ثمة شيء خطأ في مسيرة المناهضين للانقلاب، بل أشياء، لا بد أن يتنبهوا لها، ويتجاوزوها، وإلا فإن الوضع القائم لن يخرج عن المثل القائل "أسمع جعجعة، ولا أرى طحنا". فالكلام والتنظير ليس كافيا، في ظل تقطّع خيوط التواصل الرفيعة، التي يشد بأطرافها مناهضون مختلفون موقفا ومسافة من المنقلب، بما يجعل الأهداف القريبة والبعيدة مشتتة وغير واضحة المعالم.
لا بد لجبهة الخلاص الوطني من خارطة طريق واضحة، وخطوات مدروسة وسريعة، فالكارثة تكمن في انتظار ما سيفعله المنقلب، ثم البناء عليه، وهذا ما يعني السقوط في منعرج خطير يفضي إلى القضاء على الجبهة ومن فيها، وعلى المناهضين جميعا بدون سابق إنذار.
جبهة الخلاص الوطني، هي الجهة الأقوى بين التحالفات والجبهات الأخرى المناهضة للانقلاب، بحكم أنها تضم الأحزاب والجهات الأهم في المجتمع كمّا وكيفا، إضافة إلى وجود شخص مشهود له بالحكمة وقوة الموقف على رأس الجبهة، هو أحمد نجيب الشابي. لذلك فالمسؤولية الأكبر اليوم تقع على رأس الجبهة التي ينبغي لها أن تعمل بشكل مختلف على محاور عدة من خلال لجان ضيقة، بحيث تقوم كل لجنة بدورها المنوط بها بشكل عملي وناجز. واللجان المقترحة هي:
لجنة الإعلام الداخلي/ لجنة الإعلام الخارجي/ لجنة النشر والترجمة من وإلى العربية/ لجنة حقوق الإنسان للتواصل الداخلي/ وأخرى للتواصل الدولي/ لجنة الدبلوماسية الدولية/ لجنة التنسيق المحلي/ لجنة الحراك الميداني/ لجنة المتابعة القانونية، بحيث نرتبط هذه اللجان بإدارة فاعلة وعلى جاهزية عالية طوال الوقت.
المطلوب اليوم، تصعيد ميداني من خلال تظاهرات لا تتوقف في مدينة حتى تظهر في أخرى، ووقفات احتجاجية، ومؤتمرات صحفية ولقاءات جماهيرية ونشاط صحفي على أعلى مستوى ممكن، وتفاعل مع تساؤلات الجمهور وآرائهم على صفحات التواصل الاجتماعي
في ظل وجود هذه اللجان التي تعمل بكفاية وقدرات حقيقية سيتحقق للجبهة كثير مما فاتها، وكثير مما سيأتي بنتائج إيجابية، بعيدا عن الكلام وتكرار الكلام الذي لا يؤدي إلى نتيجة.
المطلوب اليوم، تصعيد ميداني من خلال تظاهرات لا تتوقف في مدينة حتى تظهر في أخرى، ووقفات احتجاجية، ومؤتمرات صحفية ولقاءات جماهيرية ونشاط صحفي على أعلى مستوى ممكن، وتفاعل مع تساؤلات الجمهور وآرائهم على صفحات التواصل الاجتماعي؛ إذ لا يكفي أن تضع منشورا أو فيديو على صفحة من الصفحات المناهضة للانقلاب، ثم تمضي غير ملتفت إلى ما يقوله قراء المنشور؛ فأحيانا يقلب الذباب الإلكتروني السحر على الساحر، وتكون النتائج عكس إرادة الناشر وهدفه من النشر.
وحيث دعت
جبهة الخلاص الوطني إلى تنظيم وقفة احتجاجية بالعاصمة، الأحد المقبل التاسع عشر من الشهر الجاري، للتعبير عن رفضها الحوار الهزلي والاستفتاء على الدستور المهزلة، وغير ذلك مما كان من مخرجات الانقلاب؛ فلا بد أن يكون الحشد ضخما وأضعاف ما كان في التظاهرة الأخيرة التي خرجت في 15 أيار/مايو الماضي، وإن لم يكن كذلك فهو مؤشر على جمود وانحسار أو تباطؤ في التغلب على النمطية السائدة في مواجهة الانقلاب وتداعياته؛ فما لم تكن التظاهرة القادمة مختلفة عما سبقها من حيث العدد والتنظيم وإشارات التحدي والصمود، فهو مما سيضع المناهضين في موقف صعب.
ولأننا نعلم يقينا بأن باريس تؤيد
قيس سعيد في إجراءاته، وتقف في العلن موقف المتفرج، وخلف الأبواب المغلقة موقف الداعم، ولأن مواقف الولايات المتحدة وأوروبا لا تؤشر على جدية في التصدي لإجراءات المنقلب، فلا بد من القيام بتوجيه رسائل إلى أصحاب القرار ومنظمات حقوق الإنسان ولجان الحريات والديمقراطية في الأمم المتحدة وفي المجتمع المدني في الغرب، ووضعهم أمام مسؤولياتهم التاريخية. إن إهمال هذا الجانب أو تركه للظروف، من أكبر الأخطاء التي ترتكبها جبهة الخلاص الوطني.
على جبهة الخلاص الوطني أن تدرك أنها الجبهة الوحيدة التي تستطيع مواجهة الانقلاب بقوة وجدارة، وأنها تمتلك القدرات الهائلة التي تمكنها من العمل ضمن إطار جاد وفاعل، بعيدا عن انتظار غيرها، وعليها أن تقترب من الاتحاد العام التونسي للشغل، وأن تنسق معه ولو في الحد الأدنى من التنسيق
على جبهة الخلاص الوطني أن تدرك أنها الجبهة الوحيدة التي تستطيع مواجهة الانقلاب بقوة وجدارة، وأنها تمتلك القدرات الهائلة التي تمكنها من العمل ضمن إطار جاد وفاعل، بعيدا عن انتظار غيرها، وعليها أن تقترب من الاتحاد العام
التونسي للشغل، وأن تنسق معه ولو في الحد الأدنى من التنسيق، في محاولة لاستمالته والاستفادة من الحشد الجماهيري الكبير الذي يمتلكه الاتحاد، الذي يمكنه -في لحظة ما- المشاركة في التظاهرات والوقفات الاحتجاجية، بما سىيغير المعادلة، ويفتح أبواب جهنم على المنقلب القابع في قرطاج وحيدا.
وهنا، لا بد من رسالة إلى محمد نجيب الشابي الذي كان أبرز المناهضين لنظام الحكم أيام بن علي، وهو معروف بصلابة موقفه ومنطقه الاجتماعي القوي، إضافة إلى قناعاته التي تشبه قناعات الرئيس السابق المنصف المرزوقي فيما يتعلق بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وانحيازه للمفقرين والمهمشين.
والرسالة التي لا بد من توجيهها للشابي وقادات الجبهة ومكوناتها، هي أن عليهم أن يدركوا جيدا المخاطر المحتملة في الأيام القادمة، وأن عليهم ألا يتركوا الأمور تسير بناء على التوقعات وانتظار ما سيكون. فلا بد من التحرك العاجل لمواجهة الأخطار المحتملة، ولا بد من أخذ تهديدات المنقلب وتصريحاته مأخذ الجد، لا سيما بعد تسريبات حل الأحزاب واعتقال قياداتها.
لا بد من تصورات ذهنية للآثار المترتبة على كل ما يصدر عن جبهة الخلاص الوطني، بعيدا عن العشوائية والتصريحات الجماهيرية غير المدروسة
وعلى جبهة الخلاص أن تطالب بقوة وإصرار بالكشف عن صحة سعيد النفسية، وأن تركز على هذا الجانب؛ لخطورته وأهميته القصوى، فلو استطاعت جبهة الخلاص الوطني أن تثبت أنه مريض نفسي، فذلك مما سيعجل في إزاحته من المشهد، علما بأن مرضه النفسي لا شك فيه كما يرى كثير من المختصين، عربا وأجانب.
لقد اعتاد الرئيس التونسي على اتهام المناهضين لانقلابه بأنهم باعوا أنفسهم للخارج، وأنهم غير وطنيين، وأنهم من خربوا البلاد وجوعوا الشعب ونكلوا به. وقد أثّر هذا النوع من الخطاب الديماغوجي على بعض البسطاء، وصدقوه. وهنا، لا بد من التفكير في الآلية التي ينبغي الرد بها على مثل هذه الترهات، ليكون ممكنا التأثير العكسي على البسطاء. وباختصار، لا بد من تصورات ذهنية للآثار المترتبة على كل ما يصدر عن جبهة الخلاص الوطني، بعيدا عن العشوائية والتصريحات الجماهيرية غير المدروسة.
ونحن نترقب باهتمام تظاهرة بعد غد الأحد، نتمنى أن تكون مغايرة، وفيها جديد مدروس بعمق، بحيث يكون أثرها على الحالة السياسية المحتقنة إيجابيا، وقادرا على التأسيس لثورة قادمة، يكون بإمكانها إزاحة المنقلب والعودة بتونس إلى دولة الحرية والديمقراطية.