراطية الوليدة ودعم الانقلاب العسكري، وإن كان الأمر عبر مقولات الثورة أو تصحيح مسارها، كعنوان عريض يخفي وراءه الأسباب الحقيقية للانقلاب العسكري.
أما في تونس مع انقلاب قيس سعيد على المسار الديمقراطي، وفي السودان مع انقلاب البرهان على التفاهمات السياسية الناجمة عن الثورة، فقد كان الموقف الأمريكي خجولا رغم البيانات والتصريحات الرافضة لخطوتي سعيد والبرهان.
في سوريا، كان الوضع أكثر وضوحا بسبب خصوصية الجغرافية لم تهتم الولايات المتحدة الأمريكية بالمسار الديمقراطي ولا بالمطالب الثورية، بقدر ما اهتمت بإضعاف النظام السوري دون سقوطه.
وبعد سنوات من الستاتيكو العسكري والسياسي والاقتصادي، رضخت الولايات المتحدة لمطالب حلفائها العرب بضرورة الانفتاح الجزئي نحو النظام السوري ضمن مقاربة قائمة على حاجة هذه الدول للتحالف مع دمشق، وإمكانية إجراء تسوية مع النظام السوري تقوم على ربط العودة إلى الحاضنة العربية مع الابتعاد عن إيران.
*كاتب وإعلامي سوري
كيف السبيل إلى الشِّفاء من منطق القوة العمياء؟!
مشروع الديانة الإبراهيمية بين الأزهر والإمارات
في ظل الغياب العربي.. هل يحسم الموساد الأزمة في السودان؟