ما إن أعلن عن وفاة الإعلامي المصري وائل الإبراشي، حتى تحولت صفحات التواصل الاجتماعي ما بين مترحم على الرجل، وما بين ذاكر لتاريخه الإعلامي وموقفه السياسي الذي يختلف معه كل من يرفض الانقلاب العسكري في مصر، ويرفض وقوفه وتأييده التام للسلطة في مصر، وقد كان الحديث بنفس القدر في يوم سابق له توفيت فيه القاضية السابقة المستشارة تهاني الجبالي، وقد أبدى الكثيرون ممن يرفضون الانقلاب فرحهم بوفاة الجبالي والإبراشي.
إلى هنا والأمر مفهوم، فهو حدث؛ ويحدث؛ وسيحدث، مع كل حالة لها نشاط في الشأن العام، سواء سياسيا أم دينيا، وبخاصة إذا تعلق الأمر بالسلطة والوقف معها أو ضدها، فهذا شأن كل حالة وفاة، لكن الذي لم يفهم هو إصدار دار الإفتاء المصرية فتوى، صدرت في المواقع الإلكترونية المصرية بعنوان "بيان عاجل من دار الإفتاء للرد على الشامتين في وفاة وائل الإبراشي".
وسر التعجب من فتوى دار الإفتاء ليس صدور فتوى في أمر له علاقة بالدين، وهو الموت، والحديث عن الموتى، والدعاء لهم أو عليهم، فهو أمر فقهي ديني، لكن العجيب في عدة اتجاهات في الفتوى يلحظها كل راصد لفتاوى مفتي مصر، أو دار الإفتاء في ما يتعلق بالشأن السياسي في مصر، أو ما له علاقة بالسلطة تأييدا أو رفضا.
عندما توفي مرشد الإخوان محمد مهدي عاكف، وهو رجل مسن، وله تاريخه، سواء اتفقت معه دار الإفتاء أم اختلفت، ومع ذلك عندما مات، كتبت جريدة روزاليوسف مانشيتا تصدر الجريدة: الجنازة حارة والميت (عاكف)!!
أولا ـ في وقت صدور الفتوى، وإعلانها بالبيان العاجل، ولا أدري ما دواعي التعجل هنا، حيث إن نشر الفتوى على موقع صحيفة المصري اليوم كان في تمام الساعة الـ12:50 من صباح يوم الاثنين الماضي، فلا نعلم سببا منطقيا سياسيا كان أو علميا لبيان عاجل في هذا التوقيت من الليل، وكأنه أمر لا يحتمل الانتظار للصباح، أو أنه أمر من نوازل الأمة التي لا يمكن للمفتي ودار الإفتاء التأخر عن بيانها، بينما نجد الإفتاء في مواقف أخرى يحتاج للفتوى العاجلة، فلا نراها لا عاجلة ولا آجلة!
ثانيا ـ من حيث الفتوى نفسها، وقد كانت هناك حالات شماتة أكثر فجاجة، وفي حالات كثيرة ومتعددة ومتكررة، ولكنها من أنصار النظام ضد خصومه، ولم نجد لدار الإفتاء موقفا، ولا فتوى، لا تلميحا ولا تصريحا، وهي حالات كثيرة جدا أذكر منها:
عندما توفي مرشد الإخوان محمد مهدي عاكف، وهو رجل مسن، وله تاريخه، سواء اتفقت معه دار الإفتاء أم اختلفت، ومع ذلك عندما مات، كتبت جريدة روزاليوسف مانشيتا تصدر الجريدة: "الجنازة حارة والميت (عاكف)"!!
ثم وائل الإبراشي نفسه ما موقفه من الموتى الرافضين للانقلاب العسكري، وقد دعا بنفسه لجعل يوم الفض يوما وطنيا، يتم فيه الاحتفال بهذا اليوم، وهو اليوم الذي غرقت فيه ميادين مصرية بدماء الآلاف من أبنائها السلميين، ومع ذلك لم نجد للإفتاء والمفتي موقفا يستنكر الشماتة والتحريض على الدماء، فأيهما أشد أحوج للفتوى: الفرح بموت إنسان أم التحريض على قتل الناس؟!!
إلى هنا والأمر مفهوم، فهو حدث؛ ويحدث؛ وسيحدث، مع كل حالة لها نشاط في الشأن العام، سواء سياسيا أم دينيا، وبخاصة إذا تعلق الأمر بالسلطة والوقف معها أو ضدها، فهذا شأن كل حالة وفاة، لكن الذي لم يفهم هو إصدار دار الإفتاء المصرية فتوى، صدرت في المواقع الإلكترونية المصرية بعنوان: بيان عاجل من دار الإفتاء للرد على الشامتين في وفاة وائل الإبراشي.
ويوم وفاة الرئيس محمد مرسي، ألم تتابع دار الإفتاء شاشات القنوات التابعة للنظام وإعلامييه؛ معظمهم بلا استثناء، وكيف كانت الشماتة والتشفي، وكيل الاتهامات للرجل حيا وميتا، وإلصاق كل بذيء وسيئ للرجل، وهو لا يملك حق الدفاع عن نفسه أو الحديث، لا هو ولا أسرته.
ثم ما موقف دار الإفتاء وحكمها الشرعي، من أفعال السلطة في جنازات الأموات من خصومها، بدءا من مهدي عاكف وانتهاء بعصام العريان ومرسي وغيرهم من الموتى، وقد أصرت السلطة على طريقة معينة للدفن في تلك الحالات.. أن يكون الدفن ليلا، وليس معهم أحد، ويمنع الناس من الحضور والتشييع والصلاة عليهم، ويمنع العزاء.. هل هذا أمر تقره الشريعة والفتوى؟! وعلى أي مذهب رأيتم ذلك، وعلى أي مذهب رأيتم الصمت هنا، والكلام هناك؟!
يوم وفاة الرئيس محمد مرسي، ألم تتابع دار الإفتاء شاشات القنوات التابعة للنظام وإعلامييه؛ معظمهم بلا استثناء، وكيف كانت الشماتة والتشفي، وكيل الاتهامات للرجل حيا وميتا، وإلصاق كل بذيء وسيء للرجل، وهو لا يملك حق الدفاع عن نفسه أو الحديث، لا هو ولا أسرته.
وما موقف دار الإفتاء من الشماتة العامة التي شاعت في مصر بعد فض رابعة، من أغنية "تسلم الأيادي"، وأغنية "أنتم شعب واحنا شعب، لنا رب ولكم رب"، وما حدث من تشغيل للأغاني عند مرور جنازات لشهداء الفض وغيرهم، بل حدث أن بصق بعض أتباع النظام على نعوش موتى كانت تمر أمامهم من شهداء الفض، ألم يبلغ ذلك دار الإفتاء؟! إن لم يكن بلغها، فها أنا أخبركم، وأطلب فتواكم، وأعلم أن كل حرف أكتبه أو أنطقه يصل إليكم وإلى دوائركم الدينية والسياسية، وبانتظار الفتوى.
ثالثا ـ أشعر أن الفتوى كانت من باب الخوف على مصير من يفتي بتأييد النظام، أن يجري عليه القدر بما جرى على غيره، وقد رأى بعينه أن النظام لم يعبأ بوفاة الإبراشي ولا الجبالي، ولا بمئات مثلهم، فهو يمضي لحاله وسلطته، من مؤتمرات ومشاريع، ولم يقف دقيقة واحدة حدادا على أرواح من ساندوه حتى آخر رمق في حياتهم.
ربما كانت نية الفتوى أو البيان العاجل، هي العمل ليوم سيأتي، حين ينتهي المفتي أو أي مفتي أو شيخ ساند السلطة الظالمة، إلى نفس المصير. فإذا كان كل هذا الكم من التعليق بالدعاء على من أيدوا النظام، تأييدا إعلاميا أو قضائيا، ودورهم ما زال محدودا مقارنة بغيرهم، فما بالنا بالإفتاء، وكل أحكام الإعدامات قد مرت عليها، وغيرها من الفتاوى التي يتضح فيها التسييس، ويتضح فيها التطبيل للنظام، وستر سوأته الدينية والقضائية.
فغالب الأمر، أن هذا هو بيت القصيد، لقد هال هؤلاء كم الدعاء، وكم الشماتة، وكم الفرح، فيمن لم يعمل لمثل هذا اليوم، سواء أيدت أو رفضت ردود هذه الأفعال، فستظل ناطقة بكم المرارة التي يحملها المظلوم تجاه الظالم ومن أيده، ويظل معبرا عن أن النظام لا يفرق معه آلاف ممن ساندوه، ودعموا أركانه، لأنه حال موته سيلقى الله وحده، ثم سيواجه الناس والتاريخ بأفعاله التي يشهد بها الناس، ولا مجاملة فيها، ولن ينفعه أو ينفع آخرين وجود أبواق تبرر أو تنافح عنه.
وفاة وائل الإبراشي وحقيقة الخطأ الطبي
إسهام الأزهريين في مناهج الإخوان
دور الأزهريين في بناء جماعة الإخوان