الكتاب: الصحافة الفلسطينية قبل سنة 1967م
الكاتب: جهاد أحمد صالح
الناشر: وزارة الإعلام الفلسطينية؛ والكلية العصرية الجامعية، رام الله 2021.
"الصحافة
تاريخ جار"؛ لذا لا يستغني الباحث في التاريخ الوطني عن الصحف، التي اعتُبرت، بحق، "الشاهد على القبور"؛ لأنها تنقل إلى ذاك الباحث رأي القادة السياسيين في القُطر المعني بالأحداث، لحظة وقوعها، بينما تُتيح المذكرات لهذا السياسي، أو ذاك، إمكانية تلفيق آراء أخرى لصالحه، بعد انقضاء سنوات، أو عقود، على الأحداث.
لذا، عانى الشعب الفلسطيني، وبضمنه مؤرِّخوه، الكثير، من ضياع الصحف العربية الفلسطينية، ضمن تعبيرات "نكبة 48 الفلسطينية". وإن تمكن د. أنيس صايغ، مدير مركز الأبحاث، التابع لمنظمة التحرير (1964 ـ 1976)، رحمه الله، من توفير بعض تلك الصحف، على أشرطة ميكروفيلم، وأقل منه فعلت "مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، في بيروت. ما جعل قوات
الاحتلال الصهيوني، التي احتلت بيروت، (أواسط أيلول / سبتمبر 1982)، تنقض على مكتبة مركز الأبحاث ذاك، وتسرقها، وحين أعادتها، في صفقة مع ياسر عرفات، أواخر العام 1983، فإن تلك المكتبة الثمينة تُركت في اسطبل للخيول بالجزائر، فأتلفتها عوامل التعرية، والأمطار، فضلاً عما سُرق منها، عدا ما أحرقه حُرَّاس الاسطبل، بهدف التدفئة!
كل هذا، والمدير الجديد لمركز الأبحاث، صبري جيريس، متغافلٌ عن هذا الكنز الثمين. وبإصداره هذا الكتاب يكون جهاد أحمد صالح عوَّضنا، جزئيًا، عما فقدناه من صحف.
لأن كتابنا هذا تضمَّن تعريفًا بالصحف العربية الفلسطينية، وأدائها، ومجالات اهتمامها، فيما بين نكبة 1948، و"نكسة" 1967؛ فهو يقف على تخوم الأعمال الموسوعية. والمؤلف ليس جديدًا على هذا المجال؛ فقد سبق له أن أصدر "رواد النهضة الفكرية والأدبية وأعلامها في فلسطين"، عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، في تسعة أجزاء، وبعدها صدر للمؤلف نفسه سلسلة "الرواد المقدسيون في الحياة الفكرية والأدبية في فلسطين" (عشرون جزءًا).
***
تحت عنوان "مرحلة التأسيس الوطني للصحافة الفلسطينية"، جاء الفصل التمهيدي، الذي أعطاه المؤلف صفة "الفصل الأول"، وضمَّنه الشروط المحدِّدة لظهور الصحافة العربية الفلسطينية؛ من شروط اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وثقافية. ولا أدري لماذا أغفل صالح المحدِّد التشريعي، المتمثِّل في تطوُّر القوانين، التي ظلَّت سنَّتها السلطات المتلاحقة على فلسطين، من عثمانية، وبريطانية، وأردنية، ومصرية، ناهيك عن الإسرائيلية، وهدفت هذه القوانين لسحب صفة "السلطة الرابعة" من الصحافة العربية الفلسطينية (ص11 ـ 45).
عن "الصحافة الفلسطينية بين النكبة والنكسة" جاء الفصل الثاني، بدءًا بصحف الضفة الغربية، فصحافة قطاع غزة، وانتهاءًا بصحافة الوطن المحتل (ص47 ـ 54).
عالج الفصل الأول من الجزء الثاني ما أطلق عليه المؤلف "الفكر المقاوم في الصحافة الفلسطينية قبل العام 1967"، مستعرضًا ملابسات تأسيس "فتح"، العام 1959، ومجلتها "فلسطيننا" الشهرية، التي صدرت من بيروت، حتى العام 1964. وتولى المؤلف تحليل بعض محتويات هذه المجلة، التي أجملت رؤية "فتح" لمفردات قضيتنا الوطنية. تبعتها في الصدور عن "فتح"، مجلة "العاصفة"، الاسم نفسه الذي أطلقته "فتح" على جناحها العسكري. (ص65 ـ 96).
"صحافة القوميين العرب"، تولى أمرها الفصل الثاني من الجزء الثاني، بدءًا من نشرة "الثأر" شبه السرية، ثم صحيفة "الرأي" العلنية الأسبوعية، التي صدرت ،بداية، في الأردن، وحين حظرتها السلطات هناك، انتقلت إلى سوريا. وبعد تأسيس "منظمة التحرير الفلسطينية"، صيف 1964، استحدثت حركة القوميين العرب الفرع الفلسطيني لها، وأصدر الفرع "فلسطين"، في صورة ملحق نصف شهري عن جريدة "المُحرر" البيروتية اليومية (109ـ 136).
تولى الفصل الثالث أمر "صحافة منظمة التحرير قبل العام 1967"، فحصرها في أسبوعية "أخبار فلسطين"، التي كانت تصدر في غزة، منذ مايو/ أيار 1963، بالتعاون مع "دار أخبار اليوم" القاهرية، وتولى المحامي زهير الريس رئاسة تحريرها، بينما غدا محمد زكي آل رضوان مديرًا لتحريرها، لكنها توقفت، تحت ضغط العوائق المالية، قبل أن ترثها "منظمة التحرير"، بكل هيئة تحريرها، وبدأ إصدارها الجديد، في 4/10/1965.
إلى مجلة "فلسطين"، التي أصدرتها "الهيئة العربية العليا"، من العاصمة اللبنانية، بيروت، منذ 15/2/1961، بعد أن نقل رئيس الهيئة ، الحاج محمد أمين الحسيني، مركز إقامته، من القاهرة إلى بيروت؛ احتجاجًاعلى ورود اسمه في قائمة "القيادة الفلسطينية"، التي عيَّنتها الحكومة المصرية، صيف 1959، وأعطت الحسيني رقم ( (6!
جاء الكتاب في 212 صفحة من القطع الكبير.
نأتي إلى الملاحظات:
ـ في جدول أسماء النشرات التي صدرت، في فلسطين، خلال العهد العثماني، ثمة نشرتيْن حكوميتين، هما "القدس الشرق"، و "الغزال"، اللتان صدرتا العام 1876، واقتصرت موادهما على القرارات، والفرمانات العثمانية، ما جعلهما لا يمتَّان بصلة للصحف.
ـ أما مجلة "النفائس"، فهي نفسها "النفائس العصرية"، وقد عمد رئيس تحريرها إلى تلك الإضافة (العصرية) ليس إلا (ص18 ـ 20).
ـ الهامش (33) في الفصل الأول، من الجزء الأول ثمة اسم سمير أيوب حداد، والصحيح هو يوسف حداد (ص57).
ـ الهامش (87)، ص60، ينقصه اسم المؤلف، وهو غسان الشهابي (رحمه الله).
ـ ما دام المؤلف أتى على ذكر صحف "القوميون العرب"، و "الهيئة العربية العليا"، و "فتح"، فلماذا أهمل صحف الشيوعيين، والبعثيين، والإخوان، في الضفة الغربية، وقطاع غزة؟! فقد أورد جريدة "البعث" الأسبوعية، ورئيس تحريرها عبد الله الريماوي، التي بدأت في الصدور منذ العام 1948، حتى سنة 1957، في الضفة الغربية، بينما أصدر البعثيون في قطاع غزة، صحيفة أسبوعية، سنة 1959، حملت اسم "الوحدة"، وتولى رئاسة تحريرها ماجد العلمي. أما الصحف الشيوعية العلنية، ففي الأردن صدرت، العام 1957، جريدة "الجماهير"، أسبوعية، ترأس تحريرها بشير البرغوثي، وفي قطاع غزة، أصدر الشيوعيون، سنة 1958، جريدة يومية (لأول مرة في تاريخ القطاع)، حملت اسم "التحرير"، واستمرت في إصدارها اليومي، حتى أواخر العام 1959، حيث تحوَّلت إلى أسبوعية، بعد أن غادر رئيس تحريرها الحزب الشيوعي، علنًا، إثر الحملة الإعلامية، والأمنية ضد الشيوعيين، في كل من مصر، وسوريا، وقطاع غزة. وبعد الإفراج عن المعتقلين الشيوعيين، أصدروا، عبر محمود السُردي، وهو وطني مستقل، أسبوعية "نداء التحرير"، ابتداءً من 15/ 11/ 1965. أما "الإخوان" فقد أصدروا في الضفة الغربية صحيفة "المنار"، وترأس تحريرها كامل الشريف العام 1960. بينما اكتفى "إخوان" قطاع غزة بالصحف التي أصدرها "الإخوان" في مصر، حتى خريف 1954.
وبعد، فنحن أمام عمل ثقافي ـ سياسي، بامتياز، يُنصح بقراءته لكل مواطن فلسطيني، ضمن واجبه بضرورة الإلمام بتاريخه الوطني. وهذا عمل يستحق المؤلف عليه كل التحية. ولعل مثل هذا الكتاب يحث رئاسة سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود في رام الله على العمل لتجميع صور من صحف فلسطين، ما بين 1907 إلى 1994، وتوفيرها على موقع إلكتروني؛ لكن، هل تُخيِّب رئاسة تلك السلطة الظن فيها، وتفعلها؟!