تواصل الإمارات عمليات الاستحواذ على أهم قطاعات الاقتصاد المصري، في وقت يمر فيه الأخير بأزمات معقدة، نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، التي اندلعت في 24 شباط/ فبراير 2022.
وقالت وكالة "بلومبيرغ"، إن صندوق أبوظبي السيادي أجرى محادثات مع مصر لشراء حصص مملوكة للدولة المصرية في بعض الشركات، وعلى رأسها البنك التجاري الدولي، بقيمة 2 مليار دولار.
وبحسب الوكالة، فإن الصندوق الإماراتي يسعى عبر "القابضة" (ADQ)، الحكومية الإماراتية للاستحواذ على حصة 18 بالمئة من أكبر بنك مدرج في مصر "التجاري الدولي"، إلى جانب حصة البنك، التي تعتبر نصف قيمة الصفقة الإجمالية.
وتتضمن الاتفاقية شراء حصص بـ4 شركات أخرى مدرجة بسوق الأوراق المالية المصري، وعلى رأسها شركة "فوري" للخدمات المصرفية وتكنولوجيا الدفع.
ولفتت "بلومبيرغ" إلى أن هذا الاستثمار يحظى بموافقة مصرية، خاصة بعد إجراءات البنك المركزي المصري برفع سعر الفائدة للمرة الأولى منذ عام 2016، وتراجع العملة المحلية بشكل حاد.
الحديث عن الصفقة، جاء بعد زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، لمصر واجتماعهما برئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، بشرم الشيخ، الثلاثاء.
ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تأثر الاقتصاد المصري بشكل مثير للمخاوف، وارتفعت أسعار الكثير من السلع الاستراتيجية.
والاثنين، أعلن البنك المركزي المصري، عن رفع أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 100 نقطة، وذلك في قرار مفاجئ واستثنائي يجري تطبيقه للمرة الأولى منذ 5 سنوات.
وقرر المركزي المصري أيضا، خفض سعر الجنيه بنسبة تقارب 17 بالمئة، في إطار مساعيه لمواجهة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتأمين اتفاقيات مع مؤسسات دولية لتمويل احتياجات البلاد.
"شروط الصندوق"
وتعليقا على الاستحواذ الإماراتي الجديد، أوضح الخبير المالي والمصرفي المصري عبد المنعم بدوي، أن "هذا الإجراء يأتي في إطار الخصخصة، وهي بيع الحكومة لشركات القطاع العام، أو بيع حصة الدولة في بعض الشركات التابعة لها، وهي شرط من شروط صندوق النقد الدولي لمنح مصر أي قرض".
وفي ما يتعلق بأسباب ودوافع لجوء الحكومة المصرية لمثل هكذا صفقة، أكد بدوي لـ"عربي21"، أن "الدافع الأساسي للحكومة هو تنفيذ شروط الصندوق الدولي".
وأوضح أن "باقي شروط صندوق النقد لمنح مصر القروض الجديدة، هي إلغاء الدعم، وتخفيض الإنفاق الحكومي، ووقف التعيينات في الجهاز الإداري للدولة مثل المدرسين على سبيل المثال".
وحول البدائل الاقتصادية التي كانت لدى الحكومة المصرية عن هذه الخطوة، قال: "لا توجد بدائل للحصول على القرض سوى تنفيذ الشروط".
وأشار إلى أن "البديل الوحيد هو عدم الاقتراض من صندوق النقد، لأنه لا توجد دولة في العالم تعاملت معه إلا وكان الإفلاس والمصائب المالية مصيرها".
وأعرب عن أسفه من أن البيع لا يتم إلا على الشركات الرابحة وليست الخاسرة، لافتا إلى أن "البنك التجاري الدولي أكبر البنوك المصرية على الإطلاق من حيث الربحية والتقييم".
ونفى احتمالات وجود فائدة مرجوة من هذا الإجراء بالاستناد إلى تاريخ الخصخصة منذ عهد حسني مبارك، مضيفا: "إذا كان عندك دجاجة تبيض بيضة يوميا، وهي غير كافية لإطعام الفرد يوميا، فلو ذبحتها ستنعم بالأكل الشهي أياما، ولكن في المقابل ضاعت منك البيضة والدجاجة".
اقرأ أيضا: مديرة صندوق النقد الدولي: إنني أخشى على مصر
"الخيارات الصعبة"
وعن الفائدة الاقتصادية المرجوة من خطوة شراء صندوق أبوظبي السيادي حصصا في شركات حكومية مصرية، قال الخبير الاقتصادي المصري عبد النبي عبد المطلب: "هناك أخبار عن خروج جزء غير قليل من أموال الأجانب (الأموال الساخنة) من سوق المال المصري".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذا الخروج يسبب ضغوطا كبيرة على كمية السيولة بالعملات الأجنبية لدى الاقتصاد المصري، ومن هنا كان قرار الحكومة المصرية ببيع حصتها في الشركات المذكورة".
وأكد أن "البدائل الاقتصادية التي كانت متاحة أمام الحكومة المصرية بدل هذه الخطوة قليلة"، مشيرا إلى أنه كان من الصعب أن تقدم الحلول السريعة لمنع تدهور سعر الصرف أو توقف خروج الأموال الساخنة.
ولفت إلى أن "هدف الحكومة المصرية من الصفقة كان توفير سيولة سريعة تعوض نقص السيولة الذي سببه خروج الأموال الساخنة".
وعن البدائل المتاحة، قال الخبير المصري إن "أغلبها صعب؛ وفي مقدمتها زيادة إصدار السندات السيادية بالدولار في الأسواق العالمية، وفي ظل الحرب الروسية الأوكرانية، فهذا البديل خطر".
وأشار إلى أن "البديل الثاني، هو الاقتراض من صندوق النقد الدولي، وهذا بديل يحتاج إلى مفاوضات ووقت"، لافتا إلى أن "خيار الاستدانة من الدول العربية الغنية، ليس سهلا".
"إمبراطورية الإمارات"
ويتزايد الاستحواذ الإماراتي على الاقتصاد المصري بشكل مطرد، مشكلا إمبراطورية في قطاعات الصحة والتعليم والتجارة والمصارف، وغيرها.
وهناك 5 بنوك إماراتية تعمل في مصر، هي "أبوظبي الأول"، و"أبوظبي التجاري"، و"الإمارات دبي الوطني"، و"أبوظبي الإسلامي"، و"بنك المشرق"، لتصبح الجنسية الإماراتية صاحبة العدد الأكبر للبنوك الأجنبية بالقطاع المصرفي المصري، بحسب موقع "مصراوي" المحلي.
ومنذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، أقامت الدولتان منصة استثمارية مشتركة بقيمة 20 مليار دولار بمجموعة من القطاعات والأصول، يديرها صندوق الثروة السيادي المصري وصندوق أبوظبي السيادي.
وتواصل "موانئ دبي العالمية" استحواذها على مشروعات هامة بمحور قناة السويس، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، حصلت على أرض صناعية بالمنطقة الصناعية هناك بمساحة 35 كيلومترا.
واشترت "القابضة" (ADQ)، حصة مجموعة "اللولو العالمية"، لتستحوذ بذلك على سلاسل "الهايبر ماركت"، و"السوبر ماركت" في مصر منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2020.
كما اشترت الشركة الحكومية الإماراتية (تأسست عام 2018)، كامل حصة شركة "بوش هيلث" في شركة آمون للأدوية المصرية عام 2021.
وفي 20 كانون الثاني/ يناير 2021، استحوذ بنك "أبوظبي الأول" على كامل حصة بنك "عودة" في مصر، ما جعل البنك الإماراتي أحد أكبر البنوك الأجنبيّة العاملة بمصر من حيث الأصول، بنحو 120 مليار جنيه مصري (8.1 مليارات دولار).
وفي 14 آذار/ مارس 2021، تقدمت شركة "الدار العقارية" الإماراتية، بعرض استحواذ على حصة أغلبية (51 بالمئة) بشركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار "سوديك"، إحدى كبريات شركات العقارات المصرية.
وفي 6 نيسان/ أبريل 2021، أُعلن أن شركة "أدنوك" الإماراتية للبترول تحالفت مع شركة أبوظبي القابضة "ADQ" الإماراتية للاستحواذ على شركة "الوطنية للبترول" المملوكة لجهاز الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع المصرية.
وفي 7 نيسان/ أبريل 2021، جرى الإعلان عن استحواذ كبرى شركات إنتاج الأغذية والمشروبات بالإمارات "أغذية" على حصة الأغلبية في شركة الإسماعيلية للاستثمار الزراعي "أطياب" المصرية.
وفي 9 شباط/ فبراير 2022، قدم بنك "أبوظبي الأول" عرض استحواذ على حصة حاكمة بالمجموعة المالية "هيرميس" القابضة، أحد أكبر بنوك الاستثمار الرائدة بالعالم العربي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وفي قطاع الصحة تمتلك الشركات الإماراتية 15 مستشفى، ونحو 100 معمل تحاليل ومركز أشعة، فيما تتحكم في إنتاج الأدوية في سوق تقدر قيمتها بحوالي 45 مليار دولار.
وفي 27 كانون الأول/ ديسمبر 2021، استحوذت مجموعة مستشفيات "كليوباترا" المملوكة لشركة أبراج كابيتال الإماراتية على مجموعة "ألاميدا "الإماراتية للرعاية الصحية.
كيف يمكن للمصريين تلافي آثار التعويم الثاني بعهد السيسي؟
مصر تتجه نحو الاقتراض مجددا من صندوق النقد الدولي
بالتزامن مع أزمة الغلاء.. المصريون على موعد مع ارتفاع الوقود