نشرت
صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للصحفي بيتر بينارت، حمل عنوان: هل تاه
النضال ضد معاداة السامية عن السبيل؟
وأشار
الكاتب في مقال ترجمته "عربي21"، إلى إنه على مدى الثمانية عشر شهراً
الماضية، أقدمت أبرز المنظمات اليهودية الأمريكية على فعل شيء غير عادي، وذلك
بتوجيه الاتهام لمنظمات حقوق الإنسان الرائدة في العالم بأنها تروج الكراهية ضد
اليهود.
وفيما
يلي النص الكامل للمقال:
في
شهر نيسان / أبريل الماضي، وبعد أن أصدرت منظمة هيومان رايتس واتش تقريراً اتهمت
فيه إسرائيل بارتكاب جرائم فصل عنصري وجرائم اضطهاد وتنكيل، زعمت اللجنة اليهودية
الأمريكية أن الحجج التي أوردتها المنظمة في تقريرها تقترب من معاداة السامية. وفي
كانون الثاني/ يناير، بعد أن أصدرت منظمة العفو الدولية دراستها حول المزاعم
بممارسة إسرائيل للفصل العنصري، تنبأت رابطة مناهضة التشهير بأن ذلك التقرير سوف
يؤدي على الأغلب إلى تكريس المعاداة للسامية. ثم أصدرت كل من اللجنة اليهودية الأمريكية
ورابطة مناهضة التشهير ومعها أربع مجموعات يهودية أمريكية أخرى معروفة بياناً لم
يكتف باتهام التقرير بالانحياز وعدم تحري الدقة، وإنما زعم أيضاً أن تقرير منظمة
العفو الدولية يغذي أولئك المعادين للسامية حول العالم والذين يسعون لتقويض البلد
اليهودي الوحيد على وجه الأرض.
كثيراً
ما يسعى المدافعون عن الحكومات القمعية إلى النيل من صدقية جماعات حقوق الإنسان
التي تنتقد تلك الحكومات. قبل شهر من توجيه اللجنة اليهودية الأمريكية اتهامها
لمنظمة هيومان رايتس واتش بمغازلة المعادين للسامية، اتهمتها صحيفة الحزب الشيوعي الصيني
"غلوبال تايمز" بمعاداة الصين. وفي عام 2019، اتهم الناطق باسم الحكومة
الإيرانية منظمة العفو الدولية بالتحيز ضد بلاده. لم يعد مستغرباً في هذه الحقبة
التي تتصاعد فيها السلطوية أن تواجه الجماعات التي تراقب أوضاع حقوق الإنسان
مزيداً من الهجمات. وإنما المدهش حقاً هو أن تشارك في هذه الهجمات الجماعات
اليهودية الأكثر نفوذاً داخل الولايات المتحدة.
فعلى
مدى القرن العشرين، لم تلبث المنظمات اليهودية الأمريكية الرائدة تقول إن النضال
ضد معاداة السامية والنضال في سبيل حقوق الإنسان العالمية أمران متضافران. في عام
1913، عندما تأسست رابطة مناهضة التشهير بهدف وقف التشهير الذي يمارس ضد الشعب
اليهودي، أعلنت الرابطة أن الغاية النهائية من وجودها هي ضمان العدالة والمعاملة
النزيهة لكافة المواطنين. وفي عام 1956، أعلن الحاخام إسرائيل غولدستين، رئيس
المؤتمر اليهودي الأمريكي – المنظمة اليهودية التي تأسست في عام 1918، أنه يدعم
الحقوق المدنية مبيناً أن منظمته "سوف تعمل ضد أي شر يمارس ضد أي إنسان آخر
بنفس الالتزام والقوة كما لو كنا نحن أنفسنا الضحايا."
يقول
المؤرخ بيتر نوفيك إنه بعد الحرب العالمية الثانية، ناضلت المنظمات اليهودية الأمريكية
ضد الفصل لأنها كانت تؤمن بأن التحامل والتمييز شر مطلق ولهذا فإن المجموعات
اليهودية بإمكانها خدمة قضية الدفاع عن اليهود وكذلك مهاجمة التحامل والتمييز ضد
السود، لأنها تكون بذلك قد واجهت معاداة السامية بشكل مباشر.
اقرأ أيضا: صمود الفلسطينيين بغزة والمفارقة التي أرهقت عقل الاحتلال
على
الرغم من دعم المنظمات اليهودية الرائدة في الولايات المتحدة حق إسرائيل في
الوجود، إلا أن ذلك لم يكن مركزياً بالنسبة لعملها في منتصف القرن العشرين. وعندما
غدت تركز على إسرائيل، لطالما سعت إلى حملها على انتهاج سلوك ينسجم مع غايات
الديمقراطية الليبرالية بعمومها. وكثيراً ما كانت اللجنة اليهودية الأمريكية تنتقد
إسرائيل لتمييزها ضد مواطنيها من الفلسطينيين العرب. في عام 1960، بين رئيس لجنة
إسرائيل داخل المجموعة بأنها ترجو أن يتم استئصال "الممارسات والتصرفات
المعادية للديمقراطية" داخل الدولة اليهودية، وبذلك تتمكن من المنظمة من
إثبات صدقيتها عندما تتحدث عن مبادئ حقوق الإنسان وعن الممارسات داخل الولايات
المتحدة وخارجها.
بدأ
ذلك يتغير بعد حرب عام 1967، حينما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة وباتت
تجثم على صدور ما يزيد عن مليون فلسطيني، الأمر الذي أثار حنق اليساريين في
الولايات المتحدة وحول العالم على الدولة اليهودية. في نفس الوقت كان الاندماج
يؤدي بكثير من اليهود الأمريكيين التقدميين إلى الخروج من الحياة اليهودية
المنظمة، الأمر الذي خلف مجموعات يهودية يغلب على قاعدتها الانتماء إلى تيار
المحافظين، وهؤلاء راحوا يبحثون عن أجندة جديدة بعد أن غدت الحقوق المدنية للسود
الأمريكيين تشريعاً.
كانت
النتيجة تحولاً أيديولوجياً. ففي عام 1974، ألف اثنان من زعماء رابطة مناهضة
التشهير كتاباً زعموا فيه أن اليهود باتوا وبشكل متزايد عرضة لنمط جديد من معاداة
السامية، موجه ليس ضد الأفراد اليهود وإنما ضد الدولة اليهودية. بعد مرور ما يقرب
من نصف قرن، باتت هذه الفرضية مهيمنة على الحياة اليهودية الأمريكية المنظمة ضمن
التيار العام.
وإلى
حد كبير نتيجة للضغوط التي تمارسها المنظمات الصهيونية، تبنت الحكومة الأمريكية
تلك الفرضية أيضاً، حتى باتت وزارة الخارجية الآن تستخدم تعريفاً لمعاداة السامية
يشتمل ضمن الأمثلة التي يلجأ إليها على معارضة وجود إسرائيل كدولة يهودية. وهذا
العام صادق مجلس الشيوخ على تنصيب ديبورا ليبستادت – المؤرخة التي ذاع صيتها في
الكفاح ضد إنكار المحرقة – مبعوثة خاصة لإدارة بايدن مهمتها رصد ومحاربة معاداة السامية،
وهي التي نقل عنها القول إن "استمرار إسرائيل في احتلال الضفة الغربية يسبب
مشكلة"، ولكن حينما سئلت في جلسة تنصيبها عن تقرير منظمة العفو الدولية الذي
اتهم إسرائيل بممارسة الفصل العنصري، زعمت أن لغة التقرير كانت "جزءاً من
مسعى أكبر لنزع الشرعية عن الدولة اليهودية" وهو لذلك "يسمم الأجواء،
وبشكل خاص بالنسبة للطلبة اليهود" داخل الجامعات. في عام 2018، حاول العديد
من أعضاء الكنيست الفلسطينيين اقتراح تشريع يمنح الفلسطينيين حقوق مواطنة متساوية
بديلاً عما أطلقت عليه منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بيتسيليم "التفوق
اليهودي". إلا أن مثل هذه المطالبة بالمساواة في حقوق المواطنة اعتبرت من
وجهة نظر بعض أبرز المنظمات اليهودية وكذلك من قبل الحكومة الأمريكية نوعاً من
التعصب.
والآن،
أما وقد صار كل تحد للدولة اليهودية يقابل بالاتهام بالتعصب ضد اليهود، فقد حولت
المنظمات اليهودية الأمريكية البارزة وحلفاؤها داخل الحكومة الأمريكية النضال ضد
معاداة السامية إلى وسيلة ليس من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان وإنما من أجل
إنكارها. فمعظم الفلسطينيين يعيشون كمواطنين من الدرجة الثانية داخل إسرائيل أو
بدون حقوق مواطنة على الإطلاق داخل المناطق التي احتلتها إسرائيل في عام 1967 أو
يعيشون خارج حدود إسرائيل لأنهم هم أو ذراريهم طردوا أو لاذوا بالفرار ولم يسمح
لهم بالعودة. ولكن بموجب تعريف معاداة السامية الذي تروج له رابطة مناهضة التشهير
واللجنة اليهودية الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية، يغدو الفلسطينيون معادين
للسامية فيما لو طالبوا باستبدال الدولة التي تحابي اليهود بدولة لا تميز بين
مواطنيها على أساس عرقي أو ديني.
إلا
أن الحملة ضد معاداة السامية باتت سيفاً يشهر لتبرير ليس فقط انتهاك حقوق
الفلسطينيين الإنسانية. فمع الدفء الذي سرى في العلاقات بين إسرائيل وممالك الخليج
الفارسي، ها هم المسؤولون الأمريكيون يستخدمون النضال ضد معاداة السامية في حماية
تلك الأنظمة من الضغوط التي تمارس عليها في مجال حقوق الإنسان أيضاً. على سبيل
المثال، التقت السيدة ليبستادت في شهر حزيران / يونيو بالسفير السعودي في واشنطن
واحتفت بما قالت إنه "غاياتنا المشتركة للتغلب على انعدام التسامح
والكراهية." ومن هناك سافرت جواً إلى المملكة العربية السعودية حيث التقت
فيها بوزير الشؤون الإسلامية وأكدت، تارة أخرى، على "أهدافنا المشتركة لنشر
التسامح ومكافحة الكراهية." وفي الإمارات العربية المتحدة جلست مع وزير
خارجية البلاد، الذي وصفته بأنه "شريك مخلص في أهدافنا المشتركة" – وكما
خمنتم – "لنشر التسامح ومحاربة الكراهية."
اقرأ أيضا: خبير أممي يعتذر عن تصريحات "معادية للسامية" بعد هجوم إسرائيلي
هذا
كلام فارغ. فطبقاً لتقرير صدر هذا العام عن "فريدام هاوس"، وهو مركز
أبحاث متخصص في حقوق الإنسان يمول إلى حد كبير من قبل الحكومة الأمريكية، فإن
المملكة العربية السعودية أكثر قهراً وقمعاً من إيران، بينما الإمارات العربية
المتحدة أكثر قهراً وقمعاً من روسيا. وعلى الرغم من أن السيدة ليبستادت أعلنت أن
زياراتها للرياض ولأبوظبي "أثلجت صدرها لما رأته من تغييرات جارية في أجزاء
من الشرق الأوسط"، إلا أن البلدين، طبقاً لتقرير "فريدام هاوس"
باتا اليوم أكثر قهراً وقمعاً مما كانا عليه في عام 2017. بعد أقل من شهرين من
إشادتها بتسامح النظام الملكي السعودي، أصدر النظام على واحدة من أعضاء الأقلية
الشيعية المضطهدة في البلاد حكماً بالسجن لأربعة وثلاثين عاماً لمجرد أنها مارست
عبر تويتر انتقاداً للحكومة.
وحينما
يتعلق الأمر بشعوبهم التي لا تتمتع بأي حقوق سياسية، فإن المملكة العربية السعودية
والإمارات العربية المتحدة لا تكاد تضاهى في عدم تسامحها. كل ما تغير هو أنهم
أصبحوا متسامحين مع القهر الإسرائيلي للفلسطينيين. ونظراً لأن المسؤولين من مثل
السيدة ليبستادت يرون أن الحرب ضد معاداة السامية هي من حيث الجوهر نضال من أجل تثبيت
شرعية إسرائيل، فإنهم يسعون إلى تثبيت شرعية حلفائها من الطغاة العرب أيضاً.
قد
يتحجج المدافعون عن السيدة ليبستادت بأن اليهود لا يملكون رفاهية اختيار الأصدقاء.
ففي عالم مازالت معاداة السامية فيه واقعاً مرعباً، يتوجب علينا فقط الاهتمام
بشؤوننا. قد يكون ذلك صحيحاً في الحالات ذات الخطورة البالغة. ولكن كثيراً من
الزعماء اليهود الأمريكيين السابقين أدركوا أنه ينبغي أن يكون ذلك هو الاستثناء.
ولكن كقاعدة أساسية، كانوا يعتقدون بأنه يتوجب على اليهود النضال من أجل ضمان
معاملة متساوية لأنفسهم كجزء من السعي الأشمل لضمان ذلك للآخرين.
قد
يبدو البديل الحالي – أي استخدام النضال ضد معاداة السامية للدفاع عن إسرائيل وعن
حلفائها – ضرباً من الذكاء. ولكنه على المدى البعيد حماقة بالغة. فالفلسطينيون لن
يزدادوا تسامحاً مع ايهود طالما أن الدولة اليهودية تنكل بهم. والسعوديون والإماراتيون
لن يزدادوا تسامحاً مع اليهود عندما تساعد إسرائيل حكوماتهم على التنكيل بهم.
كجزء
من التقارب بين القدس والرياض وأبوظبي، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية أجازت لشركات
التقنية العالية بيع الحكومتين السعودية والإماراتية برامج تجسس يتم استخدامها
لتتبع وسجن المعارضين. وقد يساعد ذلك في فهم لماذا تشير استطلاعات رأي أجريت
مؤخراً إلى أن أكثر من 70 بالمائة من السعوديين والإماراتيين يعارضون التطبيع
الدبلوماسي مع إسرائيل. مما يجدر ذكره في هذا الصدد أن كثيراً من العرب، وعلى مدى
عقود، كرهوا الولايات المتحدة ونقموا عليها بسبب ما توفره من حماية وتمكين للحكام
المستبدين. ولن يعود بالخير على الانسجام العربي اليهودي أن تحل الدولة اليهودية
محل الولايات المتحدة في لعب ذلك الدور الكريه.
وفي
مفارقة رهيبة، غدت الحملة ضد معاداة السامية، بالشكل الذي تشن به من قبل الجماعات
اليهودية المتنفذة ومن قبل الحكومة الأمريكية، مصدر تهديد للحرية. فها هي تتحول
إلى سيف يشهر في وجه أرقى منظمات حقوق الإنسان في العالم وإلى درع تحتمي وراءه بعض
أكثر الأنظمة قمعاً في العالم. نحتاج إلى نضال من نوع آخر ضد معاداة السامية.
فالمطلوب هو السعي من أجل المساواة اليهودية وليس التفوق اليهودي، وأن تكون قضية
الحقوق اليهودية في الصميم من حركة حقوق الإنسان لجميع البشر. من خلال مساعيها
للدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه في إسرائيل، تتخلى المؤسسة اليهودية الأمريكية عن
تلك المبادئ. ولقد حان الوقت لأن يعاد التأكيد على التمسك بها.
"CIA" تفشل بإيجاد مبرر لاستهداف إسرائيل منظمات فلسطينية
انتقاد إسرائيلي لموقف لابيد من اتفاق النووي.. مزاعمه غريبة
انترسيبت: إدارة بايدن تتجاهل مطالب تحقيق العدالة لأبو عاقلة