أثارت الهجمات التي طالت منتجعا سياحيا في إقليم كردستان العراق، الأربعاء، وراح ضحيته 9 أشخاص وإصابة 33 آخرين، تساؤلات بخصوص الجهة التي تقف وراءه وتوقيت القصف الذي حملته بغداد للجانب التركي، رغم أن الأخيرة نفت ذلك واتهمت حزب العمال الكردستاني بارتكابه.
وعلى إثر ذلك، نظم المئات احتجاجا في بغداد، الخميس، بالقرب من مبنى تابع للسفارة التركية، فيما قالت وزارة الخارجية العراقية، إن "جميع المؤشرات تؤكد مسؤولية تركيا عن الاعتداء، وإنكارها مزحة سوداء"، حسب وصف البيان الرسمي العراقي.
توقيت لافت
وتعليقا على ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي حسين السبعاوي لـ"عربي21" إن "تركيا نفت ضلوعها بالهجوم على دهوك في إقليم كردستان وارتكاب مثل هذه الجريمة، وأن على بغداد التعاون مع أنقرة في تشكيل لجنة التحقيق لحسم الجدل الحاصل بشأن من يقف وراء الاستهداف الذي طال السياح".
وأضاف السبعاوي أن "اللافت في الموضوع أن القصف حصل مباشرة بعد قمة روسية إيرانية تركية عقدت في طهران، وكان المرشد الإيراني علي خامنئي بعد لقائه الرئيس التركي أردوغان، رافضا لأية عملية عسكرية تركية في سوريا وقالها صراحة أنها تضر بالمنطقة".
وتابع: "ناهيك عن موضوع التسريبات الصوتية المنسوبة لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، والتي ربما تكون هذه الهجمات جاءت لصرف النظر عنها، لذلك على تركيا والعراق التعاون والكشف أمام الشعب العراقي من يقف وراء القصف".
ورأى الكاتب أن "الهجمة الإعلامية على تركيا في العراق، وظهور اللافتات التي تهاجمها بشكل مباشر بعد الهجوم يوحي وكأن الأمر كان معدا له سابقا، لتأليب الشعب العراقي على تركيا وقطع العلاقة معها".
وطالب السبعاوي السلطات العراقية بـ"إنهاء تواجد حزب العمال الكردستاني في تلك المنطقة، لماذا تتواجد هذه المنظمة في تلك المناطق ولا يجري إخراجها وتتسبب بمشاكل للعراق مع جيرانها، أليس هذا مخالفا للدستور؟".
اقرأ أيضا: بغداد تحمّل تركيا مسؤولية قتل 9 مدنيين بقصف.. وأنقرة ترد
وأشار الكاتب إلى أن "هناك من يسعى إلى الإضرار بالعلاقة بين تركيا والعراق، خصوصا بعد تصريح السفير التركي في بغداد أن بلاده تمنح يوميا نحو 7 آلاف تأشيرة دخول للعراقيين، لذلك يجب إنهاء التصعيد الإعلامي وحسم الجدل عن طريق اللجنة التحقيقية لمعرفة الجهة التي ارتكبت هذه الجريمة".
قبل القصف المذكور دخل الرأي العام العراقي في حالة شد كبيرة تجاه تسريبات صوتية منسوبة للمالكي نشرها الصحفي العراقي المقيم في الولايات المتحدة علي فاضل، والتي كشفت عن مخططات رئيس الوزراء الأسبق ضد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
وقبل يوم واحد من وقوع الهجوم على دهوك، قال علي فاضل خلال مقابلة تلفزيونية إنه لو نشر المقطع الصوتي المنسوب للمالكي بشكل كامل مرة واحدة لأقدم الأخير على إحداث تفجيرات في بغداد وغيرها من المدن حتى ينشغل الشعب العراقي عنها وتنسى مخططاته.
"تحقيق صعب"
وفي السياق ذاته، اتفق الباحث المختص في الشأن التركي محمود علوش مع ما ذهب إليه السبعاوي، بالقول: "يبدو أن بعض الأطراف العراقية تسعى لتصعيد الموقف ضد تركيا من أجل حرف أنظار الشارع العراقي عن فضيحة تسريبات المالكي".
وقال علوش لـ"عربي21" إن "تركيا نفت بوضوح مسؤوليتها عن القصف وعرضت تحقيقا مشتركا مع بغداد. لكن من الواضح أن جهات عراقية تسعى لاستثمار هذه القضية من أجل التصعيد ضد أنقرة".
وأضاف علوش قائلا: "عمليا، ليس من الصعب إجراء مثل هذا التحقيق ويُمكن الاستعانة بالمعلومات وصور الأقمار الصناعية المتوفرة لدى الجانبين ومشاركتها للوصول إلى الحقيقة. الكرة في ملعب بغداد".
وأشار إلى أنه "بالنظر إلى أن الهدف الذي استهدفه القصف هو منتجع سياحي، فإن فرضية استهدافه من الجيش التركي عن طريق الخطأ تبدو مستبعدة للغاية لأن العمليات التركية في شمال العراق عادة ما تكون دقيقة للغاية وتركز على أهداف عسكرية ونادراً ما تؤدي إلى سقوط ضحايا بين المدنيين".
اقرأ أيضا: تركيا تنفي ضلوعها في هجوم دهوك بالعراق.. وإدانات دولية
ولفت علوش إلى أن "فرضية استهداف تركيا بشكل متعمد للمنتجع تبدو غير منطقية، إذ أن القصف لن يُحقق الأهداف التركية المفترضة من وراء هذه العمليات لا بل على العكس سيأتي بنتائج عكسية".
وأكد الباحث أن "هناك اعتقادا في أنقرة بأن القصف متعمد من قبل حزب العمال الكردستاني لافتعال أزمة بين أنقرة وبغداد وتأليب الرأي العام الكردي في شمال العراق على تركيا وإحراج أربيل التي تدعم العمليات التركية ضد الحزب".
وكان وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، قد أعلن، الخميس، أن المعلومات المؤكدة تفيد بأن القوات المسلحة لبلاده لم تنفذ أي هجوم ضد المدنيين في دهوك.
وأضاف خلال لقاء على قناة "تي آر تي خبر"، أن هناك أنباء صدرت عقب الهجوم تتضمن اتهامات وتشويهًا ضد تركيا، وقامت وزارة الخارجية بنفيها بلغة صريحة عبر بيانها.
وتابع بأنه بمجرد وصول هذه الأنباء، "أجرينا على الفور مشاورات مع مؤسساتنا ذات الصلة، وتبادلنا المعلومات اللازمة"، مشيرا إلى أنه بحسب المعلومات التي تلقوها من القوات التركية فإنه لم يتم تنفيذ أي هجوم ضد المدنيين.
وذكر الوزير التركي أن "أنقرة أعلنت استعدادها للتعاون مع السلطات العراقية بشأن الهجوم الغادر، الذي تعتقد أن التنظيم الإرهابي نفذه"، رافضا في الوقت ذاته التصريحات الرسمية وغير الرسمية التي تتهم بلاده قبل اتضاح حقيقة الأمر.
وأكد تشاووش أوغلو في تصريحاته أن وقوع مثل هذه الحادثة (قصف دهوك) يثير التساؤل، في ظل تحسن العلاقات التركية ـ العراقية، وتحقيق نجاح في مكافحة الإرهاب.