بعد قرارات البنك المركزي المصري، رفع سعر الفائدة، وخفض قيمة العملة المحلية، الاثنين الماضي، لجأت القاهرة مجددا إلى صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض جديد بقيمة 8 مليارات دولار، هو الرابع في عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، وذلك رغم نفي مسؤولين مرارا لهذا التوجه.
وبعد اجتماع استثنائي عقده البنك المركزي الاثنين الماضي، قرر رفع سعر الفائدة بنسبة 1 بالمئة، ليصبح 9.25 بالمئة على الإيداع، 10.25 بالمئة على الإقراض، في قرار هو الأول رفع لسعر الفائدة منذ تموز/ يوليو 2017.
كما قرر المركزي المصري خفض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 17 بالمئة في قرار فاجأ به المصريين الاثنين، وللمرة الثانية في عهد السيسي، بعد تعويم العملة المحلية للمرة الأولى تشرين الثاني/ نوفمبر 2016.
"قرض جديد"
تلك الخطوات التي تأتي إثر سحب مستثمري الديون الخارجية من مصر مليارات الدولارات في الأشهر الأخيرة، ما زاد من الضغط على عملتها، بحسب تأكيد وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني الأسبوع الماضي؛ اعتبرتها مؤسسات مالية دولية مقدمة لقرض جديد من صندوق النقد الدولي.
وقال بنك "جولدمان ساكس"، الاثنين؛ إن تخفيض قيمة العملة "يمهد الطريق لبرنامج صندوق النقد الدولي، الذي نعتقد أنه سيساعد في ترسيخ الثقة في مسار مصر المالية والإصلاحية".
وقالت وكالة "أسوشييتد برس"، الأربعاء الماضي؛ إن الإجراءات المصرية المتخذة خلال اليومين الماضيين، تعد على الأرجح إشارات إلى أن "الحكومة تريد تأمين حزمة تمويل أخرى من صندوق النقد الدولي".
وقطعت رئيسة بعثة مصر لدى صندوق النقد الدولي سيلين ألارد، التكهنات في بيانها الأربعاء، مؤكدة أن مصر طلبت دعما من الصندوق لتنفيذ برنامجها الاقتصادي الشامل.
وأشاد بيان الصندوق بـ "الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطات لتوسيع الحماية الاجتماعية المستهدفة، وتنفيذ مرونة سعر الصرف".
وأضاف: "سيكون استمرار مرونة سعر الصرف، ضروريا لامتصاص الصدمات الخارجية وحماية الهوامش المالية خلال هذا الوقت المضطرب".
وأكد أنه "ستكون هناك حاجة إلى سياسات مالية ونقدية حكيمة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي".
من جانبه، أعلن مجلس الوزراء المصري، في اليوم ذاته، التقدم لصندوق النقد الدولي لبدء المشاورات بخصوص برنامج جديد يهدف إلى مساندة الدولة المصرية في خططها الخاصة بالإصلاح الاقتصادي.
ومساء الأربعاء، قال السفير نادر سعد، المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء، لبرنامج "على مسؤوليتي" بفضائية "صدى البلد؛ إن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي لا يعني وجود أزمة كبيرة، وأن الاقتصاد يقف حاليا على أرض صلبة، أفضل كثيرا من الوضع في 2016.
"عجز بالمدفوعات"
وفي رؤيته لدلالات طلب مصر التباحث مع صندوق النقد الدولي لطلب قرض جديد، قال الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي المصري محمد الحويطي؛ إن هذا "يعني بوضوح أن هناك عجزا في ميزان المدفوعات، بعد خروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة بقوة من أدوات الدين المصرية".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أنه "من ثم، تحاول الحكومة المصرية سد هذا العجز، بقرض جديد حال استمرار الأزمة الحالية".
وأضاف أن "ما قدمته مصر من رفع للفائدة وتخفيض للعملة، إجراء لا مناص منه في الوقت الحالي، ومحاولة منها لجذب استثمارات أجنبية جديدة، خاصة بعد رفع الفيدرالي الأمريكي للفائدة وخروج استثمارات أجنبية كبيرة من مصر".
وفي إجابته على التساؤل: هل معنى ذلك أن المصريين على موعد مع إجراءات تقشف جديدة يطلبها الصندوق؟ قال الحويطي: "إذا استمرت الأوضاع دون جديد فيما يتعلق بمواصلة ارتفاع أسعار الطاقة، واستمرار خروج الاستثمارات الأجنبية، بالتأكيد ستكون هناك إجراءات تقشفية".
واستدرك بالقول: "أما إذا استطاعت الحكومة المصرية تعويض خروج الأجانب بجذب استثمارات عربية وأجنبية جديدة، والحصول على قرض مساند من صندوق النقد لتعويض عجز ميزان المدفوعات، وتعويض تراجع العملة الصعبة، فأظن أن الإجراءات التقشفية لن تكون أصعب مما هي عليه الآن".
وتوقع المحلل الاقتصادي، أنه عندها "سيحدث توازن معقول ومطمئن للمواطن في الأسواق، وسيتراجع التضخم".
وختم الحويطي بالتأكيد أن "المعيار الآن هو قدرة الحكومة المصرية على توفير عملة صعبة لسد عجز ميزان المدفوعات، وسد احتياجات الأسواق الرئيسية من السلع والمنتجات المستوردة".
"اقتصاد الأهواء"
وفي تعليقه قال أكاديمي مصري: "بداية، الاقتصاد المصري لا يسير طبقا للنظريات الاقتصادية ولا يلتزم بالأولويات الاقتصادية، بل يسير طبقا للأهواء".
الخبير الاقتصادي الذي تحدث لـ"عربي21"، شريطة عدم ذكر اسمه، أكد أن "رفع سعر الفائدة وخفض قيمة العملة ليس له علاقة بالأحداث العالمية؛ ولكن له علاقه بالاستمرار في الاقتراض وتوجيه هذه الأموال إلى مجالات لا تمثل الأولويات الاقتصادية (الاستثمار المباشر الذي يترتب عليه عائد)".
وتابع: "بالإضافة إلى الفساد والمحسوبية، ومنافسة الحكومة للقطاع الخاص، وهو ما يسمى اقتصاديا بالإزاحة وعدم المنافسة المتساوية، الذي ترتب عليه خروج شركات القطاع الخاص من مجالات كثيرة لعدم قدرتها على منافسة المؤسسات الحكومية".
ويرى أن "ما قامت به الحكومة بخصوص رفع سعر الفائدة وخفض قيمة الجنيه، هو تنفيذ لتعليمات صندوق النقد الدولي، والدراسات الاقتصادية التاريخية تثبت أنه لم ينجح اقتصاد تعامل مع صندوق النقد الدولي".
وأكد أن الصندوق، "لديه روشتة واحدة يعطيها لكل الدول التي تتعامل معه بغض النظر عن ظروفها الاقتصادية، بما يحقق مصلحة المسيطرين على الصندوق الرأسمالية المتوحشة".
وقال: "لا بد من توافر الإرادة الحقيقية لحدوث التنمية (الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، الثقافية،.. ) الشاملة والمستدامة، وهذا غير متوافر".
والحل من وجهة نظر الأكاديمي المتخصص في الاقتصاد، هو "الإنتاج أو الاستثمار المباشر في القطاعات كافة، ومحاربة الفساد والمحسوبية، والتخصص وتقسيم العمل؛ (أي تقوم كل مؤسسة من مؤسسات الدولة بدورها الذي نص عليه الدستور)".
وأكد أن خطة الإصلاح الاقتصادي تتضمن "الاعتراف بوجود مشكلة، واعتماد نظام الحرية الاقتصادية المسؤولة، والاهتمام بالتعليم والصحة وخاصة التعليم الفني، وتقديم أهل الخبرة والكفاءة، والاهتمام بدراسات الجدوى الاقتصادية".
وتابع بأن "الإنتاج الذي يؤدي إلى انخفاض معدل البطالة، وزيادة معدل التصدير، وخفض معدل الواردات، وتفعيل قانون الحد الأدنى والأعلى للأجور، وتفعيل دور الصناعات الصغيرة والمتناهية الصغر، والالتزام بالأولويات الاقتصادية في كل قطاع من القطاعات".
وأكد أهمية "ترشيد الإنفاق العام، والتخصص وتقسيم العمل، ومحاربة الفساد والمحسوبية، وعدالة توزيع الثروات والدخل، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع الأهلي، وتوافر الإرادة الحقيقية لحدوث التنمية الشاملة والمستدامة".
"إصلاح مطلوب.. ولكن"
وعن طلب مصر القرض الجديد، تساءل الخبير الاقتصادي المصري عبدالنبي عبدالمطلب، عبر "فيسبوك": "هل نجحت روشتة الصندوق سابقا حتى تنجح هذه المرة؟".
وأضاف في تدوينة ثانية: "الإصلاحات الاقتصادية مطلوبة، وعلينا تحمل آثارها السلبية؛ لكن الإصلاحات الاقتصادية مجرد تربة يتم إعدادها للزراعة والإثمار، هذه التربة لن تنبت دون البذور المناسبة".
وخلص إلى القول: "لا إصلاح اقتصاديا بدون إصلاح سياسي، ولا تنمية بدون ديمقراطية، ويجب أن يكون لديك ديمقراطية بمقدار رغبتك في التنمية".
"أوضاع صعبة"
وعلى خلفية قرارات الاثنين، برفع سعر الفائدة، وخفض قيمة العملة المحلية، تراجع الجنيه مجددا أمام الدولار، ليصل سعر صرفه بالبنوك إلى 18.5، مقابل 15.74 جنيه الأحد الماضي، في قفزة بنحو 3 جنيهات كاملة خلال يومين.
ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية 24 شباط/ فبراير الماضي، ارتفعت أسعار جميع السلع الاستراتيجية بالبلاد، ما فاقم الأوضاع الاقتصادية في ظل ضعف القدرة الشرائية لديهم، ما زاد أعباء أكثر من 100 مليون مصري، يقع 60 بالمئة منهم تحت خط الفقر وفقا لتقرير البنك الدولي أيار/ مايو 2019.
والجمعة الماضي، رفعت الحكومة أسعار أسطوانات الغاز المنزلي والتجاري، للمرة الثانية خلال 3 أشهر، بنسبة 15.3 بالمئة، مع رفع سعر طن الغاز الصب إلى 6 آلاف جنيه، فيما تتجه الحكومة، بحسب مصادر ونواب بالبرلمان، لرفع فاتورة الكهرباء والوقود.
وفي المقابل، وجهت الحكومة المصرية الوزراء بتأجيل أي مشروعات لم يتم البدء فيها وتعتمد في تنفيذها على الدولار، وحظر سفر المسؤولين للخارج إلا في الحالات القصوى، ومراجعة المشروعات كافة من حيث التكلفة، والعمل على ترشيد النفقات.
"مصر والصندوق"
وانضمت مصر لعضوية صندوق النقد الدولي "IMF "، في كانون الأول/ ديسمبر 1945، كونه وكالة منبثقة عن الأمم المتحدة ومقره بالعاصمة الأمريكية واشنطن.
ولجأت القاهرة للصندوق في عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، 3 مرات خلال السنوات الـ6 الماضية.
واقترضت القاهرة 12 مليار دولار في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، تم صرفه على 6 شرائح خلال 3 سنوات.
كما أنها اقترضت 2.8 مليار دولار في أيار/ مايو 2020، و5.2 مليار دولار في حزيران/ يونيو 2020، تم صرفها على 3 شرائح، كانت الأخيرة منها في 2021، لمواجهة تداعيات جائحة "كورونا".
وأكد خبراء أن الحكومة المصرية لتخطي أزمتها الاقتصادية وارتفاع الأسعار، وهروب الأموال الساخنة، وتسديد فوائد وأقساط الديون، وتوفير السلع الأساسية، أمامها 3 خطوات هي رفع سعر الفائدة وخفض قيمة الجنية، أو بيع بعض الأصول الحكومية الثابتة، أو الاقتراض من صندوق النقد الدولي.
مصر تتجه نحو الاقتراض مجددا من صندوق النقد الدولي
هيئة قناة السويس ترفع الرسوم الإضافية لعبور السفن
لماذا قدم المركزي المصري موعد رفع الفائدة وخفّض الجنيه؟