انطلقت أمس عدد من المظاهرات في واشنطن ومدن أمريكية كبرى عدة للمطالبة بوضع حد للعنف المسلّح الذي تشهده البلاد.
واشترك في هذه التظاهرات الآلاف من المتظاهرين الذين يطالبون باتخاذ إجراء تشريعي للحد من العنف المسلح. وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، السبت، دعمه للتظاهرات، قائلا عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "أنضم إليهم لأجدد دعوتي للكونغرس: افعلوا شيئا".
وجاءت هذه المظاهرات بعد أن وقعت عمليتا إطلاق نار مروعتان الشهر الماضي؛ الأولى في مدرسة ابتدائية في تكساس، أسفرت عن مقتل 19 طفلا ومعلمتين، والثانية في متجر سوبرماركت في نيويورك، أوقعت عشرة قتلى كلهم من السود.
وأعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن، بعد حادثة إطلاق النار في تكساس عن حزنه على "الخسائر الفادحة في الأرواح"، ودعا في تصريحات حول الحادث للوقوف أمام لوبي الأسلحة".
وقال بايدن: "متى سنقف في وجه لوبي السلاح؟"، معربًا عن حزنه على العائلات التي فقدت أحباءها والأطفال الذين "شهدوا رعبًا لا يوصف"، ودعا بايدن الأمريكيين إلى "تحويل هذا الألم إلى عمل سياسي".
لوائح ضعيفة
وعلى الرغم من رفض الكثير من مواطني الولايات المتحدة الأمريكية للعنف المسلح بسبب الأسلحة الفردية، وعلى رأسهم الرئيس نفسه، إلا أنهم لم يتمكنوا من فرض رغبتهم على الكونغرس الأمريكي لسن تشريعات ووضع لوائح تقيد حمل السلاح.
وأكد، ديفيد بيتمان، مدير الدراسات الجامعية في مدرسة بروكس للسياسة العامة في جامعة كورنيل الأمريكية أن "هناك عددا من اللوائح التي كان من الممكن أن تحسن بشكل طفيف من سلامة السلاح (دراسة وممارسة استخدام الأسلحة النارية والذخيرة ونقلها وتخزينها والتخلص منها) في الولايات المتحدة".
وأوضح بيتمان خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "هذه القيود تشمل مثلا قانون "العلم الأحمر"، الذي يحظر بيع الأسلحة على أشخاص معينين إذا أشارت جهات إنفاذ القانون أو الوكالات الصحية إلى أنهم يمثلون تهديدًا محتملًا لأنفسهم أو للآخرين".
وتابع: "كذلك تشمل فترات الانتظار لشراء الأسلحة؛ القيود أو اللوائح المتزايدة بشأن بيع الأسلحة للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 21 عامًا، وبالطبع القيود المفروضة على أنواع الأسلحة والذخيرة المتوفرة حاليًا للبيع في الولايات المتحدة".
وأضاف: "بكل بساطة لا توجد ضرورة عامة لامتلاك بندقية AR-15 أو أسلحة هجومية، نعم يحتاج المزارعون أو الأشخاص في المناطق الزراعية أحيانًا إلى التخلص من الحيوانات الكبيرة باستخدام السلاح، لكن يمكن للأسلحة الخفيفة من مسدسات فردية أو بنادق الصيد الخفيفة إنجاز المهمة".
ورأى بيتمان أن "السبب الوحيد لمخازن الطلقات الكبيرة في البندقية هو تعظيم قدرة مطلق النار على قتل المزيد من الناس! - ببساطة لا يوجد سبب منطقي مقنع لأن تكون مخازن الطلقات في البندقية ذات السعة الكبيرة قانونية".
وحول ما إذا كانت هذه اللوائح تكفي وهل هناك حاجة لوضع لوائح أقصى، قال بيتمان: "لن تحقق أي من هذه اللوائح كل هذا القدر، فالمشكلة الرئيسية في الولايات المتحدة هي أن القدرة على الحصول على سلاح سهلة للغاية، والسبب في سهولة ذلك هو وجود عدد هائل من الأسلحة المتداولة، لقد تحققت عن عدد قطع السلاح في الولايات المتحدة، ووجدت أن عددها يفوق عدد الناس".
وأكد أنه "يتعين على اللوائح الأكثر فاعلية أن تقلل بشكل جذري من عدد الأسلحة، ولكن هنا حيث تصبح قدرة وسلطة الحكومات الفيدرالية أو حكومات الولايات وعدم رغبة العديد من الحكومات المحلية بفعل ذلك، مشكلة".
وأضاف: "لكن إحدى اللوائح التي من المحتمل أن يكون لها تأثير حقيقي وتقبلها المحكمة العليا على أنها دستورية، هي مسؤولية الشركة المصنعة عن أي ضرر يتسبب فيه هذا السلاح.. سيؤدي هذا على الأرجح إلى مطالبة الشركات المصنعة من مشتري الأسلحة شراء التأمين أيضا، والذي سيكون مكلفًا للغاية للجميع باستثناء أولئك الذين لديهم حاجة زراعية لامتلاك السلاح".
وعن سبب صعوبة وضع لوائح أقصى قال إن "هناك سببين لذلك، أولا هو تطرف المحكمة العليا، التي حولت في العقود القليلة الماضية حق التعديل الثاني –الذي يحمي حق المواطنين في الاحتفاظ بالأسلحة وحملها- والذي من الواضح أنه حق جماعي قائم على مستوى عالٍ من اللوائح، حولته إلى حق فردي، ما يؤدي إلى تقليل اللوائح التي تقيد حمل السلاح".
ولفت إلى أن "نص الدستور نفسه لا يوفر أي أساس لذلك، لكن المحكمة العليا هيمنت عليها حركة محافظة يمينية متطرفة جعلت من التعريف الراديكالي لملكية السلاح ركيزة أساسية لأحكامها العامة".
وأما السبب الثاني وفقا لبيتمان، فهو أن "هناك أقلية صغيرة ولكنها مكثفة للغاية من الأمريكيين الذين أرادوا تحديد هويتهم من خلال امتلاك السلاح، من منطلق الاعتقاد الخاطئ بأن هذا يمنحهم سلطة على الآخرين والقدرة على الدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم ضد الجرائم المتخيلة - معدل الجريمة في الولايات المتحدة منخفض نسبيًا وتاريخيًا".
وأشار إلى أن "الرابطة الوطنية للبنادق عززت لسنوات هذه المخاوف من الجريمة والاعتقاد بأنه من خلال امتلاك السلاح فقط يمكن أن تكون مسيطرا ومتغلبا على الآخرين، لكن الاتحاد القومي للأسلحة مفلس إلى حد كبير في الوقت الحالي - القوة الحقيقية ليست المنظمة ولكن الدور المركزي الذي التزم به المحافظون بالهيمنة الاجتماعية من خلال ممارسة ملكية السلاح داخل الحزب الجمهوري".
اقرأ أيضا: احتجاجات بأمريكا ضد العنف المسلح.. وبايدن يعلق (شاهد)
حق دستوري
بالمقابل، قال ديفيد روزنبلوم، الأستاذ في جامعة بوسطن والمتخصص في قانون الصحة والسياسات والإدارة، إن "الأسلحة الهجومية ومخازن الطلقات ذات السعة الكبيرة التي يريد الرئيس بايدن حظرها ليست أسلحة شخصية".
وأوضح روزنبلوم خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "هناك قوانين ولوائح من شأنها أن تجعل حيازة المسدسات اليدوية وبنادق الصيد الرياضية المشروعة أكثر أمانًا ومسؤولية". وأشار إلى أن هذه القوانين واللوائح تشمل، عمليات التحقق الشاملة والفعالة عن الخلفية لجميع عمليات الشراء أو تبادل الأسلحة والبنادق، لمنع الأشخاص الذين لا ينبغي أن يكون لديهم أسلحة - على سبيل المثال المجرمين المدانين، والأشخاص الذين صدرت لهم أوامر تقييدية بسبب العنف المحتمل، والأشخاص الذين يعانون من مرض عقلي أو خطر الانتحار".
وأضاف: "ولكن يمكن أن تكون هناك متطلبات بأن أي شخص يمتلك سلاحًا مرخصا، يمكن أن يتم تدريبه وأن يبقى مخزن طلقات السلاح فارغا ومغلقا، كذلك يمكن أن تكون هناك قوانين تنشئ عملية مناسبة لنزع الأسلحة من أي شخص يتبين أنه مريض عقليًا مع خطر إيذاء نفسه أو الآخرين، كما أنه يجري النظر في قانون يرفع السن الذي يمكن فيه لأي شخص شراء سلاح".
وحول أسباب صعوبة وضع قوانين قاسية قال روزنبلوم: "ينص التعديل الثاني للدستور على حق الولايات في تشكيل مليشيات وحق المواطنين في حمل السلاح، النص بأكمله عبارة عن مليشيا منظمة جيدًا، ولأنها ضرورية لأمن ولاية حرة، فلا يجوز انتهاك حق الناس في الاحتفاظ بالأسلحة وحملها".
واستدرك بالقول: "لكن تم استخدام هذا التعديل من قبل صناعة السلاح والحركات السياسية المحافظة والجماعات المناهضة للحكومة على مر السنين للقول إن للأفراد الحق في امتلاك الأسلحة، وبالنسبة لمعظم تاريخ البلاد، تم تفسير التعديل الدستوري بطريقة أعطت الحكومة سلطة واسعة لتنظيم الملكية الفردية وسلامة السلاح".
وأشار إلى أن "المحكمة العليا الحالية قضت بأن للأفراد حقًا دستوريًا في امتلاك أسلحة في منازلهم، وهناك قضايا معلقة قد تؤدي إلى توسيع نطاق الحق في امتلاك سلاح وقد تحد من السلطة الحالية للولايات والحكومة الفيدرالية لتمرير القوانين واللوائح المتعلقة بسلامة السلاح".
ونبه إلى أنه "لطالما استخدمت صناعة السلاح والسياسيون المحافظون والجماعات المناهضة للحكومة هذا التعديل لتبرير دعواتهم للحد من أي تنظيم للسلاح".
وأكد أن "تصنيع الأسلحة والأعمال التجارية ذات الصلة تعتبر قوة سياسية قوية جدًا في هذا البلد، حيث إن هناك أيضًا تاريخا طويلا من ملكية السلاح الفردي، ولطالما كان هناك على الأقل نسبة صغيرة من السكان تعتقد أن ملكية السلاح هي الحماية النهائية ضد حكومة استبدادية، بالطبع يختلف حجم وقوة هذه المجموعة بمرور الوقت، لكن أظن أنه أكبر الآن مما كان عليه في العقود الأخيرة، خاصة في بعض الولايات".
وأوضح أن "هيكل مجلس الشيوخ وقواعد التشغيل الداخلية الخاصة به تجعل من الصعب للغاية تمرير مقترحات مثيرة للجدل، حيث ينص الدستور على أن مجلس الشيوخ يتكون من ممثلين عن كل ولاية".
وأضاف: "مثلا ولاية ساوث داكوتا، التي يبلغ عدد سكانها أقل من مليون شخص، لها تمثيل في مجلس الشيوخ يساوي تمثيل ولاية كاليفورنيا والتي يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 40 مليون شخص".
وتابع: "يمكن انتخاب أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ فعليًا بأقل من ثلث إجمالي سكان الولايات المتحدة، وستحتاج المجالس التشريعية في 75 في المائة من الولايات إلى الموافقة على تغيير الدستور، وهذا أمر صعب للغاية، خاصة عندما يكون التغيير قد يقلل من القوة والسلطة السياسية للولاية".
ولفت إلى أن "القواعد الداخلية لمجلس الشيوخ تسمح لأعضائه بالتحدث دون أي حدود زمنية - "المماطلة"، كذلك يجب أن يصوت 60 من أعضاء مجلس الشيوخ لإنهاء المناقشة وفرض التصويت على الاقتراح، بالتالي فإن التأثير العملي لهذه القاعدة هو أن الأمر يتطلب 60 صوتًا لتمرير أي شيء مثير للجدل في مجلس الشيوخ".
وبين أن "هذه قاعدة داخلية، بمعنى أنه يمكن لأغلبية بسيطة من أعضاء مجلس الشيوخ تغييره في أي وقت لتمكين أغلبية بسيطة من تمرير التشريعات، وكانت القاعدة سارية المفعول منذ حوالي 100 عام، وكان القادة في كلا الحزبين مترددين في إنهائها لأنها تمنحهم قوة كبيرة عندما يكونون أقلية بعد الانتخابات".
اقرأ أيضا: أطفال مذبحة تكساس اتصلوا بالطوارئ 6 مرات دون جدوى
المجتمع المدني
ولكن في ظل تزايد عدد المطالبين بتقييد حمل السلاح، ووجود رغبة سياسية لبعض المسؤولين ومنهم الرئيس بايدن، وعدم قدرة مجلس الشيوخ على فرض تعديلات على قانون حمل السلاح، يبقى السؤال: ما هو دور منظمات المجتمع المدني؟
وقال ديفيد بيتمان إنه "إذا فشل الكونغرس في تمرير هذه اللوائح - وهي متواضعة للغاية ومن غير المرجح أن تفعل الكثير - فلن يكون هناك الكثير مما يمكن للمجتمع المدني القيام به، بخلاف محاولة مواجهة تعظيم وتبجيل ملكية السلاح وثقافة الاستبداد والهيمنة الاجتماعية البارزة هنا، سيكون ذلك صعبًا جدًا".
من جهته قال ديفيد روزنبلوم، إن "بعض الولايات أقرت بشكل فردي قوانين أسلحة أقوى من الحكومة الفيدرالية، كما هو مذكور أعلاه، وقد يتم محو بعض هذه اللوائح من خلال قضايا معلقة أمام المحكمة العليا".
وأضاف: "ومع ذلك، فإن بعض الولايات بما في ذلك ماساتشوستس وكاليفورنيا ونيويورك لديها لوائح صارمة بشأن الأسلحة، حيث تم حظر الأسلحة الهجومية ومخازن الطلقات ذات السعة الكبيرة في هذه الولايات، كذلك فإن الترخيص مطلوب، حيث يمكن أخذ البنادق - من خلال إجراءات قضائية - من الأفراد الذين يتبين أنهم يشكلون خطرًا على أنفسهم أو على الآخرين".
وخلص إلى القول: "من المهم أن نلاحظ أن الولايات التي لديها أقوى قوانين الأسلحة لديها معدلات وفيات أقل بكثير من عنف السلاح مقارنة بالولايات ذات القوانين الضعيفة، لكن سيظل الخيار متاحًا لكل ولاية لتمرير وإنفاذ لوائح سلامة الأسلحة فيها بشكل منفرد حتى إذا فشل الكونغرس في التصرف".
لجنة التحقيق: اقتحام الكابيتول شكل الذروة لمحاولة انقلابية
"حفار القبور" يكشف للكونغرس عن فظائع النظام السوري (فيديو)
كيف يكسب "لوبي السلاح" معركة تسليح المجتمع بأمريكا؟