وسط الأخبار المتضاربة عن مصير المفاوضات بشأن اتفاق النووي الإيراني، تشير بعض المعلومات إلى أنّ هناك احتمالاً عالياً لإعادة تفعيله خلال فترة وجيزة. بعض التقارير تحدثت عن أنّ المفاوضات في مرحلتها النهائية وأنّ الخلاف بين الولايات المتّحدة وإيران يكمن في النقاش حول حجم العقوبات التي يُراد رفعها عن طهران في حال موافقة الطرفين على العودة إلى الاتفاق.
إيران تريد من واشنطن ألاّ يقتصر الاتفاق بينهما على رفع العقوبات المتعلقة بالاتفاق النووي، وإنما أن يشمل الرفع أيضاً العقوبات التي تمّ فرضها عليها من خارج هذا الإطار. أمّا واشنطن، فتصر على أنّها مستعدة للعودة مباشرة للاتفاق على أن يشمل ذلك رفع العقوبات النووية عن إيران فقط، وأنّه إذا كانت طهران تريد رفع كل العقوبات، فإنّ ذلك سيتطلّب مناقشة مواضيع خارج الاتفاق النووي كقدراتها الخارجية وسياساتها التوسّعية في المنطقة.
وكانت الحرب الروسية ضد أوكرانيا قد سلّطت الضوء على ما قيل أنّه محاولة من موسكو لعرقلة الاتفاق في اللحظة الأخيرة خاصة بعد أن تمّ طُرِح احتمال اعتماد الاوروبيين على نفط وغاز إيران كبديل عن روسيا. وقد اشترطت موسكو أن يتم إعفاؤها وأي إتفاق مستقبلي بينها وبين إيران من أي عقوبات بغض النظر عن طبيعة العلاقة بين أمريكا وروسيا من جهة وأمريكا وإيران من جهة أخرى في أي مرحلة من المراحل لاحقاً. كما طالبت روسيا الولايات المتّحدة بضمانات خطّيّة بهذا الشأن على الأقل على مستوى الخارجية.
من جهتها أملت تركيا ألاّ تقوم موسكو باتخاذ خطوات سلبية تؤدي إلى عرقلة الاتفاق خاصّة أنّ من شأن ذلك أن يؤدي الإضرار بمصالح جميع اللاعبين بما في ذلك المصلحة الروسية. وقد أشارت موسكو إلى أنّها حصلت مؤخراً على الضمانات المكتوبة التي تريدها بشأن عدم تأثير العقوبات عليها نتيجة الحرب على أوكرانيا على العلاقة مع إيران. وفيما تستعد العديد من الدول لسيناريو إعادة الاتفاق النووي والانعكاسات التي من الممكن أن يتركها عليها، لاسيما دول الخليج وإسرائيل، تواجه تركيا السؤال نفسه.
في 10 نيسان (أبريل) الماضي، روّجت حسابات إيرانية مقطعاً مصوّراً لفيديو يوجّه فيه الحرس الثوري الإيراني تهديدات إلى تركيا باحتمال إستهدافها بصواريخ كتلك التي تمّ إطلاقها ضد أهداف في أربيل شمال العراق. إعادة تفعيل الاتفاق النووي الإيراني قد تعطي التعاملات التجارية بين تركيا وإيران زخماً، لكنّها ستشكّل تحدّياً كبيراً لأنقرة على المستوى الأمني وعلى مستوى التنافس الإقليمي.
سيكون من الصعب جداً أن تقوم أنقرة بتجاهل التداعيات المحتملة لعودة الإتفاق النووي، لكن سيكون من المهم متابعة ردّة فعلها وعمّا إذا كانت ستحضّر لمواجهة هذه التداعيات خلال المرحلة المقبلة، ولن يكون من الصعب حينها ملاحظة ذلك لاسيما عندما يتعلق الأمر بالتنافس الإقليمي مع طهران.
وفقاً لبعض المسؤولين الأمريكيين، فقد يحرّر الاتفاق النووي ما يزيد عن 130 مليار دولار. جزء كبير من هذه الأموال لن يذهب بالتأكيد إلى الشعب الإيراني وإنما إلى ميليشيات إيران المنتشرة في كل مكان كالفطريات في المنطقة بما في ذلك في لبنان وسوريا والعراق واليمن. مؤخراً، بدأت بعض الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق بتهديد تركيا بشكل مباشر، ولا يمكن استبعاد احتمال توظيف إيران لها مستقبلاً في التنافس الجاري مع تركيا في المنطقة.
المزيد من الأموال لإيران يعني المزيد من الدعم العسكري والمالي لهذه الميليشيات. في سوريا، قد تزداد قدرة طهران على توظيف المزيد من الميليشيات هناك بعد أن كانت قدرتها على تمويل ميليشياتها ونفوذها قد تراجعت إلى حد ما في عهد ترامب نتيجة للعقوبات القاسية التي تمّ فرضها عليها. وبما أنّ تركيا موجودة في سوريا والعراق، فإنّ ذلك يعني أنّ إحتمال حصول مواجهة مباشرة بين أنقرة وهذه الميليشيات سيرتفع مع إعادة تفعيل اتفاق النووي الإيراني.
فضلاً عن ذلك، فإن قدرة إيران على تطوير قدراتها المسلحة التقليدية وترسانتها من الصواريخ البالستيّة التي تعتبر الأكبر في المنطقة على الإطلاق ستزداد بشكل سريع خلال مدة قصيرة. سيشكّل هذا الأمر تحدّياً جديداً لتركيا التي تحاول الخروج من عثرتها الاقتصادية وتطوير قدراتها لناحية أنظمة الدفاع الصاروخية. وبالرغم من التطور السريع الذي وصلت إليه وإنتاجها لمنظومة حصار إلاّ أنّها لا تزال تفتقد لمنظومة دفاع أرض ـ جو إستراتيجية محلّية الصنع ك (اس ـ 400)، أو (ثاد ـ باتريوت). مشروع أنقرة المشترك مع إيطاليا وفرنسا يحتاج الى وقت، هذا إذا ما إفترضنا انّه سيستمر.
على المستوى النووي، سيعيد تفعيل الإتفاق الشرعية لبرنامج إيران النووي، وسيسرّع من نشاطاتها في هذا المجال. إذا حصل ذلك دون أن يتم تقييد قدرات إيران الصاروخية، فإنّ احتمال أن تشكّل طهران خطراً نووياً على تركيا سيزداد مستقبلاً، لاسيما مع تطويرها لقدراتها في مجال الصواريخ بعيدة المدى القادرة على حمل رؤوس نووية. صحيح أنّ تركيا تسعى إلى تحقيق تقدم في المجال النووي، لكن لا تزال تحتاج إلى الوقت، كما أنّ اعتمادها على روسيا يجعل تقدّمها مرتبطاً بشكل أساسي بعلاقتها مع موسكو على الأقل في المرحلة الحالية.
خلاصة الأمر، سيكون من الصعب جداً أن تقوم أنقرة بتجاهل التداعيات المحتملة لعودة اتفاق النووي، لكن سيكون من المهم متابعة ردّة فعلها وعمّا إذا كانت ستحضّر لمواجهة هذه التداعيات خلال المرحلة المقبلة، ولن يكون من الصعب حينها ملاحظة ذلك لاسيما عندما يتعلق الأمر بالتنافس الإقليمي مع طهران.