بدأ أبو العلا ماضي نشاطه الحركي والإسلامي منذ سبعينيات القرن الماضي، حين كان طالبا بكلية الهندسة، حيث تم انتخابه رئيسا لاتحاد طلاب كلية الهندسة ثم رئيسا لاتحاد طلاب جامعة المنيا (في صعيد مصر) عام 1977، ثم نائبا أول لرئيس اتحاد طلاب مصر عام 1978..
ثم مرحلة العمل النقابي في نقابة المهندسين (1985- 1995)، وعضوا بمجلس شعبة الميكانيكا (1985)، ثم عضوا بالمجلس الأعلى للنقابة وأمينا عاما مساعدا (1987)..
ثم مقررا للجنة التنسيق بين النقابات المهنية المصرية (1988)، ومقررا للجنة دعم شعب البوسنة والهرسك (1992).. ثم العمل السياسي المباشر بمحاولة تأسيس حزب الوسط والاستقالة من جماعة الإخوان (1996)، وهي محاولات أربع حتى ثورة يناير 2011، تخللت هذه الفترة أنشطة أخرى مع القوى الوطنية من دعم الانتفاضة الفلسطينية والمشاركة في تأسيس حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير وغيرها حتى ثورة يناير وما بعدها من أنشطة سياسية مختلفة حتى الآن (2017).
تخللت هذه المدة أسفار متعددة حول العالم للمشاركة في أنشطة عامة طلابية ونقابية وسياسية وثقافية وحوارية، في دول عربية وإسلامية وغربية وشرقية، تم خلالها الاحتكاك والتعرف بشخصيات مهمة ومؤثرة في كل بقاع الأرض، منهم علماء ومفكرون وساسة وأكاديميون ورجال دين وإعلاميون وغيرهم.
"عربي21" تحدثت لأبي العلا ماضي وعرضت عليه تسجيل رأيه في مسار الحركة الإسلامية المعاصرة في مصر والعالم العربي والإسلامي، وبعد نقاش معمق، وبالنظر إلى التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة العربية والعالم، والتي يمثل الإسلام السياسي واحدا من أعمدتها الرئيسية، انتهينا إلى البدء بنشر سلسلة من الحلقات عن العلاقات التي جمعت أبي العلا ماضي بعدد من رموز وقيادات العمل الإسلامي في مصر والعالم، وهي شخصيات تركت بصماتها ليس في تجارب دولها فحسب، وإنما في مسار الإسلام السياسي المعاصر برمته.
معرفتي بالمسيري
تعود معرفتي الشخصية بالراحل العظيم الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري إلى بداية التسعينيات من القرن الماضي، حيث كنتُ الأمين العام المساعد لنقابة المهندسين المصرية، وكان د.عبد الوهاب قد عاد من التدريس بالسعودية والكويت عام 1990، وقد عرفني به أخي د. صلاح عبد الكريم وكيل نقابة المهندسين وقتها، والمهتم بالشأن الثقافي في النقابة، وقد نظم (د.صلاح) مع د.عبد الوهاب ندوة "إشكالية التحيّز" التي عُقدت عام 1992 في مقر نقابة المهندسين بالمشاركة مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي والذي كان يرأسه د. طه جابر العلواني (رحمه الله) وكان يمثله في مصر د. علي جمعة في ذلك الوقت، وأشرف د. عبد الوهاب على الندوة وعلى الإعداد لها، وقدَّم فيها أكثر من ورقة وحَرَّرَ الكتاب الذي صدر في جزئين، وهذه الندوة أسماها الأستاذ فهمي هويدي (ثورة في سماء القاهرة).
وبدأتُ بعدها في التواصل الشخصي معه والاستفادة والتعلم منه رحمه الله، فمن هو عبد الوهاب المسيري لمن لا يعرفه من الأجيال الجديدة؟
بطاقة تعريف
وُلد عبد الوهاب المسيري في مدينة دمنهور شمال مصر في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) عام 1938 لأسرة يقول عنها هو: "تنتمي إلى ما يمكن تسميته (البرجوازية الريفية)، وهي برجوازية في دخلها وفي فرديتها، لكنها تعيش خارج الإسكندرية والقاهرة، أي تعيش في الريف، فلم تتأثَّر بعناصر التغريب التي كانت تضرب بأطنابها في البرجوازية الحضرية".
وفي عام 1944 التحق بمدرسة دمنهور الابتدائية، ثم مدرسة دمنهور الثانوية (وقد حصل على الابتدائية عام 1949، ثم حصل على الثقافة عام 1954، ثم حصل على "التوجيهية أدبي فلسفة" عام 1955، والتحق في نفس العام بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة الإسكندرية، وحصل على الليسانس فيها في عام 1959، وعُين معيدًا بها في العام التالي لتخرجه، ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1963 حيث حصل على الماجستير من جامعة كولومبيا في نيويورك عام 1964، ثم التحق بجامعة رتجرز في ولاية نيوجرسي حيث حصل على الدكتوراه عام 1969، وعاد في نفس العام للتدريس في قسم اللغة الإنجليزية بكلية البنات ـ جامعة عين شمس، ثم عُين عام 1970 لفترة قصيرة مستشارًا لوزير الإرشاد (الأستاذ محمد حسنين هيكل)، ثم عُين عام 1971 خبيرًا للشؤون الصهيونية بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام حتى عام 1975، ثم عُين مستشارًا ثقافيًّا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك (1975- 1979)، ثم عاد للتدريس عام 1979 في كلية البنات بجامعة عين شمس.
وفي عام 1983 انتقل إلى التدريس في الرياض في جامعة الملك سعود حتى عام 1988، ثم انتقل إلى الكويت عام 1989 للتدريس هناك لمدة عام، ثم عاد إلى مصر عام 1990، واستقال من الجامعة للتفرغ لإتمام الموسوعة التى استمر يعمل عليها أكثر من عشرين عامًا حتى صدرت عام 1999 تحت عنوان "اليهود واليهودية والصهيونية" في ثمانية أجزاء من القطع الكبير كأهم موسوعة صدرت باللغة العربية في العصر الحديث، ناهيك عن عشرات الكتب في هذا المجال وفي مجال الفكر الغربي والعلمانية، كما كتب قصصًا لللأطفال، وعمل أستاذًا زائرًا في أكاديمية ناصر العسكرية والجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا.
وسيرته الكاملة في كتاب يُدرس في الأدب وهو (رحلتي الفكرية.. في البذور والجذور والثمار، سيرة غير ذاتية غير موضوعية).
فهو يحكي فيها حياته الفكرية أكثر من حياته الشخصية ويعتبر مراحل حياته الأولى هي الجذور، ومرحلة الشباب هي البذور، ثم مرحلة النضج حيث الثمار، ويعتبر سيرته غير ذاتية حيث تكلم عن الأحوال والأفكار في تلك الفترة في سيرة عامة أكثر منها ذاتية.
كما أنه يقول في كتابه "رحلتي الفكرية" عن سيرته كونها غير موضوعية: "فإذا كانت هذه الرحلة الفكرية، سيرة غير ذاتية، فهي أيضًا غير موضوعية، سيرة إنسان يلتقي في فضاء حياته الخاص بالعام، ولهذا لا أذكرالقضايا الفكرية المجردة وحسب، وإنما أشفعها دائما بأحداث من حياتي أو اقتباسات من كتاباتي تبين كيف ترجَمَت القضيةُ الفكريةُ (العامة) نفسَها إلى أحداث ووقائع محددة في حياتي الشخصية (الخاصة)".
أما عن نشاطه السياسي في الفترة الأولى من حياته فإنه يقول عنها في كتابه "رحلتي الفكرية": "وكنت أقرأ الصحيفة التي يصدرها حزب مصر الفتاة في أوائل الخمسينيات، وكان من بين كُتَابها آنذاك سيد قطب، وأتذكر بطبيعة الحال هذا المقال الذي نشره الأستاذ أحمد حسين في جريدة مصر الفتاة، وكان المقال عبارة عن عدة صور لبعض المتسولين، وكتب فوقه عبارة "رعاياك يامولاي" (وكانت إشارة خفية لمحاولات وزارة الوفد تملق الملك الذي كان يصطاف في كابري)! وانضممتُ إلى الحزب بضعة أيام، وانتقلت بعدها إلى الإخوان المسلمين، ثم حين قامت ثورة 23 يوليو سنة 1952 وجدت أنه من المنطقي أن أنضم إلى الحرس الوطني وهيئة التحرير، فالثورة حسب تصوري آنذاك ألغت الأحزاب مصدر الفساد. وفي منتصف الخمسينيات انضممت إلى الحزب الشيوعي، وبقيت فيه حتى عام 1959".
فكانت حياته حافلة اختتمها بتشريفنا بالانضمام لحزب الوسط عام 2002، والمشاركة في تأسيس حركة كفاية ثم قيادتها حتى وفاته رحمه الله في 3 يوليو عام 2008 بعد صراع مرير مع مرض السرطان عن عمر ناهز السبعين عامًا.
فمن هو المسيري المفكر والسياسي والإنسان، سنتحدث عن ذلك في المرات القادمة بإذن الله.