قضايا وآراء

ملاحظات بشأن الحرب الروسية على أوكرانيا

1300x600
• قرار روسيا شن الحرب على أوكرانيا، جاء بشكل رئيسي لرغبة بوتين بإعادة تشكيل خرائط النفوذ الروسي في أوروبا الشرقية، وإعادة إحياء حقبة الاتحاد السوفييتي، والتحرك ضد اقتراب حلف النيتو من حدوده الغربية. وحتى في تبرير موسكو المعلن، فإن العمليات العسكرية شنت ردا على ارتكاب كييف ما قيل إنها "عمليات إبادة جماعية" في إقليم دونباس بحق الناطقين بالروسية، ولم يكن لأن الرئيس الأوكراني "يهودي"، أو لأنه قام بالشماتة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

• تصريحات نائبة رئيس الوزراء الأوكراني إيرينا فيريشوك بأن محاولات الإسرائيليين المصالحة بيننا وبين الروس أشبه بسعي لإقناعنا بالاستسلام بشرف، ومن ثم اتهامها للحكومة الإسرائيلية بأنها لا تريد الخلاف مع الروس ولا تدعم العقوبات ضد بوتين بحزم؛ تكشف إلى حد كبير بأن التذلل المخزي الذي قام به الرئيس زيلنسكي ومحاولته اللعب على عواطف اليهود بالحديث المقزز عن المعاناة المشتركة لدولة الاحتلال وأوكرانيا لم يحقق مراده، وأن تل أبيب تدرك أن مصالحها الحقيقية هي مع روسيا، فهي التي تمنحها الضوء الأخضر لكي تقصف كما يحلو لها في سوريا رغم الوجود العسكري الروسي هناك، وأن تحركاتها هنا وهناك وإدانتها الخجولة للغزو الروسي يأتي في سياق مجاملتها للأمريكان، فضلا على أنها تحاول استغلال معاناة المدنيين الأوكرانيين لزيادة أعداد المستوطنين في فلسطين المحتلة، كما سبق لها من قبل باستغلال تفكك الاتحاد السوفييتي لنقل أعداد ضخمة من اليهود الروس، وتوطينهم على أرضنا لكي يكونوا من أكبر التجمعات هناك. 
الصراع الروسي- الغربي يأتي بالدرجة الأولى لدفاع كلا الطرفين عما يعتبره مصالح استراتيجية أو أمنا قوميا أو مكاسب جيوسياسية، ولم يأخذ ولن يأخذ بعين الاعتبار أي مصالح أو أمنيات أو مطامع لأي دول خارج هذه الدائرة بما فيها مصالح أوكرانيا نفسها

• الصراع الروسي- الغربي يأتي بالدرجة الأولى لدفاع كلا الطرفين عما يعتبره مصالح استراتيجية أو أمنا قوميا أو مكاسب جيوسياسية، ولم يأخذ ولن يأخذ بعين الاعتبار أي مصالح أو أمنيات أو مطامع لأي دول خارج هذه الدائرة بما فيها مصالح أوكرانيا نفسها.. فالشعب والدولة هناك هما من يدفع اليوم الثمن الأكبر لهذا الصراع.

• مواقف الحكومة الأوكرانية ورئيسها لا تبرر بحال الشماتة بالمدنيين الأوكرانيين أو الاحتفاء بالإجرام الروسي ضدهم. لا يوجد بيننا وبين أوكرانيا أي تاريخ دموي، ولم ترتكب جرائم بحقنا - كعرب أو مسلمين - وهناك عشرات الآلاف إن لم يكن مئات الآلاف من الطلاب الذين درسوا في جامعاتها أو يقيمون فيها، ولم يعانوا من أي عنصرية أو اضطهاد. في المقابل هناك تاريخ أسود ودموي طويل بيننا وبين روسيا، سواء في الحقبة القيصرية أو خلال حقبة الاتحاد السوفييتي أو في مرحلة روسيا البوتينية. ولعل أقرب مثال على ذلك، ما ارتكبه الجيش الروسي من جرائم وحشية مروعة في سوريا، أسفرت عن قتل عشرات الآلاف وتهجير الملايين، وقامت بتثبيت حكم نظام أقلوي استبدادي، يحاول اليوم إعادة تغيير الخارطة الديموغرافية في بلاد الشام على أسس طائفية مقيته، فضلا عن التاريخ الإجرامي الروسي بحق أفغانستان والشيشان، وقتل مئات الآلاف من المدنيين والأبرياء المسلمين هناك.

• التذكير بالإجرام الروسي، لا يعني بحال الوقوف مع الغرب وتأييد سياساتهم الإجرامية، خصوصا أن الحرب الروسية على أوكرانيا كشفت بشكل جلي المنطق المنافق والعنصري والعدائي ضدنا، فهو شريك وداعم أساسي للصهاينة واحتلالهم الإجرامي، وهو من دعم ويدعم أكثر الأنظمة العربية إجراما وبؤسا، وتأييده لأوكرانيا لا يعني أنه على حق، ولا يعني أن خصومه على حق، كلاهما يدافع عن مصالحه ويستخدم كل الأسلحة القذرة في سبيل تحقيقها.
النفاق الغربي الذي تجلى بشكل فاضح في الحرب الروسية على أوكرانيا، يجب أن لا يدفعنا بحال إلى الانحياز إلى المعتدي ضد الجلاد، فالأصل أن تتم إدانة الاحتلال، وإدانة الجرائم المرتكبة ضد الأبرياء مهما كانت هوية الضحايا أو هوية الجلادين

• كراهية أمريكا والوقوف ضد سياساتها ومعاداتها - سواء كان ذلك حقيقة أو مجرد شعارات للاستهلاك المحلي - لا تمنح أي جهة صك براءة أو تأييدا غير مشروط لأفعالها. فالصين التي تعد أكبر خصم للولايات المتحدة وتشكل أكبر تهديد جيواستراتيجي لواشنطن، هي ذاتها التي ترتكب أشنع الانتهاكات والجرائم ضد أقلية الإيغور المسلمة، وهي التي هدمت مساجدهم ونفذت أحكام الإعدام الجائرة بحقهم، وهي التي تمنعهم من ممارسة أي شكل من أشكال حرية الدين والعبادة، وهي التي تسجن أكثر من مليون مسلم، وتمارس عليهم كل أشكال التعذيب النفسي والجسدي لكي يتخلوا عن دينهم.

• النفاق الغربي الذي تجلى بشكل فاضح في الحرب الروسية على أوكرانيا، يجب أن لا يدفعنا بحال إلى الانحياز إلى المعتدي ضد الجلاد، فالأصل أن تتم إدانة الاحتلال، وإدانة الجرائم المرتكبة ضد الأبرياء مهما كانت هوية الضحايا أو هوية الجلادين. فالموقف من الاحتلال يجب أن لا يتجزأ، وكما نحن ندين الاحتلال الصهيوني لأرضنا والجرائم المرتكبة ضد أهلنا وأرضنا ومقدساتنا ونطالب كل أحرار العالم بالتضامن معنا، يجب علينا أيضا من منطق أخلاقي بحت، أن ندين الاحتلال في أي مكان، كما سبق وأدنّا الاحتلال الروسي والأمريكي لأفغانستان والاحتلال الأمريكي للعراق. وحتى لو واجهنا خصومنا بازدواجية معايير مثيرة للغثيان، فيجب أن لا نقع بفخهم ونكرر ما يقومون به.. "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعْدِلُواْ ۚ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ".