نشرت موقع "ناشيونال إنترست" مقالا للدبلوماسيين السابقين دينيس روس وجيمس جيفري، قالا فيه إن قرار فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا لم يغير المشهد الأمني في أوروبا فحسب، بل غيّر أيضا بشكل أساسي الطريقة التي تنظر بها إدارة الرئيس جو بايدن إلى الحقائق الجيوسياسية على المستوى الدولي.
وقال الدبلوماسيان، إن هذه الرحلة كانت حول أكثر من إنتاج النفط على المدى القريب. لقد عكست اعترافا أعمق بأن الشرق الأوسط والدول الرئيسية فيه مهمة في المنافسة طويلة المدى مع الروس والصينيين. كما عكست فهم واشنطن أن العديد من القادة داخل المنطقة لديهم شكوك كبيرة حول قوة أمريكا والتزامها، وبالتالي، كانت هناك حاجة ماسة لإعادة مصداقية التزامنا بتأمين مصالحنا وأصدقائنا في المنطقة.
وبالنظر إلى ما كانت عليه التوجهات خلال إدارتي أوباما وترامب بخصوص التكلفة العالية لتعميق المشاركة في الشرق الأوسط، فليس من المبالغة القول إن الرحلة تمثل تحولا في نهج واشنطن تجاه المنطقة، وفقا لكاتبي المقال.
ولفهم هذا التحول، قد يكون من المفيد إلقاء نظرة إلى الوراء. تاريخيا، حتى عندما أوضحت الولايات المتحدة أنها ستحمي مصالحنا بشكل مباشر في الشرق الأوسط، فقد حاولنا منذ فترة طويلة القيام بذلك من خلال تعزيز نظام الأمن الجماعي الإقليمي.
وعلى عكس المناطق الأخرى، كان على الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أن تتعامل مع مجموعة معقدة من الظروف، بما في ذلك زيادة عدم الاستقرار الداخلي والمنافسة، والسلوك العدواني للجهات الفاعلة الإقليمية المختلفة، لتشمل الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، والعجز التاريخي للدول العربية عن الاصطفاف مع إسرائيل في ضوء صراع الأخيرة مع الفلسطينيين.
ومع ذلك، على الرغم من الجهود الفاشلة لتشكيل نظام تحالف، فإن التزام الولايات المتحدة بالمنطقة، حتى مع وجود عدد أقل من القوات فيها، حقق العديد من النجاحات. فلقد أخرجت مصر من الفلك السوفيتي، وصدت هجمات إيران على العراق والخليج، وغزو العراق للكويت، وعززت عملية سلام نشطة بين إسرائيل وجيرانها، ما ساعد أيضا على بناء قبول إسرائيل في معظم العالم العربي، وفقا للدبلوماسيين السابقين دينيس روس وجيمس جيفري.
اقرأ أيضا: FA: نظام الشرق الأوسط القديم الجديد.. لماذا تخطئ أمريكا؟
ومنذ عام 2001 فصاعدا، اتخذت السياسة الأمريكية منعطفين جذريين: أولا، في عهد الرئيس جورج بوش الابن في أعقاب 11 أيلول/ سبتمبر، وبعد ذلك الرئيس باراك أوباما خلال الربيع العربي، أطلقت واشنطن جهودا دبلوماسية عسكرية كبرى للقضاء على تلك الظواهر المؤدية للاختلال. فشلت هذه الجهود إلى حد كبير، حيث أثبت العراق أنه مأزق باهظ التكلفة، وكانت فيه إيران الرابح الأكبر.
ثانيا، وكرد فعل على العراق إلى حد كبير، روج الرئيس أوباما، ثم الرئيس دونالد ترامب، للابتعاد عن المنطقة، مشيران إلى كل من التحدي الصيني المتزايد وإحباط الجمهور الأمريكي من التورط المفرط فيها.
ومع ذلك، ظلت القوات العسكرية الأمريكية بأعداد كبيرة داخل المنطقة، واستمرت العلاقات الدبلوماسية العسكرية الأمريكية مع العديد من شركاء أمريكا، وتناولت كلتا الإدارتين بشكل انتقائي مشكلات أمنية محددة.
ومنذ بداية رئاسته، تحدث الرئيس جو بايدن عن التحدي التاريخي الذي يواجه الديمقراطيات الآن في صراعها مع الأنظمة الاستبدادية. من هذا المنظور، فليس من المستغرب أيضا أن الشرق الأوسط لم يكن أولوية بالنسبة لإدارته. واستغرق بايدن خمسة أسابيع لإجراء أول اتصال له مع زعيم شرق أوسطي، وهو رئيس وزراء "إسرائيل"، وبعد فترة طويلة من اتصاله بنظرائه الآخرين في جميع أنحاء العالم، عكست تعليقاته حول السعودية وولي عهدها استعداده لإلغاء الأولوية للمنطقة.
وقال كاتبا المقال: "لكن بايدن هو أيضا براغماتي، سريع الفهم عندما يكون هناك شيء أساسي على المحك. أدى هجوم بوتين على نظام دولي قائم على القوانين ودعم الصين له إلى تغيير الحقائق الجيوسياسية. لقد فهم بايدن أن السعوديين والإماراتيين وغيرهم قد لا يكونوا ديمقراطيات، لكنهم أيضا يحاولون قلب الأنظمة الدولية والإقليمية. علاوة على ذلك، للحد من قدرة روسيا على تمويل حرب الاستنزاف مع أوكرانيا، وتسليط الضوء بشكل واضح على تكلفة العدوان، كان على إدارة بايدن أن تقلل من قدرة روسيا على بيع نفطها.
وعند النظر إلى تركيز بايدن أولا في إسرائيل ثم في السعودية، يتضح من تصريحاته أنه في المقام الأول شرع في طمأنة الشركاء، لكن لم تكن الطمأنة تتعلق فقط بالأمن بالمعنى العام، ولكن على وجه التحديد ضد التهديد الذي يعتبره كل من الإسرائيليين والسعوديين الأكثر خطورة: إيران، والتزمت إدارة بايدن في الإعلان المشترك باستخدام "كل عناصر قوتها الوطنية"؛ لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي.
ومع وجود السعوديين في البيان المشترك، تناولت الإدارة الحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لردع "تدخل إيران في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ودعمها للإرهاب من خلال وكلائها المسلحين، وجهودها لزعزعة استقرار الأمن والاستقرار في المنطقة".
والنقطة الأكبر التي أثارها بايدن في المنطقة، وفي اجتماعه في جدة مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، أنه "لن ننسحب ونترك فراغا تملأه الصين أو روسيا أو إيران. وسنسعى للبناء على هذه اللحظة مع قيادة أمريكية نشطة وذات مبادئ".
وأضاف أن الولايات المتحدة "لن تسمح للقوى الأجنبية أو الإقليمية بتهديد حرية الملاحة عبر الممرات المائية في الشرق الأوسط، بما في ذلك مضيق هرمز وباب المندب. ولن نتسامح مع جهود أي دولة للسيطرة على دولة أخرى في المنطقة.
وأخيرا، وضع المنطقة في سياق الأمن الجماعي العالمي ضد الجهود الرامية إلى "تقويض النظام القائم على القوانين"، ليس فقط من قبل روسيا والصين، ولكن أيضا على وجه التحديد إيران.
FA: نظام الشرق الأوسط القديم الجديد.. لماذا تخطئ أمريكا؟
إنترسبت: رحلة بايدن إلى المنطقة تتعلق بالبحث عن مخرج منها
الإندبندنت: هكذا تراجع بايدن عن جعل السعودية "منبوذة"