في الوقت الذي يحتفي فيه كثير من المصريين والعرب بالمحلل الرياضي المصري بقنوات "بين سبورت" محمد أبوتريكة، لما يعلنه من مواقف إنسانية ودينية خلال تحليله للمباريات؛ يواجه لاعب ليفربول الإنجليزي، المصري محمد صلاح انتقادات عنيفة من الجمهور العاشق له ولأبوتريكة.
وبعد أيام من ضجة عالمية أثارتها انتقادات أبوتريكة لارتداء كباتن الفرق الإنجليزية شارة "الرينبو"، وسط إشادة عربية وإسلامية وانتقادات غربية له؛ أثار تصريح لصلاح حول شرب الخمر الجدل والغضب من الجماهير التي تطالبه بأن يحذو أخلاقيا حذو أبوتريكة.
وفي المقابلة التي أجراها صلاح، مع الإعلامي عمرو أديب بمدينة ليفربول الإنجليزية، قال "فخر العرب" عن شرب الخمر: "أشعر أني لم أفكر يوما في شرب أي شيء. هذا السؤال لا أفكر فيه نهائيا".
وحول الحفلات التي يتضمنها شرب للكحول، رد قائلا: "الناس هنا ما بيضغطوش على حد أنه يعمل حاجة، بس أنا في الآخر بحس إني أنا عمري مثلا ما حد ضغطني أنه لازم تشرب كذا، لأ، ونفسي نفسها مش عايز أشرب مش عايز أجرب يعني".
"سجال الجماهير"
وطالبت جماهير صلاح بأن يكون محدد المعالم واضحا في المواقف، مؤكدين أنه كان عليه ألا يكون مائعا في رده، وأن يقطع بأن شرب الخمر محرم في دين الإسلام، وأن يتخذ مواقف جريئة مثلما يفعل أبوتريكة.
لكن متابعين، قالوا إن المشكلة ليست في محمد صلاح، ولكن المشكلة في وضع الجمهور لصلاح بمكانة ويريدونه أن يقوم بدور قرر هو ألا يلعبه، مؤكدين أن كل لاعب مشهور ليس بالضرورة أن يصبح مثل أبوتريكة.
البعض أشار إلى دور صلاح في تخفيف وطء ظاهرة الإسلاموفوبيا في إنجلترا وبين مشجعي الكرة الإنجليزية الأكثر تعصبا في العالم، ولفتوا إلى أن سجوده، وظهور زوجته في جميع المناسبات بالحجاب الإسلامي أكثر تأثيرا.
فيما أكدوا أن صلاح غير مطلوب منه حمل قضايا الأمة بأكملها على كاهله، وأنه لاعب كرة قدم محترف وليس داعية دينيا، ويعيش في مجتمع غير عربي أو مسلم يعاني فيه المسلمون من تبعات ظاهرة الإسلاموفوبيا.
الأمر الذي أخذ منحى السجال بين رافضين ومدافعين عن صلاح؛ دفع دار الإفتاء المصرية لنشر سلسلة تغريدات حول الخمر وحكم شربه، مؤكدة أن: "عدم التفكير في إتيان الأشياء المحرمة عبادة في حد ذاته"، في إشارة لقبولها حديث صلاح.
وأضافت في تغريدة منفصلة: "تحريم شرب الخمر ثابتٌ بنصوص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين".
انتقاد الجماهير العربية والمصرية لصلاح ليس الأول، حيث ثار جدل كبير إثر معركة "سيف القدس"، آيار/ مايو 2021، والاعتداءات الإسرائيلية على القدس والمسجد الأقصى وغزة.
ففي الوقت الذي أعلن العديد من لاعبي الكرة المسلمين تضامنهم العلني الواضح مع فلسطين، جاء موقف صلاح بنشر صورة بدون تعليق له في مسجد قبة الصخرة، ليثير انتقادات المتابعين.
وحقق صلاح نجاحات كروية كبيرة وضعته بين نجوم كرة القدم العالمية، ووضعته بالمركز 34 بقائمة الرياضيين الأعلى أجرا لعام 2020، وفق مجلة "فوربس".
ويصل إجمالي أرباح صلاح من عقده مع ليفربول الذي لعب له منذ تموز/ يونيو 2017، إلى (35.1) مليون دولار، بحسب قائمة "Celebrity 100" في نيسان/ أبريل 2020.
لكن تأثير صلاح في المجتمع الإنجليزي وصل إلى نشر جامعة "ستانفورد" دراسة في تموز/ يوليو ٢٠١٩، تؤكد انخفاض نسبة الإسلاموفوبيا والجرائم المتعلقة بكراهية المسلمين في ليفربول بنسبة ١٩بالمئة بسبب احتفال صلاح عبر السجود ورسمه صورة إنسانية عن الجالية المسلمة.
وفي المقابل، يواصل أبوتريكة تقديم المواقف الصريحة دون حسابات مكسب أو خسارة لموقعه بفضائية هي الأهم عربيا في مجال الرياضة، هذا إلى جانب مواقفه المعروفة وقت أن كان لاعبا مع "فلسطين"، و"شهداء ألتراس" الأهلي والزمالك، والانقلاب العسكري في مصر، وغيرها.
ولكن السؤال؛ هل مطلوب من صلاح أن يكون نسخة ثانية من محمد أبوتريكة؟ أم أن أدوار صلاح في الملعب بإحراز وصناعة الأهداف والسجود خلفها على الأرض أشد تأثيرا على الجماهير الغربية، وذلك في ظل قوانين "فيفا" الصارمة؟
"شيزوفرينيا اجتماعية"
وفي رده قال الكاتب الصحفي والإعلامي المصري المقيم بأمريكا محمد السطوحي: "شاهدت لقطات فيديو محاكمة الشاب الذي قطع رأس شخص بالإسماعيلية ومشى به في الشارع، رأيت أمه المنقبة التي تحدثت عن ابنها (المظلوم) ورأيته يتحدث معها عن (أمر الله)".
السطوحي، أضاف في حديثه لـ"عربي21": "لو سألتهما عن محمد صلاح ربما تجد لديهما استنكارا لما قاله ومزايدة عليه باسم الدين".
وأشار إلى أنه "أصبحت لدينا (المجتمع المصري) حالة شيزوفرينيا دينية واجتماعية، صاحبها حالة تنمر ورغبة في اصطياد الأخطاء المفتعلة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ وطبيعي أن تزداد مع شخص مثل صلاح بما له من نجومية".
وأكد الإعلامي البارز أن "من يزايدون على صلاح باسم الدين لم يفعلوا شيئا يقترب من صلاح في الدفاع عن الإسلام دون أن يتكلم".
ولفت إلى أن "هناك دراسات علمية تؤكد أن الإسلاموفوبيا تراجعت كثيرا في بريطانيا وفي ليفربول تحديدا بسبب محمد صلاح".
ويعتقد السطوحي، أننا "في مرحلة ارتبط فيها ذكر الإسلام بالعنف والإرهاب، مجرد ظهور شاب مسلم متميز مبتسم ومحبوب هو في ذاته أقوى سلاح في مواجهة الإسلاموفوبيا".
وأضاف: "عندما يكون اسمه محمد، ويسجد بعد تسجيل أهدافه الكثيرة، ويصبح ذلك أمرا عاديا عند الجمهور بل يتغنون به؛ هذه كلها أمور تصب في تقديم الوجه الإيجابي للمسلمين في الغرب".
وخلص السطوحي للقول بأنه "من الخطأ أن نطلب من صلاح أن يتكلم أو يتصرف كرجل دين، فهو لاعب كرة وتميزه ونجاحه لا يعني أن نطالبه بما ليس فيه، ونفرض عليه أفكارنا نحن وما نريده منه، فهو نفسه وهذا يكفي".
"سؤال خبيث"
وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر الدكتور مصطفى العزب: "أعذر الجماهير المشتاقة لقدوات حسنة ورموز عظيمة تشبع إحساسهم بالخزي والهزيمة على يد الفاسدين الذين أضاعوا الدنيا والدين معا".
الأكاديمي المصري أضاف في حديثه لـ"عربي21"، أنه "وبالتالي لحب تلك الجماهير لمحمد صلاح فقد كانوا يأملون في أن يروا فيه كل ما يتمنوه من شموخ وإباء".
ولفت إلى أنه "في نفس الوقت؛ فليس من المنطق أن نتوقع من الناس نفس الطاقات والإمكانيات فالظروف والشخصيات في غاية الاختلاف".
وأوضح العزب، أن "هذا الكلام ليس دفاعا عن محمد صلاح على الإطلاق"، معبرا عن أمنيته بأن "يرجع أكثر اعتزازا بدينه، وأن يصبح أكثر جرأة في وجه الباطل والمظالم".
وأكد أن "عمرو أديب، وسؤاله الخبيث، كان الأولى بكل ذلك الهجوم".
وقال: "من العدل أن تذكر أن بطلنا الفاضل أبوتريكة، لا يلعب حاليا بناد بريطاني يرتبط به كل مستقبله المهني، ولا يعيش بمجتمع غير مسلم يرصد أنفاسه، ولا يزور مصر باستمرار".
وجزم أستاذ الاجتماع السياسي بأن "صلاح لم يقع في حرام بإجابته التي لا تتحلى بالحد الأقصى من الشجاعة الذي نتمناه".
"ذكاء صلاح"
وفي تعليقه على تصريح محمد صلاح لعمرو أديب حول شرب الخمر، أكد الناقد الرياضي زغلول صيام، لـ"عربي21"، أن "صلاح شخص ذكي، وأنه برده هذا أراد أن يحافظ على قاعدته الشعبية والجماهيرية الكبيرة في أوروبا وإنجلترا".
ولفت في ذات الوقت أنه ليس مطلوبا من صلاح أن يكون نسخة ثانية من محمد أبوتريكة.
صلاح يعلق على فوز ليفربول المثير بـ"تدوينة" (صورة)
ليفربول يحتفي بـ"هدف صلاح الرائع" (شاهد)
صلاح يفاجئ طلابا ولاجئين.. ويجيب عن أسئلتهم (شاهد)