عبد العالي حامي الدين.. أستاذ جامعي مغربي
بعد توقيع الاتفاق الثلاثي الشهير بالمغرب جرى حوار على درجة عالية من الوضوح والصراحة بين شخصية سياسية حزبية وطنية وبين مسؤول حكومي رفيع المستوى.
كان كل واحد يحاول أن يقنع الآخر بوجهة نظره، المسؤول الحزبي يحاول الإقناع بأن هذا الاتفاق يتعارض مع الثقافة السياسية للمجتمع والدولة التي استقرت على دعم القضية الفلسطينية والتضامن مع الشعب الفلسطيني في معركته التحررية ضد الاحتلال، والمسؤول الحكومي يدافع عن فكرة محورية وهي أن مصلحة الدولة مع استئناف العلاقات مع إسرائيل وكسب الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية واستثمار التواجد "اليهودي المغربي" في مراكز صناعة القرار الإسرائيلي، خصوصا وأن عشرة وزراء من الحكومة العبرية هم من أصل مغربي..
وبعدما وصل الحوار بينهما إلى الباب المسدود ختم المسؤول الحوار بالقول: "لو أمضينا النقاش طيلة هذا اليوم واستأنفناه إلى الصباح لن تستطيع إقناعي ولن أستطيع إقناعك، هناك منطق الدولة وهناك منطق آخر…". وهي خلاصة صريحة ومعبرة تستحق التأمل والتحليل واستنتاج ما ينبغي استنتاجه..
وبغض النظر عن الفراغات الكبيرة الموجودة في التحليل الذي استندت عليه أطروحة الدولة في التسويق لخطوتها التطبيعية مع دولة الاحتلال، فإن من أهم الاستنتاجات البديهية: أن منطق الدولة يختلف عن منطق الأفراد والجماعات.
إن منطق الدولة القائم على نظرتها للـ "المصلحة"، يختلف عن منطق التنظيمات التي تجمع بين أفرادها قناعات مبدئية حول مختلف القضايا، ومنها القضية الفلسطينية التي احتلت مكانة مركزية في أدبيات الأحزاب الوطنية واليسارية والأحزاب التي تنطلق من المرجعية الإسلامية.
إذن هناك حاجة لفهم منطق الدولة ومرتكزاته التصورية، كما أن هناك حاجة لإعادة ترتيب الثابت والمتغير في القضية الفلسطينية، مع ضرورة التنبيه إلى المأزق الذي توجد عليه بعض الأحزاب التي توجد في منزلتين بين المنزلين: بين منطق الدولة وبراغماتيها ومنطق الأمة ومبادئها..
ما هي مرتكزات منطق الدولة؟
لفهم منطق الدولة، ودون حاجة إلى الرجوع إلى أصل تشكل الدولة الحديثة وما تحمله في جيناتها من خصائص تجعلها فاقدة للمقومات الأخلاقية (أطروحة وائل حلاق مفيدة في هذا السياق)، فليس هذا هو غرضنا من هذه المقالة، فإن جميع الدول تتخذ القرارات انطلاقا مما تعتبره "مصلحة قومية" ومفهوم المصلحة هو أحد المفاهيم المركزية للنظرية الواقعية في العلاقات الدولية، التي برزت في أعقاب الحرب العالمية الثانية ونظرت للمرحلة الاستعمارية، وهي النظرية التي يعتبرها الكثيرون لا زالت تتسيَّدُ حقل التحليل والتفسير في مجال العلاقات الدولية..
ويعتبر كتاب السياسة بين الأمم ـ Politics Among Nations للمفكر الأمريكي هانز مورغنثاو الذي توفي سنة 1980 مرجعاً أساسياً في دراسة وفهم العلاقات بين الدول، كما يعتبر هنري كيسنجر الذي يلقب بثعلب السياسة الخارجية الأمريكية أحد كبار السياسيين الذي نجح في التوفيق بين التنظير الأكاديمي والممارسة العملية للواقعية السياسية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، فإلى جانب كتاباته العلمية والنظرية شغل كيسنجر مناصب سياسية هامة من أهمها مستشار للأمن القومي ووزير للخارجية الأمريكية.
وتعتمد النظرية الواقعية على مفاهيم القوة والمصلحة الوطنية وتوازن القوى في السياسة الدولية، وهي المفاهيم التي يتبناها أنصار هذه النظرية لتفسير مختلف التفاعلات الجارية في العلاقات بين الدول كما يعتمدون عليها لتفسير السياسات الخارجية للدول وتغيراتها.
ومن أبرز خصائص التفكير الواقعي في العلاقات الدولية رفض الانضباط للمبادئ الأخلاقية وإسقاطها على سلوك الدول حيث يعتبر أنصار هذه النظرية بأن القيم التي تؤطر الدولة لتحقيق مصالحها الوطنية هي قيم مختلفة عن القيم التي تؤطر سلوك الأفراد في علاقاتهم الشخصية، ويحذرون من الخلط بين قيم الأفراد والمجموعات وقيم الدولة التي تسعى لتحقيق مصالحها الوطنية انطلاقا من مسؤوليتها الأولى ألا وهي الحفاظ على بقاء الدولة واستمرارها، ويجري دائما ربط تعريف المصلحة الوطنية في علاقته بالأمن القومي، بحيث تشكل مسألة البقاء المحدد الأساسي لسلوك الدولة.
كما يركز الواقعيون على مفهوم الدولة الوطنية-Nation-State ويعتبرونها هي الوحدة الأساسية في التحليل وهي الفاعل الأساسي في العلاقات الدولية، وأن باقي الفاعلين يقومون بأدوار ثانوية بالمقارنة مع دور الدولة الوطنية.
ويفترض الواقعيون بأن الدولة تتصرف على العموم بشكل عقلاني، للدفاع عن أهدافها ومصالحها أي أنها توازن ما بين الربح والخسارة في كل تصرف تقوم به.
غير أن طبيعة البيئة الدولية وتناقض المصالح في العلاقات بين الدول قد يؤدي إلى اختلاف وجهات النظر في تقدير المصالح، وهو ما يجعل صانع القرار الرئيسي في البيئة السياسية المفتوحة التي تتوفر فيها عناصر الوضوح والشفافية أمام خيارات متعددة فيتخذ أفضل القرارات من بين جميع الخيارات المتاحة، أما في الدول غير الديموقراطية فإن صناعة القرار تتم داخلها في ظل شروط غير شفافة يلفها الكثير من الغموض وعدم الوضوح.
ورغم الحضور القوي لهذه النظرية في تفسير العلاقات بين الدول غير أنها تعرضت لانتقادات قوية من أهمها: الإفراط في التركيز على مفهوم معين للقوة وإهمال العوامل السياسية والمؤسساتية والاجتماعية والثقافية والتاريخية التي توفر مقومات أخرى للقوة، ويظهر ذلك بشكل واضح عند عجز صانع القرار على تفسير بعض اختياراته التي قد لا تكون لها مقبولية شعبية واجتماعية لاعتبارات ثقافية وفكرية ولاعتبار تعارضها مع ما يمكن تسميته بالوعي الجمعي للأمة الذي يحتفظ للقضية الفلسطينية بمكانة خاصة نظرا لاستنادها على حقائق الدين والتاريخ والجغرافيا، وهنا يجدر بنا التوقف عند مرتكزات هذا الوعي وخصائصه التي تختلف عن منطق الدولة وفلسفة اشتغالها.
مرتكزات الوعي الجمعي للأمة وللقوى الحية في البلاد:
يختلف الوعي الجمعي للأمة عن الحسابات الظرفية للدولة التي تتغير بتغير ما تعتبره يحقق مصالحها، فهو يتأسس على حقائق التاريخ والجغرافيا المعززة بحقائق الوحي الإلهي وهو ما يصنع عقيدة دينية إيمانية وسياسية صلبة تستطيع مجابهة المضامين المادية لمفاهيم القوة والمصلحة وموازين القوى.
فبآية واحدة من القرآن الكريم يتشكل وعي أزيد من مليار مسلم بأن قضية فلسطين هي قضية تتجاوز الاعتبارات السياسية الظرفية: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ" (الإسراء:1).
وهي الآية التي تجسد المكانة التي يحتلها المسجد الأقصى والأرض المباركة حوله، والتي هي أرض فلسطين وفي قلبها القدس بوابة الأرض إلى السماء وبوّابة السماء إلى الأرض من خلال معجزة الإسراء والمعراج، التي تؤكد الارتباط بين المسجد الحرام مهبط الوحي وبين المسجد الأقصى المبارك الذي كان منه المعراج، والذي كان هو القبلة الأولى للمسلمين قبل المسجد الحرام بمكة.
إن وجود دولة إسرائيل بشكل معاكس لحقائق الدين والتاريخ والقانون يجعل الوعي التاريخي بالقضية الفلسطينية قضية حيوية للحفاظ على الحقيقة التاريخية لهذه القضية وفهم جذورها بعيدا عن متغيرات "السياسة الواقعية" والتي قد تكون من بين تداعياتها طمس مجموعة من الحقائق التاريخية تحت تأثير بعض القرارات التي قد يطبعها التسرع و"المصلحة الظرفية" غير المؤكدة.
إن الارتباط الوثيق بين القدس والسماء يمثل عقيدة قوية لدى جميع المسلمين الذين يؤمنون بأن الرسول عليه الصلاة والسلم صلى إماما بالأنبياء في ساحة المسجد الأقصى المبارك..
هذه الإمامة التي تعني أن محمدا عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء، وأن رسالته شاملة لجميع الرسالات السابقة، وأن هذه الأرض هي أرض مرتبطة بروابط دينية عميقة بالإسلام والمسلمين.
ولذلك كانت القدس وما حولها موضوعا للصراع العسكري الذي وقع في 637 م الموافق 16 للهجرة بين الخلافة الراشدة الإسلامية والإمبراطورية البيزنطية، حيث قام جيش المسلمين تحت قيادة أبي عبيدة بن الجراح بمحاصرة القدس في 15 شوال هـ الموافق لنوفمبر/ تشرين الثاني 636م، وبعد ستة أشهر، وافق البطريرك صفرونيوس على الاستسلام، بشرط قدوم الخليفة الراشدي، وفي عام 16 هـ سافر الخليفة عمر بن الخطاب إلى القدس لتسلم مفاتيح المدينة، وقام بتأمين المسيحيين على أرواحهم وشعائرهم الدينية.
لقد جاء الفتح الإسلامي للتأكيد على مكانة القدس في الإسلام، كما في المسيحية واليهودية، حيث تم السماح بعد الفتح الإسلامي لليهود بزيارة القدس وممارسة شعائرهم الدينية بحرية فيها، وذلك من قبل الخليفة عمر بن الخطاب بعد ما يقرب من 500 سنة من طردهم من الأراضي المقدسة من قبل الرومان، واستمر حكم الإسلام 400 سنة متتالية للقدس حتى الحملة الصليبية الأولى في 1099.
ومن الثابت تاريخيا أن صلاح الدين الأيوبي قام باسترجاع القدس بعد انتصاره في موقعة حطين الفاصلة ضد الصليبيين في عام 1187.
وظلت أرض فلسطين تحت الحكم الإسلامي، إلى حين انطلاق المرحلة الاستعمارية وبداية انهيار الخلافة العثمانية، حيث بعث وزير خارجية بريطانيا آنذاك، آرثر جيمس بلفور، رسالة إلى اللورد ليونيل روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1917، عُرفت فيما بعد باسم وعد بلفور، يتعهد فيها "بتأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وبذل عظيم الجهد لتسهيل تحقيق هذه الغاية"، وبعد مرور عام، أعلنت كل من إيطاليا وفرنسا موافقتهما عليه، لتتبعها موافقة أمريكية رسمية عام 1919.
وخلال فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين (1917 ـ 1948)، عملت سلطات الاحتلال البريطاني على استجلاب اليهود من كافة دول العالم، وتنظيمهم وتقديم الدعم لهم لتأسيس دولة إسرائيل، وبذلك تكون بريطانيا مسؤولة بشكل مباشر عن النكبة التي حلت بالفلسطينيين وما أعقبها من جرائم ومجازر، ولا حاجة للتذكير بأن هذا الوعد يتعارض مع كل مبادئ القانون الدولي الذي ينظم العلاقات بين الدول، خاصة مبدأ عدم جواز ضم أراضي دول أخرى، أو الاعتداء عليها.
هناك تخوفات جدية من اختراقات مشبوهة لجزء من النسيج الاجتماعي والثقافي المغربي خاصة مع ترويج وهم التعاون الاقتصادي والعسكري، وهو ما ينبغي العمل على رصده وتحليله والتنبيه للتهديدات والمخاطر التي يمثلها بالنسبة للدولة والمجتمع، خصوصا مع تسارع وتيرته خلال هذه الأيام.
إن وجود دولة إسرائيل بشكل معاكس لحقائق الدين والتاريخ والقانون يجعل الوعي التاريخي بالقضية الفلسطينية قضية حيوية للحفاظ على الحقيقة التاريخية لهذه القضية وفهم جذورها بعيدا عن متغيرات "السياسة الواقعية" والتي قد تكون من بين تداعياتها طمس مجموعة من الحقائق التاريخية تحت تأثير بعض القرارات التي قد يطبعها التسرع و"المصلحة الظرفية" غير المؤكدة.
فمهما كان الاختلاف القائم في موازين القوى، ومهما كان التفكك الحاصل في الحالة العربية، فإن ذلك لا ينبغي أن يطمس الحقائق التاريخية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وهو ما يجعل انخراط عدد من الدول في تطبيع علاقتها مع دولة الاحتلال فيه إضعاف للحق الفلسطيني، وهو ما لا يمكن معه استساغة بناء علاقات طبيعية مع دولة الاحتلال وفي نفس الوقت ادعاء تقديم الدعم للقضية الفلسطينية، ويزداد هذا التناقض بالنسبة للحالة المغربية التي تم فيها ترسيم هذه العلاقات في عهد الحكومة التي كان يترأسها سعد الدين العثماني الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية.
مأزق حزب العدالة والتنمية:
من المعلوم أن حزب العدالة والتنمية لم يتخذ قرارا بالتطبيع مع دولة الاحتلال، ولم يراجع مواقفه المبدئية من القضية الفلسطينية، ولم يعلم بواقعة التوقيع إلا عبر وسائل الإعلام على غرار جميع المغاربة وهم يرون رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني يوقع الاتفاق الثلاثي.
إن هذه الواقعة تمثل في نظر أعضاء الحزب تناقضا واضحا مع مواقفهم المبدئية المسطرة في الوثائق المرجعية وتتناقض أيضا مع سلوكهم النضالي في الميدان، وقد كان لهذا التوقيع أثر سلبي كبير على معنويات أعضاء الحزب ومتعاطفيه، وهو يفسر جزءا من السلوك الانتخابي البارد الذي طبع عددا من أعضائه خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، ولا سيما أعضاء حركة التوحيد والإصلاح الحليف الاستراتيجي لحزب العدالة والتنمية والحركة الأم التي خرج منها، كما يفسر جزءا من النتائج الانتخابية التي حصل عليها، لأن جزءا من الحاضنة الشعبية للحزب ترى بأن المساهمة في هذا التوقيع يعتبر مخالفة صريحة لمبادئ الحزب الأصلية.
وحسب التفسير الذي يقدم من طرف بعض الدوائر الحزبية التي كانت قريبة من تفاصيل هذه العملية، فإن موقف قيادة الحزب الذي جاء داعما لتوقيع سعد الدين العثماني، هو موقف نابع من تجنب الاصطدام مع الدولة ومؤسساتها الرمزية، وتجنب إضعاف موقف الدولة المحكوم هو أيضا بالكثير من أدوات الضغط والابتزاز المستمر، وأن أي إرباك لسياستها سيخلق تناقضات داخلية ثانوية، وهي صورة لن تخدم إلا دعاة التطبيع الذين يشتغلون ليل نهار لتعميق التناقضات الداخلية بين مكونات الدولة، حتى يستفردوا بجوهرها ويمرروا أجنداتهم المعلنة والخفية، ولذلك فضل الحزب التذكير بمواقفه الثابتة من القضية الفلسطينية والتعبير عن رفضه المطلق لصفقة القرن والتنبيه لمخاطر التطبيع على النسيج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
غير أن التطورات التي أخذها موضوع التطبيع، اتخذت منحى مقلقا، وهو ما يعني أن التطبيع يحمل مخاطر جدية تستدعي بناء جبهة شعبية عريضة للتصدي لمظاهر الاختراق الصهيوني التي أصبحت للأسف الشديد تتمتع بغطاء سياسي واضح وهناك محاولات حثيثة لخلق ثقافة مجتمعية متعايشة مع تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال..
وفي هذا السياق، يمكن تقييم الموقف الذي اتخذته قيادة الحزب في تلك المرحلة بأنه كان موقفا غامضا ومرتبكا، خصوصا وأن بعض القيادات بدأ في التأسيس لجواز هذه الخطوة انطلاقا من بعض الكتابات الفقهية لابن تيمية بجواز الصلح مع المحاربين، وهو ما قدم إشارات متناقضة لدى الدولة فهمت منها أن رئيس الحزب ليس له اعتراض على هذه الخطوة، وهو ما يفسر حضور سعد الدين العثماني في مشهد التوقيع الذي بقي وصمة في تاريخ هذا الحزب، وهو ما يحتاج إلى نقد ذاتي صريح واعتراف بهذا الخطأ الشنيع.
إن السلطة التي تدبر الشأن العام تحتاج من نخبتها المفكرة والواعية إلى تنبيهها لأخطائها وانزلاقاتها في العديد من المحطات، وذلك خدمة للدولة نفسها وخدمة للمصالح الوطنية بشكل حقيقي، وهو ما يستلزم الكثير من النضال من أجل دمقرطة القرار العمومي، (وهو نضال يوجد في قلب النضال من أجل القضية الفلسطينية، ورحم الله من قال: "تحرير فلسطين ينطلق من هنا") ولذلك فإن هناك نوعا من التلازم الحتمي بين النضال الديموقراطي وبين النضال من أجل القضية الفلسطينية..
إن طبيعة الدولة في المغرب تجعلها مالكة لتقاليد عريقة تعود إلى قرون وهي ليست دولة طارئة نتيجة لاتفاقية سايكس ـ بيكو، ولذلك فهي مدعوة باستمرار لمراجعة بعض القرارات التي لا تخدم المصلحة الوطنية.
ومن المفيد التذكير بأن العلاقات بين الرباط وتل أبيب كانت قائمة رسميا منذ تم فتح مكتب الاتصال بالبلدين سنة 1994 بعد اتفاق أوسلو، غير أن انطلاق الانتفاضة الثانية سنة 2000 وتنصل دولة الاحتلال من التزاماتها عجل بقطع العلاقات بين البلدين وإغلاق مكتبي الاتصال، ولذلك فإن الخطاب الرسمي يتحدث عن استئناف العلاقات بين البلدين على ضوء التطورات المرتبطة بقضية الصحراء المغربية، وهو ما يعني بأننا أمام قرار سيادي يمكن التراجع عنه بقرار سيادي حسب طبيعة الظروف...
وبالرغم من جميع حملات التضليل الإعلامي الممنهج، ومحاولات الخلط الجارية، فإن الشعب المغربي يمتلك وعيا تاريخيا عميقا بالقضية الفلسطينية، وله حصانة ثقافية عميقة باعتباره يمتلك إرثا حضاريا كبيرا يمكنه من التسامح والتعايش مع مختلف الديانات والثقافات، لكنه في نفس الوقت لا يمكن أن يقبل بالظلم والعدوان والاحتلال خاصة عندما يتعلق الأمر بأرض الإسراء والمعراج، وهو الشعب الذي يمتلك ذاكرة حية في المقاومة الوطنية بكافة الوسائل، ويحتفل كل سنة بذكرى ثورة الملك والشعب التي لم تكن إلا ثورة ضد الاحتلال، كما أنه يميز جيدا بين اليهودية كشريعة سماوية وبين الصهيونية كفكرة عنصرية لشرعنة الاستيطان والاحتلال، وجميع محاولات الخلط الجارية ستبوء بالفشل، لأن الممارسات العنصرية والاستيطانية الجارية ضد الحقوق الفلسطينية كافية لنزع غطاء الشرعية عن هذا الخلط المقصود.
إن طبيعة الدولة في المغرب تجعلها مالكة لتقاليد عريقة تعود إلى قرون وهي ليست دولة طارئة نتيجة لاتفاقية سايكس ـ بيكو، ولذلك فهي مدعوة باستمرار لمراجعة بعض القرارات التي لا تخدم المصلحة الوطنية، كما أن المقومات الحضارية والسياسية والثقافية للشعب المغربي تجعله محصنا ضد مثل هذه الاختراقات، لكن هناك تخوفات جدية من اختراقات مشبوهة لجزء من النسيج الاجتماعي والثقافي المغربي خاصة مع ترويج وهم التعاون الاقتصادي والعسكري، وهو ما ينبغي العمل على رصده وتحليله والتنبيه للتهديدات والمخاطر التي يمثلها بالنسبة للدولة والمجتمع، خصوصا مع تسارع وتيرته خلال هذه الأيام.
الدراسات الإسلامية إلى أين؟ نقاش مع وزير الأوقاف المغربي
بروفسير إبراهيم أحمد عمر.. من العلوم إلى الفلسفة والسياسة
"العدل والإحسان" تناقش سؤال الدولة والحكم في المغرب