حفل العام 2021 بالكثير من التحدّيات التي كان على تركيا مواجهتها، وتعتبر ملفات الاقتصاد، والاستقطاب الداخلي، واللاجئين من أبرز الملفات التي شهدت سجالات واسعة سياسياً واجتماعياً، ومن المتوقع لها أن تستمر في تصدّر المشهد خلال العام 2022.
خلال العام 2021، تعرّض سعر صرف العملة المحلّية الليرة لهزّات عنيفة أدّت إلى تدهور سريع في قيمتها مقابل العملات الأجنبية. ولاحتواء الوضع، اقترحت الحكومة التركية معادلة تقوم بموجبها بالحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة، على أن يتم تعويض المستثمرين الذين يحافظون على الليرة في حساباتهم مجمّدة لآجال مختلفة من خلال اعطائهم الفائدة على المبلغ المجمّد بالإضافة إلى الفارق بين سعر الصرف وقت تجميد مدّخراتهم وسعر الصرف وقت سحبها.
يعتقد كثيرون أنّ هذه الآلية وإن ساهمت في استرجاع الليرة لبعض الخسائر التي سجّلتها، إلا أنّها بمثابة مُسكّن فقط لا غير. بمعنى آخر فإنّ سعر صرف العملة المحلّية سيواصل هبوطه مستقبلا، وأنّ التثبيت النسبي الحاصل حالياً يستهدف مرحلة الانتخابات القادمة في العام 2023. فضلاً عن ذلك، لم تشرح الحكومة من أين ستأتي بالاموال الإضافية لتعويض المستثمرين الذين يحافظون على مدّخراتهم بالليرة.
عودة فيروس كوفيد ـ 19 قد ترخي أيضاً بظلالها على المشهد الاقتصادي. فقد دفعت تركيا ودول كثيرة حول العالم فاتورة إقتصادية باهظة بسبب هذا الفيروس، وتشير المعطيات المتوافرة حالياً إلى أنّ الفيروس وتأثيراته على الحركة والاقتصاد والصحية ستبقى إلى وقت غير قصير. وقد يطيح ذلك في حال حصوله بالفعل بأي محاولات للنهوض بالاقتصاد.
العام 2022، سيجعلنا أقرب من أي وقت مضى من الانتخابات الحاسمة في العام 2023، وهذا يعني مزيداً من الاستقطاب الداخلي والتجاذبات والإنقسامات المجتمعيّة على الصعيد الأفقي والعامودي. ملفات مثل اللاجئين والاقتصاد ستحظى بأهمّية متزايدة. تدهور الوضع قد يحفّز أحزاب المعارضة السياسية على الاستمرار في استثمار هذين الملفين لتسجيل نقاط ضد حزب العدالة والتنمية، لكنّها تهدّد بذلك بتكثيف الاتجاهات العنصرية وتخلخل الأمن الاجتماعي في البلاد.
خلال العام 2021، سجّلت الصناعات الدفاعية التركية العديد من الإنجازات الباهرة على صعيد إدخال المزيد من المعدّات العسكرية المتطورة الى ترسانة القوات المسلحة، وتسجيل المزيد من الصفقات الخارجية والدخول الى المزيد من الأسواق في آسيا وأفريقيا على وجه الخصوص. قدرات انقرة الصاروخية آخذة بالتطوّر بشكل سريع، ولا تزال المسيّرات الهجومية بالإضافة إلى المدرّعات العسكرية من أبرز صادرات البلاد من الصناعات الدفاعية، لكنّ الاتجاهات المستقبلية تحمل بصمات تتعلق بازدياد الصفقات المتعلقة بالمعدات العسكرية البحرية كالسفن والطرادات بالإضافة الى الآليات القتالية المُسيّرة بمختلف أنواعها الجوية والبحريّة والبريّة.
على مستوى السياسة الخارجية، شهدت علاقات تركيا مع القارة الافريقية تطوراً ملموساً خلال العام 2021، ومن المتوقع لها أن تستمر بنفس الزخم في العام 2022. وبالرغم من أنّ الوضع في ليبيا كان قد استقر نسبياً، إلا أنّه مهدد بالانفجار في أي لحظة ما قد يهدد بتصعيد الأمور شرق البحر المتوسط في حال حصوله. وفيما يخص العلاقة مع الدول العربية، فان تراجع التصعيد خلال العام 2021 سمح باطلاق جهود التطبيع بين تركيا وعدد من الدول العربية.
من المتوقع أن يستمر نفس النهج خلال العام 2022 اذا ما استمرت نفس الظروف الإقليمية والدولية التي سمحت لهذه الجهود بالانطلاق. سيتم تسليط الضوء بشكل كبير على جهود التطبيع بين تركيا وكل من مصر والسعودية على اعتبار أنّ هذه الجهود لم تفض بعد إلى تطبيع كامل للعلاقات بين الأطراف المعنيّة.
في العام 2022، سيتّضح المشهد بشكل أكبر فيما يتعلق بوضع تركيا الداخلي وعلاقاتها الإقليمية والدولية، وسيعطينا ذلك أيضا فكرة أوضح عن مآلات الاستحقاقات الانتخابية التي تنتظر تركيا والشعب التركي في العام 2023 وإنعكاسات هذه الاستحقاقات على المنطقة وما سيترتب عليها من حسابات سياسية وأمنيّة على وجه الخصوص.
على مستوى العلاقات الدولية، وبالرغم من التحسن الذي طرأ على علاقة تركيا بالعديد من اللاعبين، إلا أنّ المشاكل الرئيسية لا تزال قائمة. الأزمة الأوكرانية بالإضافة إلى الملف السوري يهدّدان العلاقة بين تركيا وروسيا ويضعان المزيد من الضغوط على أنقرة. أمّا فيما يتعلق بالعلاقة مع واشنطن، فلا تزال هذه العلاقة محمّلة بأعباء الكثير من الملفات الخلافيّة التي تعيق التعاون بينهما، وتحرم أنقرة من الاستفادة الاقتصادية والعسكرية من الشريك الأمريكي.
ملف الدعم الأمريكي للميليشيات الكردية المسلّحة لم يشهد تغيّراً جذرياً في المواقف، ولا يزال الدعم العسكري الأمريكي المقدّم للفرع السوري من حزب العمّال الكردستاني يشكّل عائقاً أساسياً أمام حل الخلافات. ملف إقتناء أنقرة لمنظومة الدفاع الصاروخي الروسية الصنع (أس-400) وحرمان تركيا من الحصول على مقاتلات (أف-35) المتقدّمة بالإضافة إلى إخراج أنقرة من برنامج إنتاج المقاتلة لا يزال عالقاً بالرغم من التفاؤل الذي طرأ مؤخراً على إمكانية إيجاد صيغة مناسبة له مع تقدّم أنقرة بطلب شراء 40 مقاتلة (أف-16). بالنسبة الى أنقرة، فانّ حل المشاكل العالقة سيتيح له آفاق إقتصادية وعسكرية جديدة، لكنّ واشنطن غير مستعجلة على ما يبدو بانتظار الصورة النهائية للمشهد مع إقتراب الاستحقاق الإنتخابي الكبير في نهاية العام 2023.
على صعيد العلاقة مع الإتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من أنّ الطرفين دخلا في مرحلة تهدئة مؤخراً، إلاّ أنّ إمكانية التصعيد تبقى واردة لاحقاً. خلال المرحلة الماضية طورت انقرة علاقات إيجابية مع إيطاليا وإسبانيا وألمانيا، إلا أنّ خروج ميركل من المشهد وترؤس فرنسا للاتحاد سيجعل العلاقات بين الطرفين هشّة ما لم يتم البناء على التطورات الإيجابية التي حصلت في الآونة الأخيرة.
شهدت علاقات تركيا مع القارة الافريقية تطوراً ملموساً خلال العام 2021، ومن المتوقع لها أن تستمر بنفس الزخم في العام 2022. وبالرغم من أنّ الوضع في ليبيا كان قد استقر نسبياً، إلا أنّه مهدد بالانفجار في أي لحظة ما قد يهدد بتصعيد الأمور شرق البحر المتوسط في حال حصوله.
علاوةً على ذلك، فانّ قرب حصول الانتخابات الفرنسية يهدد بإعادة تكثيف حملات الاسلاموفوبيا التي يتم توظيفها عادة في أوروبا في الحسابات السياسية للأطراف المعنيّة. أخيراً، وبالرغم من التهدئة الحالية مع اليونان شرق البحر المتوسط، فان تصعيد أثينا المستمر وعسكرة النزاع شرق البحر المتوسط، من شأنه أن يفجّر الصراع ويورّط جميع الأطراف في نزاع خطير طويل الأمد.
في العام 2022، سيتّضح المشهد بشكل أكبر فيما يتعلق بوضع تركيا الداخلي وعلاقاتها الإقليمية والدولية، وسيعطينا ذلك أيضا فكرة أوضح عن مآلات الاستحقاقات الانتخابية التي تنتظر تركيا والشعب التركي في العام 2023 وإنعكاسات هذه الاستحقاقات على المنطقة وما سيترتب عليها من حسابات سياسية وأمنيّة على وجه الخصوص.