أثار قرر البنك المركزي المصري، برفع معدل الفائدة داخل البلاد، للمرة الثانية خلال شهرين، بنحو 200 نقطة أساس أو بنسبة 2 بالمئة، في محاولة للسيطرة على ارتفاع نسب التضخم الأخيرة بالبلاد، تساؤلات حول تبعات ذلك على الاقتصاد والمواطنين.
لجنة السياسة النقدية بالمركزي المصري في اجتماعها الدوري رفعت سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 200 نقطة أساس ليصل 11.25 بالمئة، و12.25 بالمئة، و11.75 بالمئة على الترتيب، مع رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس ليصل 11.75 بالمئة.
وفي 4 آيار/ مايو الجاري أعلن البنك المركزي الأمريكي، عن أكبر زيادة في أسعار الفائدة منذ أكثر من عقدين، لتتراوح بين 0.75 بالمئة و1 بالمئة بعد زيادة سابقة في آذار/ مارس الماضي.
"مخاطر اقتصادية"
ويواجه اقتصاد مصر تبعات سلبية نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت 24 شباط/ فبراير 2022، وسحب مستثمرين أجانب نحو 15 مليار دولار من أسواق أدوات الخزانة المصرية، وفق ما نقلته وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، عن بنك "جولدن مان ساكس"، 21 مارس/ آذار 2022.
وتعاني البلاد من اتساع عجز الحساب الجاري مع ارتفاع تكاليف الواردات وتضاؤل عائدات السياحة، وتفاقم حجم الديون الداخلية والخارجية وفوائدها وأقساطها، وتراجع معظم الأنشطة الاقتصادية، ومعاناة المصريين الشديدة مع التضخم والبطالة والفقر.
تلك الأوضاع دفعت الحكومة المصرية في 21 آذار/مارس 2022، لرفع سعر الفائدة بنسبة 1 بالمئة، وخفض قيمة عملتها المحلية بحوالي 14 بالمئة، والدخول في محادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض محتمل ما بين 8 و10 مليارات دولار.
وفي بيان المركزي المصري، الخميس، أكد أن المعدل السنوي للتضخم العام ارتفع إلى 13.1 بالمئة في نيسان/ أبريل الماضي، من حوالي 10.5 بالمئة في آذار/ مارس الماضي، ليسجل أعلى معدل له منذ آيار/ مايو 2019.
اقرأ أيضا: مصر ترفع أسعار الفائدة الرئيسية للمرة الثانية خلال شهرين
ولفت إلى أن المعدل السنوي للتضخم الأساسي استمر في الارتفاع ليسجل 11.9 بالمئة في نيسان/ أبريل الماضي من 10.1 بالمئة في آذار/ مارس الماضي، وهو أعلى معدل مسجل له منذ نيسان/ أبريل 2018.
وبين أنه في ضوء المخاطر المحيطة بالتضخم، فإن قرار لجنة السياسة النقدية رفع أسعار العائد الأساسية كان إجراء ضروريا للسيطرة على الضغوط التضخمية، كما يتسق مع تحقيق هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط.
"سليم نظريا"
وفي رؤيته للتأثيرات المحتملة والمتوقعة على اقتصاد مصر بعد رفع البنك المركزي سعر الفائدة، قال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب: "كما كان متوقعا قررت لجنة السياسة النقدية رفع أسعار الفائدة بـ 200 نقطة أساس لتصل 11.25 بالمئة للإيداع، و12.25 بالمئة للإقراض".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "طبقا للنظرية الاقتصادية فإن رفع سعر الفائدة يشجع على الادخار ويساعد على تقليل الاستهلاك"، مضيفا: "وكما هو معلوم فإن تقليل الاستهلاك سيؤدي إلى خفض الطلب، وبالتالي انخفاض الأسعار، ثم انخفاض التضخم".
وتابع: "من المفترض طبقا للنظرية الاقتصادية أن تساعد قرارات البنك المركزي على تخفيض الأسعار، خاصة للسلع الأساسية"، لكنه لفت إلى أن "عددا كبيرا من التجار يتوقعون أن يتبع رفع سعر الفائدة تخفيض قيمة الجنيه المصري وارتفاع قيمة الدولار؛ ولذلك يخزنون السلع خاصة الغذائية منها".
وفي تقديره لدور رفع سعر الفائدة في استعادة مصر للاستثمارات والأموال الساخنة، أعرب الخبير المصري، عن شديد أسفه من وجود "صعوبة كبيرة في أن ينافس الاقتصاد المصري الاقتصادات الأوروبية والأمريكية في إغراء الأموال الساخنة".
ولفت إلى أنها "أموال تبحث عن الفرص السريعة للربح؛ حيث تدخل السوق بسرعة وتخرج منها بسرعة"، مشيرا إلى أن توابع تلك الخطوة جيدة بالنسبة للمستثمرين المصريين، مؤكدا أن "هذا القرار على الأقل يشجع الاستثمارات المالية المصرية، بغض النظر عن الاستثمارات المالية العالمية".
اقرأ أيضا: خبراء يحذرون من برنامج السيسي الاقتصادي: "مصر بتضيع"
"فوائد وسلبيات"
ومن جانبه، قال المحلل الاقتصادي محمد نصر الحويطي، في حديثه لـ"عربي21"، إن "قرار رفع سعر الفائدة على الجنيه للمرة الثانية خلال شهرين نتيجة لقرارات الفيدرالي الأمريكي، لا أعتقد أنه سيجذب أموالا ساخنة جديدة للسوق المصرية".
وأوضح أن "سعر الفائدة على الدولار الأمريكي سيظل الأكثر إغراء للمستثمرين والأشد أمانا لرؤوس الأموال الأجنبية من كافة الفئات".
ولفت الحويطي، إلى جانب شديد الأهمية للشارع المصري، وهو سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، مؤكدا أنه "لم يتبع قرار لجنة السياسات برفع سعر الفائدة أية خفض لقيمة الجنيه حتى الآن"، مشيرا إلى أن "القرار من المفروض أن يعزز قوة الجنيه أمام الدولار".
وأشار إلى أن "رفع سعر الفائدة للمرة الثانية وبقيمة 2 بالمئة، هو بداية محاولة لتحجيم السيولة في السوق المحلية، ومواجهة التضخم وارتفاع الأسعار، خاصة مع قدوم فصل الصيف الذي يزيد به الإنفاق، ويزيد التضخم، المتفاقم بالفعل".
وتابع: "يساعد رفع الفائدة على محاربة ظاهرة (الدولرة) أو تحويل العملة المحلية للدولار، وذلك مع جذب استثمارات أجنبية في صورة قروض وأدوات الدين لتوفير العملة الصعبة منهما، ما يدعم الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية ويقلل من عجز الميزان التجاري".
وأشار إلى "ارتفاع تكلفة الاقتراض للقطاعين الخاص والعام، وزيادة أعباء فوائد خدمة الدين المحلي للدولة -يصل نحو 5 تريليونات جنيه- بحوالي 100 مليار جنيه".
ويرى أن رفع الفائدة بهذا القدر وللمرة الثانية في شهرين "يتسبب في مزيد من الركود"، متوقعا حدوث "ضعف شديد في حركة البيع والشراء في الأسواق، وربما تدخل بعض القطاعات والأنشطة في موجة ركود عنيفة".
وأكد أن رفع الفائدة سيترتب عليه بطبيعة الحال "ضعف حركة الاستثمارات المحلية والمشروعات، خاصة للقطاع الخاص والأفراد"، متوقعا في المقابل "توجه المصريين إلى وضع أموالهم في البنوك المحلية للحصول على نسب فائدة تصل لـ18 بالمئة".
"رد فعل المصريين"
نشطاء ومتابعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي رأوا أن قرار رفع سعر الفائدة 2 بالمئة مرة واحدة يعني رفع الأسعار، وخفض الاستهلاك، وتقليل القوة الشرائية لتخفيض معدل التضخم، مشيرين إلى أن توابعه على الإنتاج والاستثمار ستكون وخيمة، لأنه سيؤدى إلى ركود اقتصادي.
وقال الخبير الاقتصادي محمود وهبه، إن "رفع الفائدة في مصر 2 بالمئة لن يُرضي أحدا أو يحل مشاكل؛ لأن الفرق بين السعر الرقمي للفائدة والسعر الحقيقي 3.5 بالمئة".
وأكد أن "من يشتري شهادات استثمار سيخسر، ومن يُودع بالبنوك سيخسر، والخسارة 1.5 بالمئة من أصل المبلغ بنهاية العام"، لافتا إلى أن "المال الساخن يحدد سعر الفائدة في مزادات وهذا لن يسري علينا".
وانتقد "المجلس الثوري المصري" المعارض، رفع سعر فائدة الإيداع لـ 11.25 بالمئة من 9.25 بالمئة، موضحا أنه "وبما أن الأرقام الرسمية تؤكد أن التضخم وصل لـ14.5 بالمئة، فهذا يعني أن مدخرات المصريين مستمرة في التآكل حتى بعد رفع سعر الفائدة بالمرة الأولى".
مصر ترفع أسعار الفائدة الرئيسية للمرة الثانية خلال شهرين
لماذا هوى الجنيه المصري أكثر من التوقعات؟
بنك فرنسي يتوقع قرارات مؤلمة بمصر خلال أيام.. هذه أبرزها