لا تكف سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن التضييق وملاحقة فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948، بهدف حصار وجودهم لصالح الاستيطان.
وبحجج متعددة منها "التجديد الحضري"، يسعى الاحتلال إلى هدم المزيد من البيوت الفلسطينية بالداخل مع تركيزه على استهداف هذا الوجود في عدة مدن منها؛ اللد، النقب وأم الفحم ويافا وغيرها العديد من المدن والقرى الفلسطينية.
حصار فلسطينيي الداخل
وشهدت مدينة اللد التي عبرت عن رفض العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، عبر ما عرف بـ"هبة الكرامة" تركيزا إسرائيليا على هدم المنازل في مؤشر على عزمه الانتقام من السكان الفلسطينيين هناك.
ويوم الأحد 6 شباط/ فبراير الجاري، هدم الاحتلال منزلا شيد قبل نحو 9 أعوام يعود لعائلة الفلسطيني طارق محارب في مدينة اللد المحتلة، بزعم عدم الحصول على رخصة بناء.
وعن استهداف الاحتلال للوجود الفلسطيني في الداخل المحتل بهدم منازلهم وخاصة في مدينة اللد، أوضح المحامي الفلسطيني خالد زبارقة، أن "اللد تحظى منذ عام 2000 باهتمام خاص من مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، وسبب ذلك، أن التغيير الديمغرافي الحاصل هناك في صالح الفلسطينيين الذين زادت نسبتهم من 17 في المئة عام 2000 أما اليوم فوصلت لأكثر من 35 في المئة وربما تصل لـ 40، واليهود نسبتهم في تناقص".
وأكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "قلب الميزان الديمغرافي لصالح الفلسطينيين في اللد مزعج جدا لصناع السياسة الإسرائيلية، ولذلك شرعوا بإجراءات من شأنها التضييق على الوجود الفلسطيني في اللد من أهمها؛ هدم البيوت الفلسطينية ليس بهدف التنظيم والترخيص".
اقرأ أيضا: "رايتس ووتش" تتحدث عن قمع وتمييز عنصري ضد سكان اللد
ونوه زبارقة المقيم باللد، إلى أن "لجان التنظيم التابعة لبلدية اللد، لا تقوم بدورها بتنظيم الأحياء الفلسطينية، ولا توجد لديها مخططات تنظيم لهذه المناطق، وعليه تقوم بإصدار أوامر هدم للبيوت"، مؤكدا أن "هناك آلاف البيوت غير المرخصة في اللد، وهي مدينة تقع في مركز البلاد، وتضم أحياء تعاني من فقر مدقع وأحياء جريمة وأخرى تفتقد للخدمات والبنية الأساسية".
ولفت إلى "كل هذه الظروف والإجراءات التي تقوم بها الأذرع الإسرائيلية المختلفة ومنها بلدية اللد، من أجل تضييق الخناق على الحياة اليومية على فلسطينيي الداخل، بهدف طرد السكان منها، ولكن هذا المخطط فشل، والفلسطينيون بقوا في أراضيهم وبيوتهم وتوسعوا وتكاثروا وأصبحوا قوة بشرية مؤثرة في اللد، فلدينا 6 أعضاء فلسطينيين في البلدية من أصل 19 عضوا، وهذا يزعجهم جدا".
طرد بزعم التخطيط والبناء
وذكر المحامي أنه "كانت هناك العديد من الأحياء وصلت نسبة السكان اليهود فيها لأكثر من 95 في المئة، ولكن بسبب التضييق على الفلسطينيين في الداخل، دفعهم ذلك إلى شراء المنازل من اليهود في تلك الأحياء وتدريجيا تحولت الكثير من تلك الأحياء والحارات إلى أكثرية فلسطينية، وهذا الأمر أزعجهم أكثر وأكثر، وأصبح الوجود الفلسطيني معضلة لا يمكن حلها بالطرق العادية، وأصبحت لديهم طرق ماكرة لاستهداف الفلسطينيين باللعب على موضوع التخطيط والتطوير الحضري للسكان".
وبين أن "التخطيط الحضري الذي تتحدث عنه المؤسسة الإسرائيلية، يقوم على استهداف الأحياء الفلسطينية عبر عمل مخططات للمباني لفلسطينيي الداخل، فبدلا من وجود 4 طوابق يعملون على هدمها وإقامة أخرى تصل إلى 20 طابقا، كي يتم تركيز السكان الفلسطينيين في أقل مساحة من الأرض".
وأفاد بأن "هناك اليوم تركيز من تلك المجموعات المتطرفة وبلدية اللد، كمثال حارة "رامات أشكول" التي توجد حول المسجد العمري الكبير في البلدة القديمة باللد، من أجل تحويلها لحارة يهودية، علما بأن هناك نحو 1100 وحدة سكنية منها 70 في المئة ملك للعرب، قاموا بعمل مخطط لبناء 5200 وحدة سكنية، وبالتالي يصبح الفلسطينيون أقلية في تلك الحارة، بحيث يتم تمليك اليهود أكثر من 4500 وحدة سكنية بدلا من 400 وحدة اليوم، وهذا هو مفهوم التجديد الحضري الذي تقوم به بلدية اللد، وكل هذا لقلب الميزان الديمغرافي لصالح اليهود بواسطة التخطيط والبناء المزعوم".
وأكد زبارقة، أن "السكان الفلسطينيين متنبهون لهذه الأمور، ولديهم وعي كبير فيما يجري، خاصة بعد أحداث "هبة الكرامة"، حيث تأكد لدى الجميع أن الوجود الفلسطيني بالداخل مستهدف، ولكن السؤال: هل يستطيع الفلسطينيون مجابهة هذا المخطط وحدهم؟ هناك علامات استفهام في هذا الموضوع، خاصة في ظل وجود فرق عمل كاملة من طرف البلدية والجماعات اليهودية المتطرفة".
اقرأ أيضا: تعرض معتقلي "هبة الكرامة" بالداخل المحتل للتعذيب.. تفاصيل
ونبه إلى أن السلطات الإسرائيلية تعمل على "إغراء الفلسطينيين، عبر منحهم شقة جديدة في عمارة جديدة مع خدمات مختلفة، تزيد مساحتها بنحو 12 مترا، لكن وعي الفلسطينيين كبير، وهذا بحاجة إلى تعزيز ومساندة من أجل استمرار رفض هذا المخطط"، موضحا أن "الفلسطينيين بدلا من أين يكون هناك مثلا 16 شقة في منزل من 4 طوابق، يتم إسكانهم في برج سكني به 12 طابقا يحتوي على 48 شقة، وهكذا يتم تركيز السكان الفلسطينيين في الداخل على أقل مساحة من الأرض".
سياسات تضييق ممنهجة
ومن بين الأمور التي تندرج تحت حجة "التجديد الحضري"، ذكر المحامي أنه "يتم ترحيل عائلات من بيوتهم المستقلة، مع دفع تعويضات لهم، وأخذ تلك الأراضي وبناء مكانها أحياء سكنية للمتطرفين اليهود".
من جانبه، أكد الباحث السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي إبراهيم خطيب، أن "السياسات الإسرائيلية في هدم بيوت الفلسطينيين في الداخل هي سياسات ممنهجة للتضييق عليهم في حيزهم السكاني وتوسعهم الديمغرافي الطبيعي، في حين تتمتع البلدات اليهودية بمساحات شاسعة للتطوير والبناء، وهذه المساحات لا تمنح للفلسطينيين".
وكنموذج على هذا التضييق، ذكر خطيب في حديثه لـ"عربي21"، أن "مدينة أم الفحم التي يعيش فيها أزيد من 60 ألف فلسطيني، مساحة البناء فيها أقل بثلاثة أضعاف وربما أكثر من مستوطنة "حريش" التي تجاورها وبها فقط بضع مئات من الإسرائيليين اليهود".
وأكد أن "السلطات الإسرائيلية لا تقوم بتوسيع مسطحات البناء الخاصة بالفلسطينيين في الداخل، وهذا يؤكد أنها سياسة إسرائيلية ممنهجة في هذا الشأن للتضييق على الفلسطينيين ومنعهم من التوسع السكاني وتطورهم العمراني الطبيعي في حيزهم كأي مجموعة سكانية".
ونبه الباحث، إلى أن "الفلسطينيين في الداخل لا يسعون لمخالفة القوانين بل على العكس، هم يريدون بناء قانونيا ولا يريدون دفع التكاليف الباهظة للمخالفات، ولكن السلطات الإسرائيلية لا تعطي مساحات مناسبة لهم بخصوص مسطحات البناء لديهم، وبالتالي يضطرون في حال يريدون السكن إلى البناء في أراضيهم الخاصة، وتقوم السلطات لاحقا بهدم البناء"، مضيفا: "الفلسطينيون في الداخل يريدون قوننة بيوتهم، ولكن السلطات الإسرائيلية تضيق عليهم باستمرار".
ولفت إلى أن "التخطيط أو التطوير الحضري"؛ هو "نهج طبيعي، يتم من خلاله قوننة البناء وأن تكون ضمن القرى والمدن، وهذا أمر معمول به في كل البلدان من أجل الحفاظ على التوسع العمراني وملاءمته لواقع الأرض والمسكن، ولكن في السياق الإسرائيلي يتم استغلاله للتضييق على الفلسطينيين في الداخل، رغم أن الفلسطيني في الداخل يسعى لتخطيط حضري مناسب، ولكن السلطات الإسرائيلية تستغل هذا الجانب، لعدم منح الفلسطينيين الحيز المناسب للبناء".