لم يمُرّ الأسبوع الأخير من العطلة الصيفية هادئا في تونس، فقد تميّز بتوسّع أزمة التزويد بالمواد الأساسية والمحروقات، بشكل بات يُنذر بتوقّف المرافق الخدمية والصناعية في البلاد، فضلا عن تواصل الانقسام السياسي وسط عجز كُلّي لمختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، سلطة ومعارضة، على التوصّل إلى "أرضية لقاء وطني" تُمكّن من إطلاق مؤتمر وطني للإنقاذ، وانضاف إلى كل ذلك تحوّل قمّة تيكاد 8، إلى فرصة مهدورة أخرى بسبب ما خلقته من أزمة دبلوماسية مع المغرب الأقصى.
1 ـ شحّ في الطاقة وفقدان المواد
طوابير طويلة من السيارات والشاحنات الثقيلة والخفيفة أمام بعض محطات بيع المحروقات. ومحطات أخرى وضعت على مداخلها لافتات كبيرة تُعلمُ الحرفاء بنفاذ المخزون. ووسط حركة كثيفة نهاية الصيف، يبلغ التبرّم أقصاه، وتنشبُ معارك بين الحرفاء الذين يتدافعون للحصول على حصص بنزين للسيارات، مما اضطر محطات التزويد إلى تسقيف الحصص في حدود الـ 50 دينارا للسيارة أو الشاحنة الواحدة، وهو ما يعادل أقل من 16 دولارا. وتُسيطر الحيرة على أغلب التونسيين خاصة وأن العودة المدرسية وعودة الموظفين من إجازاتهم باتت قريبة، وهناك مخاطر حقيقية قد تطال قطاعات واسعة من نشاطات تجارية وصناعية مختلفة، قد تضرب في العمق مسالك التوزيع والفلاحة والصناعة.
وينقسم التونسيون ـ كعادتهم ـ في تفسير ظاهرة شحّ محطات الوقود، ففي الوقت الذي يكتفي فيه الرئيس وأنصاره بردّ الأمر لوجود "متآمرين/ محتكرين" أو بسبب الحرب الروسية الاوكرانية، يبدو المعارضين أكثر وضوحا. فقد ارجع كاتب عام جامعة النفط والطاقة الأمر إلى تراجع شراءات الدولة التونسية، وبيّن ممثل شركات موزعي البنزين أن الأمر ليس متعلقا بهم بل بمشاكل التزويد، وهناك أخبار متواترة تقول إن البلاد قد تدخل مرحلة "شحّ حقيقي" بعد أسابيع قليلة، خاصة أن المخزونات الاستراتيجية يتم استهلاكها.
مع مشكلة البنزين طفى على السطح مشكل لا يقلّ أهمية، وهو نفاذ مادة السكر من الأسواق، ولئن تعوّد المستهلك التونسي على نقص هذه المادة منذ فترة طويلة، فإن الجديد هو عجز مصانع البسكويت والحلويات والمشروبات الغازية على مواصلة عملها بسبب نفاذ مخزونات السكر وغياب تزويد السوق بها. أمر اجبر مصانع كبرى على غلق أبوابها وتسريح عمالها، الذين تظاهروا في أكثر من مكان واغلقوا بعض الطرقات.
كما اأغلقت مقاهي كثيرة أبوابها بسبب انعدام تزويد السوق بالقهوة، وأكد ممثل غرفة المقاهي أن أكثر من 120 مقهى أغلقت أبوابها في مدينة صفاقس كبرى المدن الصناعية بالبلاد.
ويتواصل مع ذلك نقص المواد الأساسية إذ لم يتم تزويد السوق منذ اشهر طويلة بالزيت النباتي المدعوم، فيما ارتفعت أسعاره في السوق، وهو نفس الأمر مع باقي المواد الغذائية وارتفاع الأسعار في مواد البناء ما يهدّد القطاع العقاري بالانهيار، شأنه شأن قطاع الفلاحة حيث تنعدم الأسمدة والادوية وسط موجة جفاف تؤثر بشكل كبير على مياه الري.
2 ـ قمة تيكاد.. فرصة أخرى
تحتضن تونس نهاية هذا الأسبوع قمة تيكاد 8، التي تضم اليابان وبلدان أفريقيا، وقد اشتغلت الآلة الدعائية لقيس سعيد لابراز هذه القمة باعتبارها دليلا على كون "نظامه" ليس في عزلة دولية كما تدعي المعارضة. بل إن الرئيس نفسه عرّج على ذلك في كلمته التي ذكرها للوفد الأمريكي ونشرته الصفحة الرسمية للرئاسة على موقع الفايسبوك. ولا يخفى على أحد أن وفد الكونغرس الأمريكي الذي ضم أعضاء لجنة المساعدات الخارجية، جاء في هذا التوقيت لتقييم موقف الكونغرس من الرئيس التونسي، وتحديد ما إذا كانت الولايات المتحدة ستواصل دعمها "للتجربة التونسية" أم لا. وقد رشحت أخبار إثر هذه الزيارة تقول إن أمريكا أوقفت مساعدات لتونس بقيمة 500 مليون دولار.
إن حالة الإنكار الداخلية والارتجال في السياسات الداخلية وغياب أي تصور لسياسات اقتصادية يأتي في وقت يضغط فيه صندوق النقد من أجل فرض "اصلاحات" مؤلمة ليس اقلها رفع دعم المواد الأساسية والوقود وبيع المؤسسات والشركات العمومية وهي إصلاحات أن تمّت، ستكون لها تأثيرات خطيرة على الاوضاع في تونس.
ومع ارتفاع الأصوات الغربية الداعية إلى ضرورة المسارعة باستكمال بناء مؤسسات ديمقراطية منتخبة، على قاعدة قانون انتخابي دامج لكل القوى السياسية والأحزاب، وضرورة عقد حوار وطني شامل للأحزاب والمجتمع المدني، وجد الرئيس في هذه القمة "جرعة اكسيجين". لكن حدثين كبيرين نغّصا عليه هذا الحفل.
فقد تعذّر على رئيس الوزراء الياباني الحضور، بسبب إصابته بفيروس كورونا، غياب رغم كونه مُبرّرا ومفهوما له تأثير كبير على "أهمية القمة" رمزيا على الأقل. ولكن الازمة الثانية التي اندلعت عشية القمة هي الأخطر. إذ لم يكتف الرئيس بدعوة ما يسمّى برئيس جمهورية الصحراء الغربية فقط، بل قام باستقباله في المطار، وهي خطوة سرعان ما أثارت حفيظة المملكة المغربية، التي اعتبرتها "اعتداء على سيادتها" وأعلنت مقاطعتها القمة بل واستدعت سفيرها على عجل. مقاطعة المملكة المغربية رافقتها حملة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث شن المغاربة حملة على تونس، متهمين إياها بكونها تحت النفوذ الجزائري.
غياب المغرب لن يكون كاملا، حيث تنعقد القمة في حضرة "الملك محمد الخامس" حيث يقع قصر المؤتمرات في أكبر شوارع تونس والذي يحمل اسمه. ويعتقد الكثير من المراقبين أن الخطوة التي أقدم عليها الرئيس التونسي ستكون لها تداعيات كبيرة على العلاقات في المنطقة، خصوصا مع المغرب وحلفائه.
خاتمة
يبدو الرئيس التونسي في وضعية لا يُحسد عليها. وتزداد الأزمات المركبة التي تضرب تونس حدّة. وتكاد منظومات الإنتاج والتوزيع التي كثيرا ما كانت من مفاخر دولة الاستقلال تنهار بفعل غياب الرؤية الواضحة لدى حكومة سعيّد وغياب الكفاءة في التسيير، لذلك فإن إنتاج وتوزيع اللحوم واللحوم البيضاء والحليب والبيض والبطاطس على وشك الانهيار وهو ما يُنذر بكارثة حقيقية. ولكن الرئيس و"صحبه" لا يرون الكوارث المحدقة بالبلاد، إذ يكتفي الرئيس في كل مرّة بإلقاء التهم على "متآمرين" ومحتكرين يعملون على التنكيل بالتونسيين ومنع تزويد السوق بالبضائع، والحال أنه يحكم في كل شيء دون معارضة، ويتحكم عبر الحكومة في توزيع كل هذه المواد.
إن حالة الإنكار الداخلية والارتجال في السياسات الداخلية وغياب أي تصور لسياسات اقتصادية يأتي في وقت يضغط فيه صندوق النقد من أجل فرض "إصلاحات" مؤلمة ليس أقلها رفع دعم المواد الأساسية والوقود وبيع المؤسسات والشركات العمومية وهي إصلاحات إن تمّت فستكون لها تأثيرات خطيرة على الأوضاع في تونس.
"دولة الجكليتة" و"كرة الفشل" ومستقبل العراق!
ما حقيقة الموقف الدولي من "الجمهورية الجديدة" في تونس؟
قيس سعيد.. المُخلّص يبحثُ خلاصًا