السقوط الأخلاقي بلا قاع أحد أدوات نظم
الاستبداد والفساد والفشل في شغل الرأي العام والسيطرة على الشعوب بعيدا عن قضاياه المصيرية في حفظ الدين وحقوق الدنيا، وهو إحدى الصور البديلة للإدمان ونشر المخدرات لتغييب الوعي وترسيخ اليأس والإحباط الذي تقوم به الأجهزة الأمنية والمخابراتية.. نمط متكرر في الأنظمة العربية الفاشلة وأجهزتها غير الأخلاقية، والتي كان رئيس مجلس شورى مبارك قائدا لها في ستينيات القرن الماضي.
واقع هذا السقوط ليس بعيدا عن أحد، خاصة بعد انقلاب 3 من تموز/ يوليو 2013، لشغل الفراغ الذي تركته جماعة
الإخوان والحركة الإسلامية.
نفس الأجواء في السقوط غير الأخلاقي عاشته
مصر بعد نكسة العام 1967 وحتى بدايات السبعينيات، عندما اجتاحت مصر سلسلة من الأفلام السينمائية التي تروج للرذيلة وهدم الأخلاق المصرية والإسلامية التي يعتز بها شعب مصر، حتى غير الملتزمين دينيا منه. ثم قدّر الله الخير لهذا البلد، فكان العود الحميد للأخلاق بدايات الإعداد لحرب أكتوبر المجيدة، والتي كان "شعارها الله أكبر"ـ والذي هز وجدان الجنود والشعب وكان النصر من الله مؤزرا.
السقوط الأخلاقي والفكري والعقدي في السنوات الثماني الأخيرة يمثل ثقوبا غائرة تهدد سفينة الوطن بالغرق، في تكرار مخز لفترة نهاية الستينيات وكأننا لم ولن نتعلم.. سيطرة الأجهزة الأمنية والمخابراتية على نفس الوسط المسمى بالفني، وإدارة الممثلين والممثلات والغناء والدراما بالريموت كنترول، وكأنهم دمى على خشبة مسرح الكوميديا السوداء. والأسوأ من ذلك شغل المجتمع المصري البسيط ببعض الأفكار الشاذة والغريبة؛ من بعض الكتاب والإعلاميين وحتى رجال الدين (عيسى وأديب وجمعة وغيرهم كثير)، لتستمر حالة الغفلة التي تضيع فيها المبادئ فيتقدم الهابط ويسود الحقير، زد على ذلك حالة التيه التي يعيشها ملايين الشباب، رصيد الأمة، فلا علم ولا تعليم حقيقيا، لكن عبث في عبث.
فترة الستينيات انتهت بالهزيمة النكراء والتي سميت بالنكسة، على غرار لا أكذب لكني أتجمل، كنوع من الفهلوة المصرية المعهودة وإن كانت إلى النكبة أقرب، فقد ضاعت الأرض والكرامة وسحقت الجيوش العربية سحقا.
في فترة ما بعد الانقلاب، سُلمت الأرض (تيران وصنافير) تسليم مفتاح بتأييد معتوه للنظام والمخابرات والأمن والإعلام والبرلمان والنخبة الموالية، وفرط في الثروات (حقول غاز شرق المتوسط، وكارثة ضياع حصة مصر في مياه النيل)، وانشغل الجيش عن عمد بالأعمال التجارية العقارية والمشروعات الاستثمارية، بعيدا عن رسالته المقدسة في حماية الحدود، لذا كان دوره في القضاء على الإرهاب في سيناء محيرا ويثير تساؤلات لا جواب لها، المهم التفريط في ثروات وملكات وقدرات ومقدرات مصر والمصريين من قبل هذا النظام، وكأنها رسالة مقدسة وما زال الهبوط مستمرا.
خلاصة المسألة، عندما ثقبت سفينة الوطن في العام 1967 وما بعده، قيّض الله لهذا الوطن زمرة طاهرة من الشرفاء الوطنيين من النخبة السياسية وطلاب الجامعات والاتحادات العمالية؛ كان لها الدور والأثر في العودة للمسار الصحيح الذي يليق بمصر الكبيرة، وكان نصر أكتوبر والصحوة الإسلامية المباركة.
ويبقى السؤال: من لهذه المرحلة وسفينة الوطن على وشك الغرق المتعمد؟ في نفس الوقت الذي يبطش فيه نظام الانقلاب بكل من يحاول الإنقاذ؟؟
ألا من بقية خير في هذا الشعب الجريح المكلوم، في الداخل أو المنافي، كل حسب طاقته وظروفه، يتقدم الصفوف، بعيدا عن الاشتباكات والانشغالات الفارغة، ينشر الوعي ويصحح المفاهيم ويوضح الرؤى ويكشف الحقائق ويشد العزائم ويعزز الثقة، ليكون سببا في فتح من الله قريب، حتى تدق ساعة الخلاص فيكون الشعب حاضرا وليس مغيبا؟