توفي الشاب المصري الخلوق النشيط والناشط: محمد الجبة، وهو من جيل شباب ثورة يناير، وقد لا يعرفه الكثيرون، حيث إنه ليس من الوجوه الإعلامية كثيرة الظهور على الإعلام، لكن المتصفح لصفحات الفيس بوك ووسائل التواصل الاجتماعي، ليوم الثلاثاء يوم وفاته، والأربعاء يوم دفنه، سيقف على كم هائل من الحزن على رحيله، يدلك بوضوح كيف اجتمعت عليه كل هذه الأطياف الفكرية والسياسية على شاب من التيار الإسلامي، ومن جماعة الإخوان المسلمين تحديدا، في وقت قل فيه من يجتمع عليه الناس بهذا الحجم حاليا.
محمد لمن لا يعرفه، شاب شارك في ثورة يناير، ومن أوائل وقلائل الإسلاميين الذين شاركوا مبكرا، منذ الترتيب لها مع التيارات السياسية الأخرى، دون أن يحسب حسابا لموقف التنظيم من ذلك، فقد كان يدفعه لذلك فهمه لدعوته، وفهمه لدينه، وبقية الأمور هي أمور إدارية، سيحين أوانها، وهناك مساحة يمكن لمثله أن يتحرك فيها، ويعمل ويجد، ولا يجد تعارضا في العمل فيها.
وعندما جاءت أحداث محمد محمود نزل، وشارك فيها إخوانه المتظاهرين الثائرين، لأن الأمر لا ينتظر تفكيرا ولا إذنا، وهو أيضا من كثيرين شاركوا من التيار الإسلامي بصفتهم الشخصية دون أن يعرفوا بتوجههم، فقد كان الموقف أجل وأهم من التمايز السياسي.
وهذا ما جعل الجبة همزة وصل بين قيادات سياسية في الجماعة وكثيرين من شباب ثورة يناير، لم يكن لهم أن يتعرفوا عليهم إلا عن طريقه، وطريق أمثاله من الشخصيات المجمعة، وذلك راجع لعدة عوامل ترجع لطبيعة الجبة رحمه الله، فهو شخصية يجتمع عليها الكثيرون، لأن كل طرف مختلف يجد عنده ما يجذبه ويقربه إليه، بل ويستمع لنصائحه، ويسعد بنقاشاته.
فعلى إطار الجماعة والإسلاميين، عرف بين الجميع بهدوء الصوت، وعقلانية الطرح، والسعي بالإصلاح بين الأطراف المختلفة، وكم كان له صولات وجولات، وسعي حثيث، للم شمل الأطراف المتنازعة في الجماعة، وبخاصة في السنوات الأخيرة، التي طال الشقاق فيها جل مكونات التنظيم المصري تحديدا.
محمد لمن لا يعرفه، شاب شارك في ثورة يناير، ومن أوائل وقلائل الإسلاميين الذين شاركوا مبكرا، منذ الترتيب لها مع التيارات السياسية الأخرى، دون أن يحسب حسابا لموقف التنظيم من ذلك، فقد كان يدفعه لذلك فهمه لدعوته، وفهمه لدينه، وبقية الأمور هي أمور إدارية، سيحين أوانها، وهناك مساحة يمكن لمثله أن يتحرك فيها، ويعمل ويجد، ولا يجد تعارضا في العمل فيها.
وعلى مستوى التيارات السياسية الأخرى، كان متواصلا بشكل إنساني كبير معهم، فهو الأدوم والأهم بالنسبة له، ولم يكن يهمه الاختلاف السياسي، ولا التركيز عليه، ولم يكن هدفه من ذلك الكسب التنظيمي أو التوظيف السياسي لجهده، بل كان الرجل يفعل ذلك منطلقا من تدينه وخلقه، ولا يبتغي بذلك إلا رضا ربه سبحانه وتعالى، ولذا وجدنا في جنازته كل هذه الأطياف التي لا تجتمع إلا نادرا على مثل هذه الحالة.
ومن ينظر للكلمات التي كتبها أعضاء في تيارات سياسية مصرية من المشاركين في ثورة يناير، يشعر بألم الفقد لهذه الشخصية، التي تعبر بحق عن نموذج مفقود في حياتنا الدعوية والسياسية والإنسانية، فقد حملت شهادة له، لا يمكن أن تصدر من باب المجاملة، أو المغازلة السياسية، فلم يكن لديه رحمه الله ما يعطيه لأحد، سوى العطاء الإنساني الذي كان أداته للتواصل مع الجميع.
رأيت في جنازته أشخاصا مهتمين بالفن، ممن ليسوا من تيار محمد وفصيله، والسبب اهتمامه رحمه الله بهذا الجانب، سواء من حيث الاهتمام الشخصي، أو العمل، فقد كان آخر عمل فني شارك فيه، هو فيلم: (الهتك)، وهو فيلم سياسي يتحدث عن الأحداث الأخيرة في مصر، وكيفية تعامل الأمن مع المعارضين السياسيين، من انتهاك لكل ما حرمته الشرائع والقوانين.
والفيلم وإن كان مضمون قصته مأخوذ من فليم تم تناوله من قبل في السينما المصرية، وهو فيلم: (حلاوة الروح) الذي أنتج سنة 1990م، ويدور حول سياسة الأمن المصري في تحطيم نفسية الشباب الثائر، بكل ألوان التعذيب النفسي والجسدي والجنسي، مما جعل مضمون الفيلم يصلح لأن يعاد مرة أخرى، فقام محمد الجبة وفريق العمل بإعادة الصياغة بشكل يواكب الأحداث المعاصرة، تحت اسم: (الهتك).
وإن انتقد البعض الفيلم يوم عرضه من هذه الجهة، إلا أنه ـ في وجهة نظري ـ نقد مردود عليه، لأن كم الأفلام التي تكرر إنتاجها بنفس القصة، مع تعديل يناسب الحال الاجتماعي والسياسي في السينما المصرية كثير جدا، كفيلم: أمير الانتقام، لأنور وجدي، وقد أعاد تمثيله فريد شوقي باسم: أمير الدهاء، ثم جاء نور الشريف بعد سنوات طويلة، وأعاده بشكل معاصر بفيلم بعنوان: دائرة الانتقام. وهو في النهاية مقتبس من فيلم أجنبي معروف. وأفلام أخرى لا حصر لها، وكلها مقتبسة من أفلام وروايات أجنبية، كالبؤساء لفيكتور هوجو، والجريمة والعقاب لدستوفيسكي.
كان محمد الجبة رحمه الله، متعدد الاهتمامات والعطاء، ومتعدد العلاقات، كلها كانت تقربا منه لربه، وعطاء لأمته ووطنه، وقد نال جزءا من تكريمه بحب الناس له وهو حي، وحزنهم عليه وهو ميت، وعلى قدر عطائه كان إكرام الله له، والله حسيبه، فقد مات مبطونا، بعد صراع طويل مع المرض في غيبوبة دامت شهورا، ثم أفاق لأيام، وبعدها عادت مرة أخرى وتوفي.
كان محمد مرتبطا بكل كيانه بأمته وقضاياها، وفي القلب منها فلسطين، ولذا أوصى أن يصلي عليه أحد قيادات المقاومة، وبخاصة أحد اثنين: أبو العبد إسماعيل هنية، أو أبو الوليد خالد مشعل، ورغم عدم تواجدهما في الأراضي التركية، لكن قدر الله كان تواجد أبو الوليد في تركيا في زيارة، وتصل وصية الجبة له، فيلبي رغبته، رغم عدم لقائهما من قبل، أو هكذا لا يتذكر أبو الوليد، ويأتي للصلاة عليه، وإلقاء كلمة في نعيه.
رحم الله محمد الجبة، ورزقه جزاء صبره على مرضه، وصبره على بلواء الحياة بكل ألوانها من السياسة وغيرها، وجعل غربته ومرضه وكل القلوب التي أحبته، والألسنة التي لهجت بالترحم عليه، شفيعا له عند ربه. وهكذا الحياة الدنيا لا يبقى للإنسان فيها إلا ما ترك من عمل، يلقى به ربه، ويبقي بين الناس ذكره بها.
Essamt74@hotmail.com
عمرو حمزاوي وجدوى التغيير من الخارج
علاقات "حماس" الخارجية.. للضرورة أحكام
هل ينهي الغاز والنفط استعراض زيلنسكي على المسرح الدولي؟