قضايا وآراء

وهزّي إليك بجذع النخوة!.. رسالة مفتوحة للأخ ماجد فرج

1300x600
أذكر عندما قصصت علينا قصة تراجيدية في أحد اللقاءات القديمة، حيث وقعت القصة أيام كنت معتقلا في النقب، وقد كنا أربعة مع عمر البرغوثي رحمه الله وناصر السرداوي وأنا وأنت. كان شقيق ماجد فرج شاويشا للقسم، وهذه رتبة ووظيفة يقوم بها بتوكيل من التنظيم ويكون بذلك حلقة الوصل بين إدارة السجن الصهيونية والمعتقلين. سلّمت الإدارة لشاويش القسم صورا تم إدخالها عن طريق الزيارة ليوزّعها على أصحابها، وزعها جميعها سوى صورة طفل حديث الولادة لم يتعرّف عليه أحد، تعرّف عليها أخيرا ماجد فرج، حيث كانت لأخيه شاويش القسم الذي وزّع الصور ولم يتعرف على صورة وليده. كان ذلك الوليد الذي ولد وهو في السجن فلم يره من قبل، جاءه يسعى من خلال صورة كانت طيلة النهار في يده يبحث عن أبيه بين جموع الأسرى، وهو لا يدرك أنه ابنه وفلذة كبده.

اليوم تتكرّر نفس القصة ببعدها الإنساني، ولكن بصورة مختلفة سياسيا واجتماعيا وثقافيا، فلا يمكن أن نقبل ما أُرغمنا عليه في سياقات احتلالية فاشية ونسقطه على سياقات مما كسبت أيدينا..

أحمد هريش معتقل لدى جهاز المخابرات الفلسطينية منذ ما يزيد عن 75 يوما وقد ذاق الأمرّين في زنازين أريحا سيئة الصيت والسّمعة، وهو أسير محرّر قد ذاق من قبل ما ذاق خلف ستائر عتمتهم المقيتة، وقد تزوّج من فتاة فلسطينية حرّة من عائلة كريمة، فيها ما فيها من معاناة ويلات الاحتلال. لا مجال لذكر ذلك إلا من خلال المثال، حيث الأسير الشيخ نضال زلوم، المحكوم بأربعة مؤبدات والذي زادت سنوات سجنه عن ربع قرن.. هذه الفتاة التي تزوّجها من الخريجات المبدعات في جامعة بير زيت وقد ألقت كلمة الخريجات، وتم توظيفها معيدة في كلية الآداب لتميّزها الفريد.
لمّا طال العذاب على زوجها أحمد وبلغت القلوب الحناجر، واشتدّ ساعد الجنين في رحم أمّه واقتربت لحظة الميلاد لهذا المولود البكر لهذه العائلة المجاهدة الطيبة، اضطرت العائلة الصغيرة والكبيرة إلى المناشدة وتحريك الروح الإنسانية عند كل من يُعتقد أن عنده قلبا أو قد يلقي السمع وهو شهيد على هذه المرحلة القاتمة من تاريخ القضية الفلسطينية

ولمّا طال العذاب على زوجها أحمد وبلغت القلوب الحناجر، واشتدّ ساعد الجنين في رحم أمّه واقتربت لحظة الميلاد لهذا المولود البكر لهذه العائلة المجاهدة الطيبة، اضطرت العائلة الصغيرة والكبيرة إلى المناشدة وتحريك الروح الإنسانية عند كل من يُعتقد أن عنده قلبا أو قد يلقي السمع وهو شهيد على هذه المرحلة القاتمة من تاريخ القضية الفلسطينية.. توجّهوا إلى القريب والبعيد خاصة أن الحديث يجري بشكل مؤكد على أمور لا علاقة للشأن الفلسطيني فيها، يعني أنه لا يوجد أي ضرر فلسطيني لا سياسي ولا أمني ولا ما يحزنون، الحديث عن أمور قديمة قد عفا عليها الزمن وسجن على خلفيتها ونال جنبا أحمد ما نالاه في السجون الإسرائيلية.

أخيرا صرخ كرم وخرج من الرحم الصغير إلى الرحم الكبير يبحث فيه عن رحمة، فلم يجد سوى القسوة التي يراها ويحسّ بها أينما ولّى وجهه ولم ير أباه، تفرّس الوجوه وجها وجها، كانت وجوها باسمة ولكنها بسمة فيها قتامة وكدر وهذه لا تخفى على كرم، سألت عيناه ولما لم تجد إجابة شافية سالت دموعهما.. لم يرتو القلب من قبلات فقدت شفتي الأب الحانية، بفطرته أحسّ ببرودة القبلات، حاول البحث عن القبلات المفقودة فلم يجدها، قرّر مواصلة البحث إلى أن يأذن الله بالفرج.

هنا لا قلب يعلو على قلب أمّ فقدت سندها قهرا في الوقت الذي تجتمع فيه قمة الألم وقمّة الفرح، هذه اللحظة العظيمة التي وجدت فيها مريم البتول الرطب جنيا بعد أن أمرها الله بهزّ جذع النخلة.. فاطمة هزّت جذع النخوة الفلسطينية وخذلتها هذه النخوة، فلم تستجب لها وبقيت صامتة جامدة جاحدة كالحجارة أو أشدّ قسوة. ماذا يضير الفلسطيني والقضية الفلسطينية والروح الفلسطينية والحاضر والمستقبل الفلسطيني لو جاءوا بأحمد ليحضر هذه اللحظة المقدسة في الحياة البشرية التي يدين لها كلّ البشر بالقداسة والاحترام؟
أضع يدي مع يد فاطمة لهزّ النخوة الفلسطينية من جديد علّنا نجد رطبا جنيّا، علّنا نفرّج كرب هذه العائلة الفلسطينية الصغيرة ونخفّف من قسوة البوتقة المريعة التي وضعت فيها، لن يضيرك ولن يضير أيّ فلسطينيّ أن يخفّف عن أخيه شيئا من هذه الأوزار التي يريد لنا الاحتلال أن نحملها


أخي ماجد فرج، ما زال بين الفلسطيني والفلسطيني من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وما يسع فلسطين كل فلسطين بجهاتها الست، بما فيها ما تحت الأرض التي تحوي من سبقونا، وما فوق الأرض في معراج الشهداء الصاعد إلى السماء والذي لم ولن يتوقّف أبدا.. مشتركات كثيرة ما زالت تجمعنا رغما عن أنوفنا، شئنا أم أبينا، أهم هذه المشتركات الإنسان الفلسطيني الذي يسكننا في أعماقنا بكلّ محتوياته الجميلة، وهذه تفوق ما يفرّقنا وما يريده الاحتلال منا بكثير.

بدوري أضع يدي مع يد فاطمة لهزّ النخوة الفلسطينية من جديد علّنا نجد رطبا جنيّا، علّنا نفرّج كرب هذه العائلة الفلسطينية الصغيرة ونخفّف من قسوة البوتقة المريعة التي وضعت فيها، لن يضيرك ولن يضير أيّ فلسطينيّ أن يخفّف عن أخيه شيئا من هذه الأوزار التي يريد لنا الاحتلال أن نحملها.

أنا كلّي أمل ولن أفقد الأمل ما زالت فلسطين شاهدة علينا، وهي التي فوقنا جميعا، وهي التي تجتمع معنا يوم يقوم الأشهاد عند رب العباد، لأننا على أرضها نعيش وهي محطّ اختبارنا وهي الشاهدة والمشهودة، وهي التي ستضمنا نهاية المطاف لتحتفظ بنا إلى يوم يبعث من في القبور.

أملي وتوقّعي أن يُسارع في الإفراج عن أحمد ومن معه، عسى الله أن يعيد لنا بعض المودّة التي كانت أيام انتفاضتنا، وأتمنّى أن لا يقال لي "كالمستجير من الرمضاء بالنار".