مقابلات

مفكر: تونس ستقود الموجة الثانية للربيع العربي قريبا (فيديو)

أبو يعرب المرزوقي: قيس سعيد ليس أهلا لإدارة تونس- جيتي

قال المفكر التونسي، أبو يعرب المرزوقي، إن "تونس ستتعافى قريبا، وستستأنف الفعل الثوري في موجته الثانية، وستواصل الانتقال الديمقراطي، وستكون مرة أخرى قائدة للربيع العربي في كل أقطار الوطن العربي"، مؤكدا أن "انقلاب قيس سعيد فشل فشلا ذريعا، ولم ولن يستطيع فرض إرادته".

وشدّد، في مقابلة خاصة مع "ضيف عربي21"، على أن "قيس سعيد ليس أهلا لإدارة تونس، وليس أهلا حتى لإدارة نفسه، ولذا حذّرت منه كثيرا في السابق"، مضيفا: "البعض يرى ضرورة محاكمته بتهمة (الخيانة العظمى)، لكني أرى أنه ينبغي أن يُعالج بدلا من أن يُحاكم؛ لأنه ليس على المريض حرج".

وأوضح المرزوقي أنه لم يتأثر مطلقا بقيام الأجهزة الأمنية باستدعائه للتحقيق معه قبل أيام، قائلا: "كنت أنتظر ذلك، وأعتبره أمرا طبيعيا؛ فالانقلاب ينبغي أن يدافع عن نفسه بأي طريقة لإسكات الأصوات التي ترفضه"، مُعبّرا عن بالغ سعادته بردود الفعل "ليس المحلية فقط والعربية، بل وكذلك الدولية" التي تضامنت معه.

وفي 29 أيار/ مايو الماضي، أعلنت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، أن فرقة أمنية (لم تسمها) دعت المفكر المرزوقي (75 عاما) إلى المثول أمامها على خلفية مقالات مناهضة لـ "الانقلاب"، واصفة ما حدث بأنه "خطوة عبثية جديدة".

والمرزوقي أكاديمي متخصص في الفلسفة العربية واليونانية والألمانية حائز على إجازة في الفلسفة من جامعة السوربون ودكتوراه دولة في الفلسفة العربية واليونانية، وانتُخب عضوا بالمجلس الوطني التأسيسي (برلمان مؤقت- تشرين الأول/ أكتوبر 2011)، وشغل منصب وزير مستشار بحكومة حمادي الجبالي (2011-2013)، وهو من أشد معارضي انتخاب قيس سعيد رئيسا لتونس عام 2019.

وفي ما يلي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

كيف تابعت ردود الفعل التي أعقبت التحقيق معكم؟

كنت سعيدا جدا لأن ردود الفعل لم تكن محلية فقط، بل كانت عربية، وإقليمية، ودولية، وهذا يُبشّر بالخير، ومعنى ذلك أن المثقفين في البلاد العربية، وخارجها يتابعون ما يحدث في تونس عن كثب، ويولونه الأهمية التي يستحقها؛ لأن تونس - حسب رأيي - ستكون قائدة الموجة الثانية في الربيع العربي إن شاء الله.

إلى أي مدى تأثرت بهذا التحقيق؟

لم أتأثر كثيرا؛ لأني كنت أنتظره، وأعتبر ذلك أمرا طبيعيا؛ فالانقلاب ينبغي أن يدافع عن نفسه بأي طريقة لإسكات الأصوات التي ترفضه، وبالتالي فالأمر لم يكن غريبا بالنسبة إليّ؛ لأننا في البلاد العربية شاهدنا كثيرا من الانقلابات، ونعلم ما هي النتائج التي تترتب عليها.

هل يمكن أن تتراجع عن بعض مواقفك أو كتاباتك؟

مستحيل؛ لأني كنت متأكدا - منذ البداية - من أن الرجل (قيس سعيد) كان ينوي القيام بالانقلاب، ويُعدّ له، فقد أعدّ له على مدار سنتين ونصف، ثم لما تصور أن "الأكلة قد جهزت" أعلن عن الانقلاب، ولكن لسوء حظه الشعب التونسي لم يغتر به، ومنذ 10 أشهر وهو يحاول أن يفرض خطته ولم ينجح، والحمد لله؛ لأنه ما كان ليتعطل بهذه الطريقة لو كان الجيش أو الأمن أو الأغلبية معه كما يحدث في البلاد العربية، بينما لم يكن معه أيّ من هذه العوامل، لا الأغلبية الشعبية، ولا الأمن، ولا الجيش. بالطبع هناك بعض الناس معه، ولكن لم يكن لهم التأثير الكافي لكي يحقق خطته.

 

 

اقرأ أيضا: اتحاد الشغل بتونس ينفذ إضرابا عاما للضغط على سعيّد (شاهد)

هل انتهى التحقيق معكم أم لا؟

لا أستطيع أن أتأكد من ذلك؛ بسبب الإضراب الممتد لرجال القانون؛ فالقضاء مُضرب عن العمل، وكان يمكن أن يمر البحث والتحقيق المبدئي إلى قاضي التحقيق، ثم يدعوني قاضي التحقيق، لكن بما أن قضاة التحقيق أغلبهم عُزلوا فإنني لم أدع لإتمام التحقيق، لذا فقد تأتي الدعوة للتحقيق بعد عودة القضاء للعمل، لكني لن أُغيّر ما قلته، وهو بسيط جدا: مَن الذي ادعى عليّ هذه الدعوة الكاذبة؛ فأنا لم أتهجم على الرئيس، وإنما في تحليلي للأوضاع في الإقليم هو أحد الذين لهم دور في إفساد الربيع العربي، وفي إيقاف الانتقال الديمقراطي، ومن ثم فهو ليس معنيا كشخص، وإنما هو معني كجزء من ظاهرة عامة في الإقليم كله.

هل بات القضاء التونسي مجرد أداة في يد الرئيس قيس سعيد؟

لا أعتقد ذلك؛ لأن تونس لا يمكن أن تُختزل في سلوك فرد، رغم أنه يريد ذلك، وقد وصفته من قبل بأنه "قذافي مُفلس"؛ لأن تونس ليس لها ثروة ليبيا، ومن ثم لا يستطيع أن يقوم بعنتريات القذافي، ولا أحد يمكن أن يوليه أهمية؛ لأنهم لا يحتاجون لشيء من تونس عدا الموقع الجغرافي، والموقع الجغرافي يمكن الحصول عليه بكثير من الطرق. إذن ليس لديه بترول، أو غاز، ولا تحتاج إليه أوروبا، فقط هو حارس لحدودها ضد الهجرة غير الشرعية.

هل يعمل قيس سعيد على استرداد النظام السابق الذي أطاحت به الثورة؟

لا أعتقد أنه يفكر في استعادة النظام السابق. هو يريد أن يحكم بمزيج من حكم القذافي، ونظام الحكم الخميني الإيراني؛ فيأخذ من النظام الإيراني "سلطة المرشد الأعلى"، ومن القذافي سلطة القاعدة الشعبية التي ليس لها مؤسسات بين الدولة والمواطن، لكنه لن ينجح في ذلك مطلقا؛ فقد يفسد على تونس الانتقال الديمقراطي السلس، وقد يؤدي إلى اضطرابات، ولكن لا أعتقد أن يُكتب له النجاح بأي صورة من الصور؛ فتونس - بخلاف الكثير من البلاد العربية - لها تجربة في حكم القانون – بالطبع مع بعض الانحرافات وهذا طبيعي - لكن في الغالب ليس للجيش أو للأمن دور سياسي كما يوجد في مصر، أو في الجزائر، أو في كل البلاد العربية، بما فيها بلاد الخليج.

والجيش في تونس منذ عهد بورقيبة كان بعيدا عن السياسة، وكان أداة من أدوات الشرعية السياسية، وليس له تدخل سياسي أو اقتصادي أو ثقافي.. أذكر أني زرت سوريا ذات مرة، وكان رئيس مركز المثقفين والكُتّاب العرب جنرالا عسكريا، والاقتصاد في مصر نصفه تقريبا في يد الجيش، لكن هذا لا وجود له عندنا، ولا أعتقد أن الشعب سيقبل بأن تأتينا هذه التقاليد التي تفسد وظائف الدولة.

لكن المفكر والسياسي التونسي، صافي سعيد، يرى أن قيس سعيد يستند إلى قوتين فقط هما الأمن والجيش.. هل تتفق معه في ذلك؟

لا أوافقه؛ لأنه لو كان يستند إلى الأمن والجيش لحقّق انقلابه كاملا ليلة الإعلان عنه؛ فكل الانقلابات التي يؤيدها الجيش والأمن تنجح مباشرة منذ اليوم الأول؛ لأن قوات الجيش تأخذ القيادات السياسية كلها والنقابية والمدنية وتزجّ بهم في السجون، وهذا لم يحدث، ولن يحدث بإذن الله؛ لأن جيشنا لن يسمح بذلك مطلقا، وإن وجد بعض الأعضاء من الجيش أو من الأمن فليست لهم الأغلبية، ولا يستطيعون أن يفرضوا على البلاد هذا السلوك الهمجي الذي رأينا مثله في كل البلاد العربية، وبالتالي فإن الانقلاب فشل فشلا ذريعا، ولم يستطع، ولن يستطيع، أن يفرض إرادته.

 

اقرأ أيضا: مظاهرات بتونس ضد سعيّد.. ودعوة للكشف عن وضعه الصحي

وما سر قوة قيس سعيد وسبب استمراره في السلطة حتى الآن؟

أعتقد أن سر القوة في الفوضى التي عمّت النخبة السياسية، أتدري أن في تونس أكثر من 122 حزبا، مما يعني تفتت القوى السياسية، والمدنية، بالإضافة للفساد الغالب على الإعلام؛ فالإعلام لم يتغير، وما زال هو "إعلام عبد الوهاب عبد الله" القديم، أيضا حالة اللامبالاة التي تعيشها النخبة الثقافية والجامعية التي تقتات من تعاملها مع أي نظام.. كل ذلك يفسر أسباب تعطل إسقاط الانقلاب.

ولكن الآن أغلبية الشعب انتبهت إلى أن الخطر الداهم يتمثل في النظام الذي يريده قيس سعيد؛ لأنه سيؤدي إلى ما حدث في ليبيا ولكن دون ثروة ليبيا، وستكون الأوضاع أشبه بما حدث في لبنان منه في ليبيا، حيث سيطرة لميليشيات تحت اسم "الحشد الشعبي"، مع الإفلاس المطلق، وهو ما يؤدي إلى نوع من "التفقير العام" لغالبية الشعب، ويجمع كل الثروات للميليشيات التي يحكم بها، كما حدث في العراق، وسوريا، ويريدون ذلك أيضا في اليمن.

التقيت سابقا بقيس سعيد أكثر من مرة وجها لوجه قبل أن يصبح رئيسا للبلاد.. فلو قابلته اليوم، ماذا ستقول له؟

أولا ما كنت أحذّر منه حتى قبل أن تنطلق المرحلة الأولى من الانتخابات هو ترشحه؛ فقد حذّرت الشعب التونسي منه؛ لأني أعرفه، وتحدثت معه عن قرب في السابق، ووجدت أنه ليس أهلا لإدارة تونس، وليس أهلا حتى لإدارة نفسه، ولذا حذرت منه. ولو التقيت به الآن سأقول له جملة واحدة: إذا كنت حقا واعيا بحالك فاذهب إلى الطبيب وعالج نفسك؛ فأنت مريض حقا تحتاج إلى العلاج.

والبعض يرى ضرورة محاكمته بتهمة "الخيانة العظمى"، ولكن نظرا إلى أنه ليس في حالة طبيعية نفسيا، فإن علاجه أولى من معاقبته.

لكن البعض يرى أن ما يتردد من معلومات من وقت لآخر بخصوص صحة الرئيس النفسية والبدنية غير دقيق، فمن أين للمعارضين أن يقولوا إن قيس سعيد شخص مريض وغير سوي؟

أما كونه غير سوي فهذا ما حكمت به عليه منذ أن لقيته ثلاث أو أربع مرات، وذلك لأن شهادتي الأولى كانت في علم النفس المرضي، وفي البيولوجيا، لذا أنا أفهم جيدا في هذه الأمور، ولا أدعي الاختصاص، وأعتقد أن هذه المعلومات والأسرار قد خرجت من أقرب الناس إليه أي من داخل ديوانه عبر السيدة التي كانت مديرة ديوانه (نادية عكاشة)، كما أكدت إحدى المجلات الفرنسية الرصينة أن الكلام الذي قالته صدر عنها حقا بشهادة مَن كان يخاطبها ويعمل في السفارة الأمريكية في باريس، وهذا يثبت أن حدسي كان صحيحا، وأن تصرفاته ليست طبيعية، فهل رأيت في العالم أجمع رئيسا كلامه كله سبّ وشتيمة وإهانة لشعبه ولنخبه السياسية والفكرية، ورجال الأعمال، والنقابيين، ويسبّ جميع التونسيين؟ هل رأيت رئيسا في العالم يقول إن لديه صواريخَ سيضرب بها شعبه؟ هل رأيت رئيسا يُقبّل كتفي المستعمر؟ هل رأيت رئيسا يحترم نفسه، ويحترم بلاده يفعل ما يفعل، ثم يذهب إلى مصر وبعد أسبوع يقوم بانقلاب بقيادة شبه مباشرة من المخابرات المصرية؟

لذا، فإن كل الشعب التونسي الآن - حتى أقرب المقربين منه – بدأوا يفهمون أن المشكلة مع الرجل ربما لها علاقة بصحته النفسية، وينبغي أن يُعالج بدلا من أن يُحاكم؛ لأنه ليس على المريض حرج، ونحن مسلمون ونؤمن بذلك.

 

اقرأ أيضا: فشل الحوار بين اتحاد الشغل التونسي والحكومة.. وتأكيد للإضراب

بحسب تقديركم، ما حجم شعبية قيس سعيد في الشارع التونسي اليوم؟

لا أحتاج إلى تقديرها، لأنه قام باستشارة دامت شهورا، والنتيجة أن المشاركين فيها (مع وضد) 500 ألف، أي أقل من 7% ممن صوّتوا له، أي 93% ممن صوّتوا له انقلبوا عليه، ومن ثم فقد عزله الشعب، ولكن هذا العزل لم يقع بحسب الإطار القانوني، ومن المفترض أن يجتمع مجلس النواب، وأن يجتمع الثلثان على عزله باعتباره قام بفعل، وفق التوصيف القانوني، يعتبر "خيانة عظمى"، أولا لأنه أقسم بالقرآن الكريم على احترام الدستور لكنه لم يحترم الدستور، بل إنه ألغى الدستور، ثم أوقف عمل كل المؤسسات التي تنبني منها الدولة، وأخيرا يريد أن يقوم بكتابة دستور في أسبوع من قِبل شيخ أعتقد أنه لم يفتح كتابا منذ 50 سنة، سيكتب دستورا أول بنوده هي إلغاء هوية الدولة التونسية باعتبارها دولة عربية إسلامية.

وهل سيقبل الشارع التونسي هذه الخطوة؟

أبدا لن يقبل الشعب التونسي ذلك، وأعتقد أن المصوتين له - إذا وصلنا إلى التصويت - سيكون عددهم أقل من المشاركين في الاستشارة.

هل سيكمل قيس سعيد ولايته الدستورية إلى نهايتها أم لا؟

لا أعتقد ذلك، ولكن حتى إذا حصل فسيكون موجودا فقط على الكرسي دون أن تكون له أي سلطات، إذا أرادت تونس أن تتجنب الهزات، وإعادة الانتخابات قبل نهاية الدورة.. فسيلزمونه القصر، ولن يخرج منه، ولن يكون له إلا دور رمزي فقط في المناسبات الرمزية التي ينكرها؛ فهو ينكر كل المناسبات التي تمثل الجمهورية، وتمثل التاريخ الحديث لتونس.

كيف تقرأ مستقبل الأزمة التونسية؟

أعتقد أن تونس إن شاء الله ستتعافى قريبا، وستستأنف الفعل الثوري في موجته الثانية، وستواصل الانتقال الديمقراطي، وستكون مرة أخرى قائدة للربيع العربي في كل أقطار الوطن العربي.