مدونات

تجليات عزرا في بابل

محمد سرسك: سوف نخطّ بعبقريتنا طريق عودتنا. لن نؤمن بالمعجزات، فالسحر أقوى من الخيال.

بابل يا رجع الناي في أرض الشر (شنعار). تخلّى الربّ عنّا، ونقم فساقنا إليكِ خائفين مهطعين ممدودة رؤوسنا، ثم دنت وجوهنا من التراب. يطاردنا الشقاء من أول الخروج، ولا دعة تواسينا.

الإله يجترح المعجزات بين أيدينا، يشقّ البحر فنمشي إلى أرض الخلاص، لكننا لم نصل، فقد زاغت أبصارنا لما رأينا العجل من ذهب وقد أطلق الخوار. حارت عقولنا، ثم هوت إليه قلوبنا. نعم.. من يملك النعمة هو الإله، والذهب أكبر النعم، والناس جميعا ضعفاء أمام بريقه المثير.

طال المقام بموسى حتى كدنا ننساه، والربّ غاب وتناءى عن أنظارنا، والنفس تأنس لما تراه، ونحن رأينا الإله مُرعداً ومتوهجاً يأتلق. ليست "قبضة من أثر الرسول" هي من تبعث الحياة في عِجلنا، فهذا السامري دليلنا وسيدنا. ألقِ ألواحك أو حطّمها كيف تشاء، فلنا الآن ما نعبد.

ثم ضللنا الطريق. حاصرتنا الصحراء. جفّت جلودنا، والتهبت رؤوسنا، وخوت أمعاؤنا، والربّ نظر إلينا بلا رحمة، فكيف ندعوه؟!

 

أقبل هاروت وماروت مدجّجين بالتعاويذ علَّهم يثنون غضبنا ويوقفون نقمتنا، لكن هيهات، فنحن قد ألفنا المعجزات، وأرهقنا الكهنة وأخفينا التابوت المقدس في صحاري غربتنا، وعند اللقاء نرفعه في وجوه أعدائنا فنهزمهم، ويضطجعون إلى مضارجهم.

 



كيف نحمل التوراة في تيهنا؟ أبيْنا فقد كان التيه مُرّاً، والرحلة القاسية أجدبت قلوبنا، والرمل يضمّخ أنوفنا ويُرمد عيوننا، فماذا فعل الرب؟ نتق الطور فوق رؤوسنا فرأيناه كغيمة عظيمة فوقنا، فسجدنا وأعيننا مصوّبة إليه وقلوبنا واجفة منه، فأطعنا الربّ وحملنا كتابه كي لا نموت أو نُسحق.

في أرض كنعان حطّت رحالنا. نفضنا تراب التيه عن أسمالنا. "كل مكان تطؤه أخامص أرجلكم أعطيته لكم". هكذا قال الرب ولسليمان جنود كثر، بنت الجن مدائننا وتماثيلنا، وغصّت بالذهب والفضة معابدنا، وطغى الظل في كرومنا، وتسامقت سنابلنا وتمايل نخيلنا. هذا وعد الرب، فاهنئي يا قلوب، فكل الخلائق خدم لنا.

ثم نقمت علينا ثانية!
فسقتنا إلى تل أبيب التي في بلاد بابل.
لماذا أدميت أحلامنا، وأحرقت سنابلنا، وحطمت معابدنا؟

عشتار يحمي شعبه، وبابل تداعب حدائقها وتعلّقها. سوف نخطّ بعبقريتنا طريق عودتنا. لن نؤمن بالمعجزات، فالسحر أقوى من الخيال. السحر كان من شقّ البحر، وبنى المعابد والمدائن، وبعث لنا عجلاً من الذهب. طفقنا نفكّ أسراره، وعرفنا كيف نطرد "ليليث البابلية" من أجسادنا، وسخرنا الشَّياطين حتى تفك أسرنا، ونهزم بابل ثم نحرقها.

أقبل هاروت وماروت مدجّجين بالتعاويذ علَّهم يثنون غضبنا ويوقفون نقمتنا، لكن هيهات، فنحن قد ألفنا المعجزات، وأرهقنا الكهنة وأخفينا التابوت المقدس في صحاري غربتنا، وعند اللقاء نرفعه في وجوه أعدائنا فنهزمهم، ويضطجعون إلى مضارجهم. لن تكون جنّتنا على أرض كنعان ـ التي بادت ـ بعيدة بعد اليوم، فوعد الربّ سوف ندركه بأيدينا.