يشهد
الاقتصاد السوري منذ عقد تراجعاً قياسياً نتيجة استمرار الصراع وتسخير
موارد الدولة في خدمة آلة الحرب، وتوقف الإنتاج الصناعي، وموجة الجفاف التي تضرب المنطقة،
التي أثرت على مستويات الإنتاج الزراعي.
وإلى جانب ذلك، أسهمت تداعيات فيروس كورونا في اشتداد الأزمة الاقتصادية
على السوريين خلال العامين الماضيين، حيث ارتفعت معدلات التضخم إلى مستويات قياسية،
في الوقت الذي لا يتجاوز فيه متوسط الأجور في مناطق سيطرة النظام الـ32 دولارا أمريكيا،
رغم الزيادات على الرواتب من جانب النظام، في الوقت الذي تقدر فيه دراسات الحد الأدنى
الشهري للمعيشة بما لا يقل عن 250 دولارا للعائلة الواحدة.
ويجمع اقتصاديون أن الاقتصاد السوري يسير من سيء إلى أسوأ، ويرجعون ذلك
إلى سيطرة روسيا وإيران على الجزء الأكبر من الاستثمارات السيادية (الغاز، الفوسفات،
الكهرباء)، وإلى غياب الحل السياسي بفعل تعنت النظام، واستمرار العقوبات الأمريكية
والأوروبية على النظام السوري، وكبحها لأي تقارب اقتصادي وسياسي مع النظام السوري.
وليس أدل على ما يعانيه غالبية السوريين من انقطاع الكهرباء لأكثر من
20 ساعة في اليوم، والطوابير على الخبز والمحروقات، إلى جانب الازدحام على مراكز إصدار
وثائق السفر للهجرة هرباً من الواقع المعيشي، في الوقت الذي يواصل النظام سياسة التمويل
بالعجز نتيجة ارتفاع نسبة العجز في الموازنات المالية السنوية.
مستويات فقر قياسية
ووفق أرقام أممية، نشرها برنامج الأغذية التابع لمنظمة الصحة العالمية
في أيلول/ سبتمبر الماضي، يعيش تحت خط الفقر في
سوريا 90 في المئة من السوريين.
حيث يفتقر 9 ملايين و300 ألف شخص في سوريا إلى الغذاء الكافي، في الوقت
الذي ارتفع فيه عدد من يفتقر إلى الغذاء إلى مليون و400 ألف خلال الأشهر الستة الأولى
من العام 2021.
أما موقع "world by mab" فأكد تصدر سوريا قائمة
الدول الأكثر فقراً بالعالم، بنسبة بلغت 82.5 في المئة.
وفي ظل هذه الأرقام "الكارثية"، تطرح تساؤلات عن مستقبل الاقتصاد
في سوريا في العام الجديد، خصوصا مع بروز مؤشرات دولية على تخفيف حدة الضغط الاقتصادي
على النظام السوري.
وفي استشراف للاقتصاد السوري في العام المقبل، يقول الباحث والمحلل الاقتصادي
رضوان الدبس إن تحسن الاقتصاد السوري أو العكس يرتبط بجملة عوامل.
حالة عدم وضوح
وفي حديثه لـ"عربي21"، يوضح الدبس أن أي تحسن في الاقتصاد السوري
مرتبط بمدى الانفتاح الخارجي على النظام السوري إقليمياً ودولياً، مبينا أنه على سبيل
المثال، لدينا حاليا مشروع خط الغاز العربي، إذ من شأن البدء بتنفيذه تحقيق انفراجة
جزئية لدى النظام، وهو ما لم يتضح بعد، حيث لا زالت مصر تطالب بضمانات أمريكية قبل
بدء ضخ الغاز إلى لبنان مرورا بالأردن وسوريا.
ويتابع الباحث: كذلك شاهدنا في العام 2021 انفتاحا عربيا (الأردن، الإمارات)
على النظام السوري، لكن في نفس الوقت أعلنت المملكة العربية السعودية عن موقف قوي من
التطبيع مع النظام السوري، وبذلك فإن حالة عدم الوضوح لا زالت سائدة، ما يعني صعوبة
التكهن بالوضع الاقتصادي السوري في العام الجديد.
وهنا يشير الدبس إلى الجهود الروسية لتعويم النظام السوري، ويرى أنه
"في حال نجاح روسيا بذلك، قد يطرأ التحسن على الاقتصاد السوري".
على الصعيد الداخلي يصف الدبس الوضع الاقتصادي بـ"الكارثي"،
ويشير إلى نسبة العجز الكبير في الموازنة المالية السنوية التي أقرها النظام قبل وقت
قريب، للعام 2022.
ويتابع بأن الموازنة اعتمدت على بيع سندات الخزينة والقروض الداخلية والضرائب،
ولم تعتمد الميزانية على المداخيل (الصناعية، السياحية، الزراعية، الثروات الطبيعية)،
مما يعني غياب أي مؤشر على تحسن قادم في العام 2022.
الحوالات الخارجية
والحال أن غالبية السوريين في مناطق النظام، ومناطق السيطرة الأخرى (المعارضة،
قسد)، يعتمدون على الحوالات الخارجية من المغتربين للعيش، وفق ما أكد المراقب الاقتصادي
منذر محمد لـ"عربي21".
ويتابع محمد، أن القوة الشرائية لدى غالبية السوريين باتت معدومة، وخصوصا
مع ارتفاع الأسعار القياسي الذي يسود العالم بشكل كامل، والدول غير المستقرة على وجه
الخصوص.
ويعني كل ذلك، أن الأزمات الاقتصادية والظروف المعيشية إلى زيادة في سوريا
في العام الجديد، حسب محمد، الذي رجح أن يكون العام الجديد أسوأ بكثير من الأعوام السابقة،
بسبب زيادة التنافس الإيراني- الروسي على ما تبقى من اقتصاد سوري، وكذلك بسبب هجرة
من تبقى من أصحاب رؤوس الأموال إلى خارج سوريا.
إيران تفكر بديونها وروسيا غير مهتمة
ويتفق مع ذلك الدبس، ويشير إلى تزايد النشاط الاقتصادي الإيراني في سوريا،
ويقول: "يبدو تحصيل الديون هو الشغل الشاغل للإيرانيين في سوريا حاليا، حيث تتجه
طهران إلى الاستحواذ على كل ما تبقى من مؤسسات ومصانع واستثمارات، بهدف استرداد ديونها،
ما يعني خسارة الدولة لما تبقى من قطاعات إنتاجية وخدمية، كانت تدر بعض العائدات المالية،
لصالح إيران".
في المقابل، وحسب الدبس، تبدو روسيا غير مهتمة بالملف الاقتصادي السوري
بعد أن حازت على ما تريده (موانئ، حقول غاز، فوسفات، قطاعات سياحية، مطارات)، إدراكا
منها لحجم الانهيار الاقتصادي.
ويضيف الباحث أن أكثر ما تخطط له روسيا هو عملية إعمار سوريا، حيث تتطلع
للاستفادة من عائدات هذه المرحلة.
وقبل أيام، كان المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف، قد قدر تكلفة
إعمار سوريا بنحو 800 مليار دولار أمريكي، مضيفاً أن "الخراب يسود سوريا، وبحسب
بعض التقديرات، تبلغ قيمة إعادة بناء هذه الدولة 600 مليار دولار، ووفقا لتقديرات أخرى،
هي 800 مليار دولار، وربما أكثر من ذلك بكثير".
وأضاف: "استنفدت الحكومة السورية بعد 11 عاما معظم مواردها المالية،
وسيكون من الصعب جدا تجاوز هذا الوضع، بدون مساعدة فعالة من المجتمع الدولي".
الليرة السورية
إلى ذلك، تواصل الليرة السورية مسارها غير المستقر أمام العملات الأجنبية،
وتشهد من وقت لآخر انخفاضات متتابعة بنسب صغيرة جدا.
ووفق مراكز بحثية فإن حالة التذبذب تعود لحوامل الاقتصاد السوري الضعيفة
التي تؤهل الليرة السورية لتعكس ذلك كون معظم هذه العوامل متآكلة ومستمرة بالتآكل.
* سعر الدولار الواحد يعادل 3,580 ليرة سورية.