يبدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس، زيارة رسمية إلى الجزائر تستمر ثلاثة أيام، تسيطر عليها "ملفات الذاكرة" والحرب في أوكرانيا والغاز الجزائري، والتأشيرات، وأمن الحدود البحرية، والساحل الأفريقي.
ومنذ الحملة الانتخابية التي قادته إلى الإليزيه لأول مرة عام 2017، سوّق ماكرون نفسه على أنه وُلد بعد حرب استقلال الجزائر، معتبرا الاستعمار الفرنسي للبلد الأفريقي "جريمة ضد الإنسانية"، وقد ضاعف مذاك مبادراته في "ملف الذاكرة".
وملفات الذاكرة متعلقة بفترة الاستعمار الفرنسي، ومتعقلة بمواصلة استرجاع جماجم الشهداء، وملف المفقودين، واسترجاع الأرشيف، وتعويض ضحايا التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية.
في المقابل، رفضت الجزائر كل الخطابات التي قدمها ماكرون معربة عن أسفها، لأن الرئيس الفرنسي لم يقدم اعتذارا على 132 عاماً من الاستعمار الفرنسي.
اقرأ أيضا: الإليزيه يؤكد زيارة ماكرون للجزائر قريبا "لإحياء العلاقات"
وخلال الأشهر الماضية، أثار ماكرون جدلا واسعا حينما اعتبر أن السلطات الجزائرية أنشأت "ريعا لذاكرة" حرب الاستقلال للحفاظ على شرعيتها، مشككا في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار.
وتسببت تصريحات ماكرون في أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين البلدين، حيث قررت الجزائر وقف اعتماد سفيرها في باريس، وغلق مجالها الجوي أمام الطيران العسكري الفرنسي.
وتلقي هذه المسألة بثقلها أيضا على السياسات الداخلية على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، إذ إن هناك سبعة ملايين فرنسي مرتبطين بالجزائر بطريقة أو بأخرى.
ذاكرة صامتة
وعن الزيارة، قالت صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية، إن الزيارة ستكون صامتة حينما يذهب ماكرون إلى الجزائر الخميس، في إشارة إلى جرائم فرنسا إبان فترة الاستعمار.
وأشارت الصحيفة إلى أن ماكرون تكلّم كثيرا خلال فترة ولايته الأولى عن الجزائر، مشيرة إلى أنه تحدث "باسم الدولة" عن جرائم الجيش الفرنسي في الجزائر العاصمة أو جرائم الشرطة في موريشيوس، 17 تشرين الأول/ أكتوبر 1961.
وقالت إن الجزائر لم تمسك باليد الممدودة لماكرون الذي طلب الصفح من المقاومين الجزائريين، ورفع السرية عن الأرشيف المحمي بسرية الدفاع، وأطلق مشروع متحف تاريخ فرنسا والجزائر في مونبلييه.
وبالتالي، لن توضع رحلة إيمانويل ماكرون إلى الجزائر العاصمة ووهران، من الخميس إلى السبت، تحت علامة سياسة إحياء الذكرى، بحسب الصحيفة.
اقرأ أيضا: ماكرون في الجزائر بين إرث الماضي وضغوط الحاضر
ونقلت الصحيفة عن أحد مستشاري ماكرون قوله، إنه بمجرد وصوله إلى العاصمة، سيذهب الرئيس الفرنسي إلى نصب الشهداء، وهو أمر لا بد منه لأي رئيس دولة، ويجب عليه زيارة ما يسمى مقبرة سان يوجين الأوروبية في صباح اليوم التالي، مثل جاك شيراك وفرانسوا هولاند قبله.
ومن المنتظر أن يصل يوم السبت إلى كنيسة سانتا كروز على مرتفعات وهران بصحبة رئيس أساقفة الجزائر العاصمة.
أما على الجانب الجزائري، فقالت الصحيفة إنه ستتم بالتأكيد معالجة مسألة حصص إصدار التأشيرات من قبل فرنسا. وفي العام الماضي، خفضت باريس عدد التأشيرات الممنوحة إلى النصف، لدفع السلطات لقبول عودة الجزائريين الموجودين في وضع غير نظامي في انتظار الترحيل.
وفي هذا الصدد، تشير الرئاسة الفرنسية إلى "تحسن الوضع".
الغاز الجزائري
من جهتها، اعتبرت صحيفة "لوباريزيان" أن المصالحة مع الجزائر خلال هذه الفترة تعد خطوة استراتيجية، في سياق نقص الطاقة المرتبط بالحرب في أوكرانيا، إلا أنه لن يكون هناك شيء بسيط.
وبرّرت الصحيفة هذا الموقف باعتبار أن الجزائر واحدة من أكبر عشرة منتجين للغاز في العالم، إلا أن كثرة الملفات الأخرى قد يدفع بماكرون إلى عدم جعل الطاقة محور الزيارة.
وقالت الصحيفة إنه مع حلول فصل الشتاء، سيبحث ماكرون عن الغاز في الجزائر.
ورغم وجود عقود طويلة الأمد بين الجزائر وفرنسا في مجال الطاقة، فإن كل هذا لا معنى له بحسب الصحيفة.
ومع ذلك، تبقى هذه القضية الحاسمة في أذهان الجميع، لأنه في الوقت الذي يتعجل فيه الأوروبيون للتخلص من الاعتماد على الغاز الروسي، فإن الجزائر، أحد أكبر عشرة منتجين في العالم، هي مُحاور مرغوب فيه بشدة، وفق الصحيفة.
وتساءلت "لوباريزيان" قائلة: "ألم تصبح الجزائر في الأشهر الأخيرة المورد الرئيسي للغاز في إيطاليا؟".
وفي سياق نقص الطاقة، فإن تحسين العلاقات مع الجزائر هو أمر أكثر استراتيجية. ومع ذلك، فإن الإليزيه لا تريد أن تجعلها موضوع الزيارة الرسمية باعتبار وجود ملفات أخرى مثل الذاكرة وأمن الساحل الأفريقي والهجرة.
تصاريح السفر
أما صحيفة "ماريان"، فقالت إن زيارة ماكرون إلى الجزائر تهدف إلى الانتقال بالعلاقات بين البلدين إلى المستقبل، لكن لن يتمكن الإليزيه من الهروب من الموضوعات التي ساهمت في تفاقم الأزمة الدبلوماسية بين البلدين.
وبالتالي، فإن مسألة التصاريح القنصلية التي تسمح بطرد الجزائريين غير الشرعيين ومسألة عدد التأشيرات التي تمنحها فرنسا، يجب أن يتم تناولها خلال هذه الأيام الثلاثة.
وينطبق الشيء ذاته على مسألة الذاكرة الجماعية التي ينبغي معالجتها بين رئيسي الدولتين، بينما تم الاحتفال هذا العام بالذكرى الستين لاتفاقيات إيفيان، بحسب الصحيفة.
واتفاقيات إيفيان وقعت في عام 1962، سمحت هذه الاتفاقيات باعلان وقف اطلاق النار ووضع حد لحرب الجزائر
وأشارت الصحيفة إلى تصريحات زعيم الحزب الجزائري لحركة مجتمع السلم "حمس" الذي أعرب عن أسفه لوجود حاخام فرنسا الأكبر حاييم كورسية في الوفد الفرنسي، لأنه يرى في وصول حاييم كورسيا محاولة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وأضافت: "ليطمئن عبد الرزاق مقري، لن يكون الحاخام الأكبر لفرنسا هو الوحيد الذي سيشكل الوفد الرسمي. وسيرافق إيمانويل ماكرون ما يقرب من مئة شخص بمن فيهم رواد أعمال شباب وشركات ناشئة فرنسية جزائرية وبرلمانيون ورؤساء مجموعات كبيرة وفنانون".
وبحسب معلومات الصحيفة، فإن المتخصص في الإسلام جيل كيبيل والوزير السابق جان بيير شيفينمنت، المشهورين في الجزائر، من المفترض أن يكونا ضمن الوفد الفرنسي، لتختتم بالقول: "بقي أن نرى ما إذا كان هذا سيكون كافيا لتخفيف التوترات مع الجزائر".
WP: هذه تفاصيل اجتماعات قادة دول غربية قبل حرب أوكرانيا
"لاكروا": إعادة تأهيل ابن سلمان بعد مقتل خاشقجي مستمرة