البراهنة هم من استعان بهم عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني لتكريس حكمه للبلاد، وعلى رأسهم زعيم الدقالوة حليفه المليشياوي محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وكانت دولة البراهنة والدقالوة تتشرنق منذ 11 نيسان/ أبريل من عام 2019 عندما تم الإعلان عن سقوط نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير، في أعقاب ثورة شعبية عارمة أرغمت القيادات العسكرية على الانقلاب على البشير، ليس انحيازا للثورة ولكن على أمل أن يصبحوا هم خلفاء البشير في قصر الحكم.
ثم أدرك الجنرالات وعلى رأسهم البرهان، استحالة الانفراد بالحكم فقبلوا أن تكون الحكومة التنفيذية مدنية، ثم تآمروا مع الحركات المسلحة بموجب اتفاق "سلام" مهلهل النصوص، كي يخترقوا تلك الحكومة ويزعزعوا بنيانها، لإيجاد الذريعة للبرهان للانقلاب عليها، وهكذا جاء انقلاب 25 تشرين أول/ أكتوبر من العام الماضي، وقد انقضت تسعة اشهر منذ وقوع الانقلاب والضغوط الشعبية والدولية تمنع البرهان وصحبه من الخروج من الشرنقة واستكمال الانقلاب وتشكيل حكومة.
كان ثمة حصاد آخر للتطبيع المنشود مع إسرائيل، فقبل أيام وصلت شحنة من المخدرات مصدرها إسرائيل إلى مطار الخرطوم، ولم يكن صعبا على سلطات الجمارك اكتشافها ثم مصادرتها، فإذا بقائد حركة مسلحة من الموالين للانقلاب يطالب صراحة وعلنا وبموجب كتاب رسمي، بالإفراج عنها لأنها تخص جماعته، زاعما أن المخدرات بغرض "التدريب"،
خلال تلك الأشهر التسعة أفرغ البرهان ورهطه الخزينة العامة من قليل المال الذي كان فيها، بإنفاقه على شراء الذمم وشراء الغاز المسيل للدموع لتفريق الجموع، وفوقها مياه ملوثة محقونة بمواد حارقة مصدرها إسرائيل التي نصب البرهان وحميدتي نفسهما وكيلين لها في السودان، ولم يتسن للبرهان قط خلال تلك المدة أن يفتتح مشروعا خدميا او تنمويا، بل فشل حتى في المهمة التي حرص على احتكار العسكر لها في ظل الحكومة التنفيذية المدنية التي انقلب عليها وهي حفظ الأمن، بعد أن توسع نطاق الاقتتال الأهلي الذي يغذيه مليشاويون من أنصار البرهان، ويبدو البرهان عازفا عن إيلاء أمر وزارة الداخلية لشخص ما، ولو من باب "التكليف المؤقت"، لأنه اختار أحد أبناء عشيرته مديرا عاما للشرطة، ويبدو أنه محل رضا البرهان التام لأن رجاله يمارسون قنص الشباب الرافض للانقلاب بأسلوب الاستهداف الممنهج الذي ابتدعته إسرائيل لقتل نشطاء النضال الفلسطيني، بل إن عشيرة البرهان التي وقف أمامها خطيبا ليقول لهم إنهم مميزون عن بقية اهل السودان، قام فيها قبل أيام من يدعو لتكوين مليشيا قبلية مسلحة.
وكان ثمة حصاد آخر للتطبيع المنشود مع إسرائيل، فقبل أيام وصلت شحنة من المخدرات مصدرها إسرائيل إلى مطار الخرطوم، ولم يكن صعبا على سلطات الجمارك اكتشافها ثم مصادرتها، فإذا بقائد حركة مسلحة من الموالين للانقلاب يطالب صراحة وعلنا وبموجب كتاب رسمي، بالإفراج عنها لأنها تخص جماعته، زاعما أن المخدرات بغرض "التدريب"، ولم يعرف التاريخ المدوَّن عن تدريب عسكريين على تعاطي المخدرات إلا في دولة البراهنة والدقالوة.
والبرهان شديد الحرص على تلميع وتسويق حليفه حميدتي، فأوعز إليه من ثم وفي سياق تبادل وتكامل الأدوار، أن يدلي ببيان يساير فيه ما جاء في بيان البرهان قبل نحو شهر من الزمان بأن العسكريين عازفون عن المشاركة في الحكومة التنفيذية، فجاء بيان حميدتي مكتوبا من قبل كتيبة من المستشارين، ومن ثم خاليا من الهفوات والكبوات اللغوية المعتادة، ولكن مشبعا بالسقطات، فالرجل الذي تحول من نكرة الى معرفة بسفك الدماء، ترحم في صدر البيان على النفوس التي ازهقت هنا وهناك، ونعى على الآخرين تنامي النزعات القبلية وقد أمضى هو السنوات الثلاث الماضية وهو يغذي النعرات القبلية، ويشتري شيوخ بعض القبائل، وينصب شيوخا على أقوام فارقوا القبلية قبل عقود.
الوقائع تثبت أن سودان اليوم دولة محتلة من قبل عسكريين حولوا القوات المسلحة الى مليشيا، يناصرهم قادة جماعات مسلحة، وقوات الاحتلال تلك غير معنية إلا بمصالح قادتها، وليس أدلّ على عسكرة الحكم بالكامل، من أن البرهان استبعد من مجلس السيادة الذي يجلس هو على رأسه، كل المدنيين وأبقى على عضوية ثلاثة يملكون جيوشا خاصة،
وكانت أقبح زلة لسان في بيان حميدتي ذاك قوله: "لقد صدمت بحجم الدمار الذي خلفته سنوات الحروب والتهميش في دارفور، وحجم الصراعات والخلافات بين مكونات الإقليم، وانتشار الفقر وسوء الخدمات وغياب الدولة"، فهذا رجل دخل التاريخ صعودا على جماجم اهل دارفور، لأن القوات (الدعم السريع) التي تخضع لقيادته، تم تشكيلها أصلا لحرب خصوم حكومة عمر البشير في دارفور، فمارست ابشع صنوف القتل والنهب والحرق مما تسبب في هلاك مئات الآلاف ونزوح الملايين.
حل حميدتي بدارفور في نهاية حزيران/ يونيو المنصرم، ليس لأن الإقليم ما زال ينزف، ولكن لأنه ينتمي الى الجزء الجنوبي منه، ويريد مغازلة أهل الأجزاء الذين عانوا من ويلات الحرب الأهلية، ليصبحوا أنصاره، وهي مهمة يباركها لوردات الحرب الذين اشتراهم البرهان وحميدتي بالمال والمناصب الرفيعة والامتيازات، والذين يجلسون في الخرطوم محاطين ومحروسين بعسكرهم، ويمارسون بيع الرتب العسكرية لمن استطاع الى دفع الثمن سبيلا، بوعد الاستيعاب في الجيش الوطني بعد تفعيل قرار دمج المليشيات فيه، وهكذا وبينما أهلهم في دارفور يتعرضون للقتل والتهجير القسري، يستعرض جند أولئك اللوردات الدارفوريين عضلاتهم في شوارع الخرطوم بأسلحتهم الثقيلة، غير عابئين بقرار أصدره مجلس الأمن والدفاع الذي يرأسه البرهان في كانون الثاني/ يناير الماضي بأن تجلو جميع العناصر العسكرية غير النظامية عن المدن الكبيرة وترابط في نقاط تجميع بعينها خارج المدن إلى ان يحين أوان "دمجها" في الجيش الوطني.
الوقائع تثبت أن سودان اليوم دولة محتلة من قبل عسكريين حولوا القوات المسلحة الى مليشيا، يناصرهم قادة جماعات مسلحة، وقوات الاحتلال تلك غير معنية إلا بمصالح قادتها، وليس أدلّ على عسكرة الحكم بالكامل، من أن البرهان استبعد من مجلس السيادة الذي يجلس هو على رأسه، كل المدنيين وأبقى على عضوية ثلاثة يملكون جيوشا خاصة، وعليه فليس من الشطط الحديث عن أن ما كان يعرف بالدولة السودانية صار دولة البراهنة والدقالوة، حيث يتمركز الأمر بيد البرهان وساعده الأيمن دقلو (حميدتي).