كتاب عربي 21

رغم الفائض المزعوم.. صعوبة الوفاء بقيمة المدفوعات الخارجية المصرية

1300x600

مع حالة التعايش مع فيروس كورونا خلال عام 2021 عالميا ومحليا، كان من الطبيعي أن تتحسن موارد النقد الأجنبي لمصر من الصادرات السلعية والخدمية، بالمقارنة مع ما كانت عليه عام 2020 الذي شهد فترة من الإغلاق والتعطيل للعديد من الأنشطة.

وهكذا زادت موارد النقد الأجنبي لمصر إلى 129.7 مليار دولار مقابل 102 مليار دولار بعام ذروة الوباء، ولقد استفادت الصادرات المصرية من ارتفاع الأسعار العالمية للعديد من السلع ومنها النفط الذى شهد ارتفاع سعر خام برنت بنسبة 66 بالمائة، وارتفاع مؤشر أسعار الغاز الطبيعى بنسبة 187 بالمائة، وارتفاع مؤشر أسعار الأسمدة بنسبة 81 بالمائة وكذلك ارتفاع البلاستيك والألومنيوم والحديد بما ينعكس على أسعار منتجاتها، والتي تصدرها مصر.

إلا أنه على الجانب الآخر فإن صعود الأسعار العالمية أثر بالإرتفاع على قيمة الواردات المصرية أيضا، وهي الأكبر حجما مما أدى إلى تحقيق الميزان التجاري عجزا كبيرا، وحسب بيانات البنك المركزي المصري فقد زادت قيمة الصادرات خلال عام 2021 بنسبة نمو 46 بالمائة لتصل إلى 36.4 مليار دولار، لكن الواردات زادت أيضا بنسبة 31 بالمائة لتصل إلى 81 مليار دولار، ليبلغ العجز بالميزان التجارى 44.6 مليار دولار.

وعادة ما يعوض الفائض بميزان التجارة الخدمية والبالغ 8.9 مليار دولار جانبا من العجز التجاري السلعي، وكذلك تحويلات المصريين العاملين بالخارج التي بلغت 31.3 مليار دولار، مما يزيد من تغطية غالب العجز التجاري السلعي، لكن مدفوعات فوائد إستثمارات الأجانب بمصر والتى حققت عجزا بلغ 14 مليار دولار، جعلت ميزان المعاملات الجارية التى يتضمن إيرادات ومدفوعات السلع والخدمات والتحويلات وفوائد الإستثمارات، يحقق عجزا بلغ 18.6 مليار دولار بنسبة نمو 31 بالمائة للعجز بالمقارنة للعام السابق.

العجز الحقيقى 33.6 مليار دولار 

الأمر الذي دفع السلطات المصرية للتوسع في الإقتراض بقيمة 27.9 مليار دولار، لتغطية العجز بالحساب الجاري، ولتعويض نقص الإستثمار الأجنبي الوارد لمصر، وقلة حصيلة مشتريات الأجانب لأدوات الدين المصري، الأمر الذي أدى إلى تحقيق تقارب بين موارد ومدفوعات ميزان المدفوعات الكلي المصري بالعام الماضي، ليحقق فائضا بقيمة 382 مليون دولار، وهو ما استفادت منه الآلة الإعلامية المصرية الرسمية والخاصة، بالزعم بأن الإدارة المصرية قد استطاعت استيعاب التطورات العالمية الصعبة، المترتبة عن ارتفاع التضخم العالمي بتحقيق فائض بميزان المدفوعات.

لكن هذا الخطاب الرسمي والإعلامي يتجاهل أن موارد النقد النقد الأجنبي البالغة 129.7 مليار دولار، قد تضمنت قروضا بقيمة 27.9 مليار دولار، ومشتريات للأجانب بأدوات الدين الحكومي من أذون وسندات خزانة بقيمة 6.1 مليار دولار، والتي يسميها الأجانب استثمارات غير مباشرة أو استثمارات الحافظة، بينما هي في حقيقتها ديون على مصر يجب سدادها وفوائدها في مواعيد استحقاقها.

وهكذا بلغت قيمة القروض واستثمارات الحافظة معا حوالي 34 مليار دولار، وبما يعني بلوغ العجز الحقيقي بميزان المدفوعات بدونهما 33.6 مليار دولار، وليس تحقيق 382 مليون دولار فائض  كما يتشدق مسؤلى الحكومة ، وهو ما يؤكده حديث مؤسسات مالية دولية مؤخرا عن كبر حجم الفجوة بالموارد الدولارية حاليا.

 

حسب بيانات البنك المركزي المصري فقد زادت قيمة الصادرات خلال عام 2021 بنسبة نمو 46 بالمائة لتصل إلى 36.4 مليار دولار، لكن الواردات زادت أيضا بنسبة 31 بالمائة لتصل إلى 81 مليار دولار، ليبلغ العجز بالميزان التجارى 44.6 مليار دولار.

 



ويشير التكوين النسبي لكل من الموارد والمدفوعات للنقد الأجنبي إلى المأزق الذي يعانيه الإقتصاد المصري، حيث تضمن التوزيع النسبي للموارد مجيء نسبة 28 بالمائة من الصادرات السلعية، و24 بالمائة من تحويلات المصريين بالخارج و21.5 بالمائة من القروض، ليصل نصيب المكونات الثلاثة إلى 73.5 بالمائة من الإجمالي.

لتتبقى نسبة 26.5 بالمائة لباقي الموارد الثمانية من السياحة وقناة السويس والإستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، وخدمات النقل المحصلة والمتحصلات الحكومية ومتحصلات فوائد الإستثمارات المصرية بالخارج ، والمتحصلات الخدمية الأخرى بخلاف السياحة وخدمات النقل.

غالب المدفوعات للواردات السلعية 

بينما يشير التوزيع النسبى للمدفوعات لاستحواز الواردات السلعية على 63 بالمائة، ومدفوعات فوائد استثمارات الأجانب بمصر وفوائد مشترياتهم لأدوات الدين الحكومي، بحوالي 12 بالمائة وسداد أقساط الدين بنسبة 10 بالمائة، ليصل نصيب المكونات الثلاثة إلى 84 بالمائة من مجمل المدفوعات.

لتتبقى نسبة 16 بالمائة لباقي أنواع المدفوعات التسعة وأبرزها السياحة الخارجة من مصر وخدمات النقل المدفوعة للخارج، والمصروفات الحكومية والإستثمار المباشر وغير المباشر بالخارج، والمعونات التي تقدمها مصر للخارج، حيث يمثل العام الماضى العام الثاني الذي تفوقت به قيمة المعونات التي تدفعها مصر لدول ومنظمات خارجية، عن قيمة ما تتلقاه من معونات خارجية!

ونظرا لكون الواردات السلعية تستحوذ على النصيب الأكبر من المدفوعات، فقد تركزت الجهود الحكومية عليها بهدف التقليل من قيمتها، فكانت إجراءات ضرورة تسجيل المصانع والشركات الأجنبية التي تورد سلعا لمصر، لدى سجل بوزارة التجارة كشرط للتعامل معها منذ عام 2016، مع الإبطاء فى عملية التسجيل مما أثار شكوى الإتحاد الأوروبي من تلك الإجراءات.

ورافق ذلك عمل الجمارك بأسعار استرشادية للواردات لا تتقيد بالأسعار المذكورة بفواتير المستوردين أي أعلى منها لتحصيل جمارك أكبر، وتعديل قانون سجل المستوردين لزيادة الإشتراطات المطلوبة منهم للعمل، لكنها لم تقلل قيمة الواردات خلال السنوات الماضية بالشكل المطلوب.

ولهذا فقد لجأت وزارة المالية إلى طريقة أخرى تتطلب ضرورة موافقتها على الشحنات المستوردة قبل شحنها، فإذا لم توافق يتم إلغاء الشحن، وجرى تطبيق تلك الطريقة منذ بداية تشرين أول/ أكتوبر الماضي على الشحنات البحرية، ويتم حاليا التجهيز لتطبيقه على الشحنات الجوية بشكل تجريبي من أيار/ مايو المقبل وبشكل إلزامي من تشرين أول/ أكتوبر من العام الحالي. 

إجراءات حكومية لتقليل الواردات 

ويشير أداء الواردات المصرية خلال فصول العام الماضي إلى استمرار زيادتها خلال فصول العام، من 19 مليار دولار بالربع الأول إلى 19.6 مليار دولار بالربع الثاني، ثم إلى 19.9 مليار دولار بالربع الثالث، ثم إلى 22.5 مليار دولار بالربع الرابع، رغم عدم الموافقة على حوالي ألفي طلب للشحن حسب وزير المالية، وذلك بسبب زيادة أسعار النفط والقمح وزيت النخيل واللحم البقري والنحاس وغيرها من السلع خلال الربع الأخير من العام عن الربع الثالث.

الأمر الذي دفع البنك المركزي إلى التدخل خلال شهر شباط/ فبراير من العام الحالي، بإلغاء العمل بأسلوب مستندات التحصيل كطريقة لدفع ثمن الواردات، واقتصار العمل على طريقة الإعتمادات المستندية التي تتم من خلال البنوك وتحتاج إلى وقت أطول.

رغم اعتراض رجال الأعمال فى البداية على الطريقة التي قررها المركزي، لكن الواقع البوليسي الذي تعيشه البلاد جعلهم يستسلمون للقرار، وبالفعل شكت بعض القطاعات من تأخر إجراءات الإستيراد من خلال نظام الإعتمادات المستندية مثل الملابس الجاهزة وصناعة السجائر حتى تعطل العمل ببعض مصانع الملابس الجاهزة مما يؤثر سلبا على قيمة صادراتها.

 

يشير أداء الواردات المصرية خلال فصول العام الماضي إلى استمرار زيادتها خلال فصول العام، من 19 مليار دولار بالربع الأول إلى 19.6 مليار دولار بالربع الثاني، ثم إلى 19.9 مليار دولار بالربع الثالث، ثم إلى 22.5 مليار دولار بالربع الرابع، رغم عدم الموافقة على حوالي ألفي طلب للشحن حسب وزير المالية

 



وكان إعلان البنك المركزي لقرار الإستيراد من خلال الإعتمادات المسندية قبل نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، والتي زادت أسعار النفط والغذاء والمعادن وغيرها، حيث بلغ معدل نمو مؤشر أسعار الغذاء الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة السنوي خلال آذار/ مارس الماضي 33.6 بالمائة، مما يعني توقع استمرار ارتفاع قيمة الواردات السلعية المصرية خلال العام الحالي.

نظرا لحاجة البلاد لاستيراد سلع أساسية مثل القمح والذرة وفول الصويا والفول والعدس، والسلع الغذائية والزارعية الأخرى إلى جانب الأدوية والأخشاب والتبغ والأجهزة الطبية، والخامات الحديدية والمعادن وسيارات الركوب والآلات والمعدات والمواد الخام والسلع الوسيطة الازمة للصناعة وللتصدير.

ويزداد مأزق تمويل تلك الواردات وغيرها من أنواع المدفوعات، في ضوء خروج جانب كبير من الأجانب الحائزين على أدوات الدين الحكومي المصري، مما قلل من الموارد الدولارية التي كانت البنوك تستخدمها لتمويل الواردات، حيث يشير أداء استثمارات الحافظة خلال فصول العام الماضي، إلى صافي تدفق موجب للداخل خلال الفصول الثلاثة الأولى من العام بقيمة 12 مليار دولار، بينما شهد الربع الأخير من العام تدفقا للخارج بقيمة 6 مليار دولار، مع أنباء توجه بنك الإحتياط الفيدرالي لرفع سعر الفائدة. 

وخلال الربع الأول من العام الحالي والذي شهد تداعيات الحرب الروسية الأوركانية، كما شهد بداية رفع الفائدة الأمريكية المتوقع استمراره في ضوء ارتفاع معدل التضخم الأمريكي، زادت معدلات خروج الأجانب من أدوات الدين الحكومي المصري، وذكرت تقارير غير رسمية بلوغ قيمتها 15 مليار دولار، وهو ما يؤكده الإسراع بخفض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار وزيادة سعر الفائدة.

وطرح سندات مصرية بالسوق اليابانية والحصول على وديعة سعودية بقيمة 5 مليار دولار والسعي لإقتراض جديد من صندوق النقد الدولي، وبيع حصص من شركات حكومية لجهات خليجية، وقيام وزارة التجارة قبل أيام بإيقاف دخول منتجات حوالي ألف مصنع وعلامة تجارية أجنبية بسبب عدم تسجيلها محليا.

وكلها أمور تشير إلى تزايد مأزق كيفية تمويل المدفوعات من النقد الأجنبي والتى بلغت خلال العام الماضى 129.3 مليار دولار، في حين تصل قيمة الإحتياطيات من النقد الأجنبي حتى آذار/ مارس من العام الحالى 37.1 مليار دولار فقط، رغم وصول الوديعة السعودية وطرح السندات الخارجية خلال الشهر.