اعتذر عمداء وعميدات كلّيّات الحقوق والعلوم القانونية والسياسية بتونس، مساء الثلاثاء، عن دعوة الرئيس قيس سعيّد إلى المشاركة في اللجنة الاستشارية القانونية لـ"هيئة الجمهورية الجديدة" ولجنة الحوار الوطني، تمسكا بحياد المؤسسات الجامعية.
وقال العمداء في بلاغ إنهم "ومع تقديرهم لثقة رئاسة الجمهورية في الإطارات العليا للدولة، فإنهم يعبرون عن تمسكهم بحياد المؤسسات الجامعية، وضرورة النأي بها عن الشأن السياسي"، وذلك طبقا لأحكام الفصل 15 من دستور 27 كانون الثاني/ يناير 2014، وبالقيم والحريات الأكاديمية المعمول بها والمتفق عليها، حتى "لا ينجروا إلى اتخاذ مواقف من برامج سياسية لا تتصل بمسؤوليّاتهم الأكاديميّة والعلميّة والبحثيّة والتأطيرية".
وذكر العمداء أنه، ولئن يحق للجامعيين، شأنهم شأن سائر المواطنين، أن تكون لهم آراء سياسية، وأن يعبروا عنها بكل حرية، فإن "ممارسة هذا الحق تكون باسمهم الخاص، لا باسم المؤسسة الجامعية، خاصة عندما يشغلون منصب مسؤولية بالجامعة التونسية، التزاما بواجب التّحفظ".
جدير بالذكر أن "عربي21" تواصلت مع عدد من عمداء كليات الحقوق بتونس، لكنهم أكدوا أنهم لا ينوون الإدلاء بتصريحات إعلامية خلال هذه الفترة.
وصدر في الجريدة الرسمية مرسوم رئاسي لإحداث هيئة وطنية مستقلّة تُسمّى "الهيئة الوطنيّة الاستشاريّة من أجل جمهوريّة جديدة" تتولّى "تقديم اقتراح يتعلّق بإعداد مشروع دستور لجمهوريّة جديدة، ويُقدّم هذا المشروع إلى رئيس الجمهورية".
وتتفرّع من هذه الهيئة لجان ثلاث، هي "اللجنة الاستشاريّة للشؤون الاقتصاديّة والاجتماعية" و"اللجنة الاستشاريّة القانونية" و"لجنة الحوار الوطني"، بحسب بيان لرئاسة الجمهورية.
وحدد الباب الرابع من الأمر الرئاسي مهام اللجنة الاستشارية القانونية ومكوناتها، وهم عمداء كليات الحقوق والعلوم القانونية والسياسية بتونس، على أن يتولى رئاسة اللجنة أكبر الأعضاء سنا.
وستتولى هذه اللجنة الاستشارية القانونية إعداد مشروع دستور جديد قال المرسوم إنه "يستجيب لتطلعات الشعب، ويضمن مبادئ العدل والحرية، في ظل نظام ديمقراطي حقيقي، وفق ما جاء في الفصول 14 و 15 و 16 و 17" .
ويتطرق الباب الأخير من المرسوم إلى لجنة الحوار الوطني والمكونة من أعضاء اللجنتين الاستشاريتين، على أن تتولى لجنة الحوار، وفق الفصل 20 التأليف بين المقترحات التي تتقدم بها كل لجنة، بهدف تأسيس جمهورية جديدة تجسيما للتطلعات الشعبية المشروعة، وحسب الفصل 22، يقدم إلى رئيس الدولة التقرير النهائي للجنة الحوار الوطني في أجل أقصاه يوم 20 حزيران/ يونيو المقبل.
وبحسب خارطة الطريق التي كشف عنها الرئيس التونسي نهاية العام الماضي، فإن من المنتظر أن تكتب اللجنة المكلفة مشروع دستور جديد بناء على المقترحات المجمعة من الاستشارة الإلكترونية، التي لم يشارك فيها سوى 7 بالمئة من المعنيين بالحق الانتخابي، قبل أن يقع عرض المشروع على استفتاء شعبي في 25 تموز/ يوليو المقبل.
وبعد ذلك، سيدعو سعيّد التونسيين للمشاركة في انتخابات تشريعية، دون رئاسية، سابقة لأوانها بناء على النظامين السياسي والانتخابي الجديدين، في ذكرى اندلاع الثورة التونسية الموافقة لـ17 كانون الأول/ ديسمبر 2022.
وعن موقفه من قرار العمداء حول قرارهم بعدم المشاركة في اللجنة الاستشارية القانونية للجمهورية الجديدة، قال الباحث في القانون الدستوري أسامة بوخريص: لست مخولا للحديث باسمهم، ولكن بقراءة البيان المشترك الصادر بتاريخ 25 أيار/ مايو 2022 يمكن أن نستنتج أن سبب رفض المشاركة في اللجنة ليس سياسي في تموقع ضد الخيار السياسي للرئيس سعيّد".
وأوضح خلال حديثه لـ"عربي21": أنه "رفض مبني على أساس دستوري، وهو عدم تسييس الجامعة بما يشكله من خطر على الحريات الأكاديمية، التي هي أحد مكتسبات الجامعة التونسية التي ضمنها دستور 2014. وهذا إقرار ضمني منهم بكون أعمال اللجنة القانونية سياسية بإمتياز".
وتابع: "دعوة العمداء كانت بصفتهم المهنية و الأكاديمية وليست بصفاتهم الشخصية، الأمر الذي يمكن أن ينعكس على حياد الجامعة تجاه التجاذب السياسي الحاد الذي تعيشه تونس".
وعن مصير اللجنة بعد رفض أعضائها المشاركة فيها، قال الباحث بوخريص إن فالاجابة عن ذلك تحمل إجابتين، الأولى قانونية مستندة على المرسوم عدد 30، والثانية سياسة مستندة على الواقع السياسي الذي تعيشه تونس.
وأوضح أنه "قانونيا، وبقراءة الباب الرابع من المرسوم ندرك أن اللجنة تتركب من عنصرين، عنصر قار متمثل في العمداء - وهنا هناك جدل حول غموض عبارة عمداء ان تستوعب العمداء المباشرين فقط أم انها تشمل ايضا العمداء السابقين - وعنصر غير قار، هو من عبر عليهم الفصل 12 من المرسوم لمن تراه اللجنة القانونية مناسبا للمشاركة في أعمالها.
وتابع: "بالنسبة للعنصر غير القار، فوجوده مرتبط قانونيا باللجنة التي تتدعوه للمشاركة بعد استشارة الرئيس المنسق الذي يشرف على هيئة الجمهورية الجديدة، وهنا وبالعودة للفصل ،12 ندرك أن دعوة من تراهم اللجنة القانونية مناسبين تكون بمبادرة من اللجنة التي أعضاءها العمداء، ودور الرئيس المنسق هو الموافقة أو الرفض، ولا يمكن أن يتجاوز هذا الدور ليحل محل اللجنة القانونية في دعوة من يراه مناسبا للمشاركة في اللجنة القانونية".
وقال الباحث في القانون الدستوري إنه " من هنا يأتي الحديث عن امكانية تعويض العمداء الذين رفضوا المشاركة في اللجنة القانونية بصفتهم أعضاء قاريين فيها، بكون هذه الفرضية قانونيا غير ممكنة، فلا يمكن للعنصر غير القار تعويض العنصر القار".
واستدرك: " لكن سياسيا وواقعيا تظهر التجربة أن رئيس الجمهورية ماضي قدما في مسار استكمال مشروعه السياسي والهيئة الجمهورية الجديدة جزء منه، لذلك يمكن أن يلجأ إلى التعسف في تأويل نص المرسوم عبر ثغرتين".
اقرأ أيضا: أغضب التونسيين ومعاد للديمقراطية.. من هو رئيس "لجنة الدستور"؟
وأردف: "الثغرة الأولى تتمثل في عدم وضوح لفظ كلمة عمداء، وهو ما يمكنه من دعوة عمداء سابقين لكليات الحقوق، ومن ناحية ثانية أن يستند على حالة الضرورة، و يمكنه الإستعانة فقط بغير العمداء، رغم أن هؤلاء كما أسلفنا الذكر، فإن وجودهم مرتبط بوجود العمداء على رأس اللجنة القانونية".
وختم بالقول إنه "تبقى لرئيس الجمهورية إمكانية تعديل نص المرسوم ليشمل التغييرات الحاصلة في هيئة الجمهورية الجديدة، وليس فقط في اللجنة الاستشارية القانونية بعد رفض العمداء المشاركة فيها، إنما في اللجنة الاستشارية الاقتصادية و الاجتماعية التي رفض الاتحاد العام التونسي للشغل المشاركة فيها".
اتحاد الشغل بتونس: لن نشارك في الحوار الذي دعا إليه سعيّد
مظاهرات ضد سعيّد جنوبي تونس رفضا "للجمهورية الجديدة"
مصدر لعربي21: وزير داخلية تونس يتجسس على زميله بالحكومة