تمهيد
منذ عشية شهر
رمضان المبارك تسعى حكومة الاحتلال لبسط سيادتها المتآكلة على مدينة القدس
وأحيائها، لذلك فقد شرعت بحملة غير مسبوقة من الإجراءات الأمنية، التي طالت شباب
القدس ورواد المسجد الأقصى المبارك، الذين يتوافدون إلى البلدة القديمة عبر
بواباتها المختلفة وخاصة باب العامود.
ولتجنب الأحداث
العارمة التي شهدتها مدينة القدس في العام الماضي انطلاقاً من منطقة باب العامود
فقد أعلنت السلطات قبل عدة أسابيع عن نيتها نصب السواتر الحديدية في منطقة باب
العامود، إلا أنها قد تراجعت عن ذلك على ضوء ارتفاع حدة عمليات المقاومة خلال شهر آذار الماضي، وما نتج عنها من مزايدات داخلية بين قوات الأمن من جانب وتيار
اليمين المتطرف من الجانب الآخر، وقد بدا ذلك الخلاف بشكله الجلي من خلال المقابلة
التلفزيونية التي أجراها وزير الجيش بيني غانتس مع القناة 12، حين دافع في المقابلة عن جهازي الشرطة والمخابرات (الشاباك) من انتقادات اليمين المتطرف وعلى رأسهم بن
غفير.
بالمقابل، وفي
حركة استعراضية قُصد منها توصيل رسائل للداخل الصهيوني فقد اقتحم في اليوم الثاني
من شهر رمضان وزير خارجية الاحتلال يائير لابيد محيط باب العامود وسط حماية أمنية
مشددة، أما شرطة الاحتلال فقد أعلنت في نفس اليوم، أنها ستنشر لواء كاملا من ست كتائب يضم ثلاثة آلاف شرطي في محيط البلدة القديمة.
إحكام القبضة
الأمنية
شرعت قوات
الاحتلال منذ اليوم الأول من شهر رمضان بنصب حواجز حديدية لتقييد مساحة الجلوس
والحركة، بينما نصبت في اليوم الثاني مركزاً متنقلا للشرطة، إضافة إلى كشافات جديدة
فوق غرفها المحصنة التي استحدثتها في 2017 في محيط منطقة باب العامود، ولتعزيز
قوات الأمن في المدينة فقد سارعت قيادة شرطة الاحتلال إلى إرسال 200 جندي من
الوحدات.
بالمقابل، فقد
أعلنت سلطات الاحتلال عن فرض سلسلة من القيود والإجراءات بشأن المصلين الوافدين
للقدس والمسجد الأقصى خلال الجمعة الأولى من شهر رمضان المبارك. ووفقًا لتلك
القيود، فإن سلطات الاحتلال ستحرم الفئات الفتيّة والشابة من دخول المدينة
وستحرمهم من الصلاة في المسجد الأقصى. وحدّدت دخول من هم فوق الخمسين عامًا من
الرجال دون تصاريح، أما الذين تتراوح أعمارهم ما بين 40 و50 عامًا فلن يُسمح
بدخولهم إلّا بتصريح، فيما سيتم السماح للنساء والفتيات بالدخول دون قيود. وبناء
عليه، فإن من تتراوح أعمارهم ما بين 13 عامًا وحتى دون الـ40 عامًا سيخضعون لما
يسمى بـ“الفحص الأمني”.
وسواء في
مدينة القدس أو الضفة المحتلة، فإن معظم أبناء شعبنا تعرّضوا للاعتقال والسجن
الفعلي أو الإداري في معتقلات الاحتلال، وبذلك فإنهم سيُمنعون “أمنيًا” من دخول
القدس والصلاة في أحبّ الأماكن إلى قلوبهم، وهو المسجد الأقصى.
تحد صارخ
بينما أعلنت
شرطة الاحتلال عن عدم نيتها تقييد اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك خلال
شهر رمضان المبارك، فقد شهدت الأيام الأولى من شهر رمضان زيادة نوعية للمقتحمين،
وخاصة من قبل قيادات بارزة في اليمين الصهيوني المتطرف، منهم يهودا كروزر أحد حاخامات "السنهدرين
الجديد" (منظمة استيطانية متطرفة)، والذي أعلن في كلمة ألقاها من داخل ساحات
المسجد الأقصى المبارك بأن: "كل شيء جاهز لتقديم ذبيحة الفصح في جبل الهيكل
وفي الوقت المحدد، هنا مكان المذبح -مشيرا إلى قبة السلسلة-، هناك خراف بلا عيوب،
وهناك كهنة جاهزون وملابسهم جاهزة، ينقصنا فقط تغيير الوعي وأن نخطو الخطوة
الأولى". بينما قدم المتطرف رفائيل موريس زعيم حركة "العودة إلى جبل
الهيكل" طلباً رسمياً لشرطة الاحتلال للسماح لجماعته بتقديم "قربان
الفصح" في المسجد الأقصى المبارك مساء يوم الجمعة الموافق 15-4-2022، وقد أكد
موريس على نيته بأنه: "سأصل كما هو مخطط مع رفاقي عشية عيد الفصح لتقديم
القربان... ولنعلن للعالم السيادة اليهودية الكاملة على جبل الهيكل". وفي إشارة
للتنافس الصهيوني نحو اقتحام المسجد الأقصى المبارك فقد أقدم عضو “كنيست” الاحتلال
السابق يهودا غليك يوم الأربعاء 6.4.2022 على اقتحام المسجد الأقصى مقدماً شروحاته
للمستوطنين حول “الهيكل” المزعوم.
بالمقابل،
وعلى ضوء هذه الأجواء فقد وجد رئيس المعارضة نتنياهو الفرصة سانحة ليركب من خلالها
نحو عودته لرئاسة الحكومة، فأعلن عن نيته المشاركة في التظاهرة التي تنظمها أحزاب
اليمين المتطرف أمام المجمع الحكومي مساء يوم الاثنين الموافق 6.4.2022.
خلاصة
من خلال رصد
سلوك الحكومة الصهيونية خلال الشهر الماضي وصولاً إلى اليوم، نجد بأنها تمارس
عملية مفضوحة من البروبوغاندا تجاه الرأي العام، إضافة إلى ممارستها للتدليس
الواضح على أصدقائها في المنطقة والعالم، بادعاء عدم نيتها للتصعيد خلال شهر رمضان
المبارك، بينما اتضح بأن ما تقوم به من إجراءات على الأرض ما هو إلا صب للوقود على
النار.
أخيراً، فإن
جدلية الحكومة والمعارضة والتنافس على رئاسة الحكومة من جهة، أضف لها أوهام حفنة
من المستوطنين المتطرفين، قد اجتمعت كلها معاً لتشعل القدس من جديد، ولتظهر للعالم
أجمع حقيقة الاحتلال وصلفه وجبروته.