مع الساعات الأولى لبدء العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا حفلت العديد من المواقع الإخبارية ووسائل الإعلام بتحليلات جادة وأخرى حملت صيغة تندر عن عدد الأيام التي ستحتاجها روسيا لإسقاط نظام زيلنسكي واحتلال كييف، أكثرهم تفاؤلا بقدرات الجيش الأوكراني تحدث عن أسبوع في حين قدرت وزارة الدفاع الأمريكية ألا تصمد العاصمة أكثر من ستة وتسعين ساعة.
لكن مع دخول الحرب هناك أسبوعها السادس أُجبر كثيرون على إعادة حساباتهم وتحليلاتهم ليتحول السؤال عن مدة صمود أوكرانيا أمام الجيش الروسي إلى تساؤل عن حقيقة من يكسب ومن يخسر في الحرب الدائرة هناك؟
لنتفق بداية أن من يدفع الثمن الأكبر منذ بدء الدبابات الروسية باجتياح الحدود هم المدنيون الأوكرانيون، فعدد القتلى والجرحى يقدر بنحو خمسة آلاف، في حين تشير الأرقام حتى الآن أن حوالي أربعة ملايين لاجئ فروا إلى دول الجوار إضافة إلى قرابة ستة ملايين نازح أجبروا على ترك بيوتهم والانتقال إلى مناطق أكثر أمانا داخل بلادهم، وتتعاظم الفاتورة هنا إذا أضيف حجم الخسائر المادية والدمار والأضرار التي لحقت بالدولة الأوكرانية واقتصادها، حيث تشير أحدث التقديرات بأنها بلغت أكثر من 565 مليار دولار.
لكن السؤال الأهم عادة في الحروب يرتبط حتما بهوية الطرف الذي يكسب وهوية الطرف الذي يخسر على الأرض؟
ورغم أنه من الصعب تقديم إجابة سهلة ودقيقة هنا، لا سيما وأن الأمر قد يرتبط أحيانا بالزاوية التي ينظر من خلالها إلى المشهد هناك، إلا أن الرجوع إلى قائمة الأهداف التي رفعها كل طرف مع بداية المعارك ومقارنتها مع ما تحقق منها فعلا، يمكن أن يعطي فكرة واقعية إلى حد ما عن ميزان المعارك وعن هوية الطرف الذي يخسر ويتعثر وأعتقد هنا أنه روسيا.
لماذا روسيا؟ الإجابة ببساطة لأن أياً من الأهداف الكبرى لمغامرة بوتين العسكرية هناك لم تتحقق بشكل كامل، فلا كييف سقطت ولا الجيش الأوكراني استسلم ولا تم نزع أسلحة أوكرانيا ولا تحويلها بالقوة إلى دولة محايدة وفق المعايير الروسية وما زال قادة البلاد على الأرض لم يهربوا ولم يرفعوا الراية البيضاء.
كما أن الجيش الروسي تلقى ضربات قاسية وخسائر فادحة بالرجال والعتاد على كافة جبهات القتال فاقت كل التوقعات بل إن معدل الخسائر خلال الشهر الأول من الحرب تجاوز ذلك الذي حصل في أسوأ شهور القتال التي خاضتها القوات الروسية في حربها الطويلة في الشيشان أو حتى في تدخلاتها العسكرية في سوريا وجورجيا.
ووفق تقديرات "متحفظة" فإن نحو ثمانية آلاف جندي روسي بينهم سبعة جنرالات كبار قتلوا في أوكرانيا كما خسرت موسكو حتى الآن ما يقارب خمسمائة دبابة ونحو مئتي مروحية ومقاتلة إضافة إلى أكثر من ألف وخمسمائة مدرعة ومدفع.
ما يعني بشكل جليّ أن ما أرادته روسيا أن يكون حربا خاطفة وسريعة ومخيفة لخصومها في النيتو تحول إلى مستنقع يستنزفها ويبتلع جنودها وأن مسار المعارك على الأرض يسير في اتجاه معاكس لما كانت تتمناه.
من يدفع الثمن الأكبر منذ بدء الدبابات الروسية باجتياح الحدود هم المدنيون الأوكرانيون، فعدد القتلى والجرحى يقدر بنحو خمسة آلاف، في حين تشير الأرقام حتى الآن أن حوالي أربعة ملايين لاجئ فروا إلى دول الجوار إضافة إلى قرابة ستة ملايين نازح أجبروا على ترك بيوتهم والانتقال إلى مناطق أكثر أمانا داخل بلادهم،
لكن هل كل ذلك يعني أن روسيا هُزمت في أوكرانيا؟ بالتأكيد لا، ففضلا عن أن موسكو لم تكن تبالي تاريخيا "بالكلفة البشرية" في حروبها فهي فعليا سيطرت على ضعفي الأراضي الأوكرانية التي كانت تسيطر عليها بشكل مباشر أو عبر انفصاليين مدعومين منها قبل اندلاع القتال، كما أنها وجهت بدورها ضربات قوية للجيش الأوكراني خصوصا في ظل الفارق الكبير جدا بموازين القوى مع كييف,
وإذا نقلنا التساؤل إلى الطرف الآخر، بمعنى: هل أوكرانيا هي التي تكسب؟
قياسا على الهدف الرئيسي لسلطات كييف.. وهو هنا الصمود وعدم الاستسلام وصد الغزو الروسي والحيلولة دون تحقيق أهدافه الكبرى.. فالإجابة نعم.. هي التي تكسب.. لكن هل يعني هذا بأنها كسبت الحرب.. حتما لا، فالأمر قد يكون مرهونا بعدة عوامل لعل أولها استمرار تدفق الدعم الغربي ووصول الأسلحة النوعية القادرة على إسقاط الطائرات الروسية وإعطاب دباباتها، عدم لجوء موسكو إلى أسلحة دمار شامل، تصاعد تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا، والأهم ربما هو استمرار صمود الجيش الأوكراني على جبهات القتال الساخنة.
دولة الاحتلال وحركات المقاومة في ظل الهزّة الأوكرانية.. تقدير موقف
الحَربُ خُسْرانٌ وكوارث.. فلا تُجرِّبوا المُجَرَّب
القارة الأوروبية تواجه الحرب الروسية!