"اصبروا وسترون العَجب العُجاب".. "في تلاتين ستة عشرين عشرين هتشوفوا مصر تانية خالص".. "مصر أم الدنيا وهتبقى أد الدنيا".. "وبُكْرَه تشوفوا مصر"!
مقولات "مأثورة" عن طبيب الفلاسفة، صاحب الرؤى، والساعة الأوميجا، والسيف المخضب بالدماء، الذي أعطاه الله البركة، وفهَّمَه كما فهَّمَ النبي سليمان (عليه السلام) من قبل! ولِمَ لا وقد ألبسه "ترزي
الفتاوى" سعد الدين الهلالي عباءة النبوَّة، في لحظة استحوذ فيها عليه الشيطان!
هل كان طبيب الفلاسفة الشهير بـ "ياسر جلال" يتوعد المصريين، أم كان يُخدِّرهم، أم كان يستهزئ بهم، أم كل هذا؟!
في المحصلة، وأيًّا كان الأمر.. شوفنا مصر!
شوفنا مصر تنكمش وتتقزَّم.. شوفنا مصر تتحول من قوة إقليمية، إلى شبه دولة، إلى عِزبة! شوفنا مصر وقد انقلب فيها هرم الأولويات في كل المجالات! شوفنا مصر تتسول وتستجدي من "اللي يسوى واللي ما يسواش"! شوفنا مصر مدينة بنصف تريليون دولار، لم يلمس المصريون أثرا لدولار واحد منها، في معيشتهم!
شوفنا مصر يشتري القابض على السلطة فيها طائرة بنصف مليار دولار، وتستهلك وقودا بقيمة 17 ألف دولار في ساعة الطيران الواحدة، حسب مصادر فنية! طائرة لا تملك رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية مثلها!
شوفنا مصر تمنح "البراءة" لمبارك ونجليه، بعد ثلاثين سنة من الإفساد في الأرض، ونهب المال العام، وتفجير الأحزاب المهترئة أصلا، ثم تودعه بجنازة عسكرية!، بينما تختطف وتسجن (بأمر مباشر من الجنرال المنقلب) رئيسها المنتخب الذي لم يتقاض راتبه الرئاسي، وعاش في شقة بالإيجار، وقال لمواطنيه: "عليَّ واجبات، وليس لي حقوق"، ثم مات مسموما في ساحة (لا مؤاخذة) العدالة!
شوفنا مصر تقتل (على يد شرطتها، وبأمر مباشر من قائد الانقلاب) ما بين خمسة آلاف وستة آلاف معتصم سلمي في عشر ساعات، يوم مجزرتي رابعة والنهضة!
شوفنا مصر تلقي (بأمر من ياسر جلال) بمئة ألف من أبنائها في غياهب معتقلات غير آدمية، وفي ظروف معيشية بالغة السوء والحقارة؛ لأنهم قالوا للجنرال المنقلب على الشرعية: لا!
شوفنا مصر (على يد الأمين أوي) وهي تمحو حقها التاريخي في مياه النيل، بالمخالفة للدستور أيضا!
شوفنا مصر (على يد الشريف أوي) وهي تتخلى عن جزيرتي تيران وصنافير (بالمخالفة للدستور) مقابل "شوالين رز" لم يذق منهما الشعب المصري "حبَّة" واحدة!
شوفنا مصر (بأمر من الصادق أوي) وهي تفتح ذراعيها لقطعان الصهاينة؛ ليعيثوا في سينائها عربدة وفسادا، بينما لا يدخلها المصريون إلا بتصريح أمني!
شوفنا مصر تطلق (لا مؤاخذة) حوارا وطنيا، وتستثني منه أكبر فصيل مصري على الإطلاق، بينما غالبية المدعوين لا يعرفهم الشعب المصري!
شوفنا مصر وهي تقلب جيوب مواطنيها صباح كل يوم؛ لتسلب ما بقي فيها من "فكّة"، تحت مسميات شتى، ولا مقابل لذلك!
شوفنا مصر تفتخر بأنها "تقدمت" على كل دول العالم، في مجال معالجة مياه الصرف الصحي؛ لتوفير "مياه الشرب" للبؤساء من مواطنيها، وهم غالبية الشعب!
شوفنا مصر وقد انهارت فيها منظومة التعليم، وشاع بين أبنائها الجهل، بأبسط المعلومات والمسلّمات! ولك أن تتخيل كيف سيكون عليه مستقبل مصر، يوم يكون هؤلاء في مفاصل ما بقي منها!
شوفنا مصر بلد الأزهر تمنع النساء والفتيات اللواتي يضعن "قطعة قماش" على رؤوسهن من ارتياد المطاعم (لا مؤاخذة) "الراقية"، وتُحرِّم على أسرهن تملُّك وحدات سكنية في بعض الأماكن (لا مؤاخذة) "الراقية" برضه، حسب الفيلم الوثائقي الذي بثته فضائية "بي بي سي" عربي قبل أيام! علما بأن الممنوعات من دخول هذه الأماكن محسوبات (اجتماعيا وثقافيا) على الطبقة (لا مؤاخذة) العليا في المجتمع، وأن ما يعتبرنه "حجابا" لا يمت للحجاب بأي صلة، حسب المفهوم "الشرعي" للحجاب!
هل بوسع إدارة أي مكان من هذه الأماكن أن تمنع حرم طبيب الفلاسفة من دخولها، كونها تضع "قطعة قماش" على رأسها؟! فإذا كانت الإجابة لا، وهي (قطعا) لا.. فلماذا تمنع مواطنات طبيب الفلاسفة من دخولها، وتفتح أبوابها على
مصراعيها لـ"أم محمود" التي لا تنتمي لهذه الطبقة "الراقية"،
بل وفشلت (حتى اليوم) في الظهور كسيدة من هذه الطبقة، من حيث الأداء والمظهر؟!
شوفنا مصر تتفسخ اجتماعيا، وتتحلل
قِيميا، وتحتضر سياسيا..
شوفنا مصر وهي تنهار، بينما "نخبتها" مشغولة بإثارة قضايا تافهة؛ لإلهاء الشعب، وحرف أنظاره عما يحاك له ولبلاده من مصير أسود من عمامة الولي الفقيه..
فهذه "استشارية أسرية" تثير مسألة عدم إلزام الزوجة بطهي الطعام لزوجها؛ لأن هذا ليس من واجباتها "الشرعية"! بينما هناك من "الجمهور المستهدف بالخطاب" مَن لا يعرف شيئا عن الإسلام، ولا يحفظ فاتحة الكتاب، ولم يركع لله ركعة، ولا يعرف كيف يغتسل من الجنابة، بل ولا يعرف ما هي الجنابة أصلا!
أما ابنتها، فتطالب بحقها في السباحة بـ"البوركيني"
الذي لا يُخفي من الجسم إلا لون البشرة، أما مفاتن الجسم وتضاريسه الواجب سترها
"شرعا" فلا يخفى منها شيء، ولا أدري مَن هذا "الفقيه
الكوول" الذي أحل لها هذا!
وهذه "أستاذة" في جامعة الأزهر تحرّض الزوجات على ضرب أزواجهن
لتأديبهم!
وهؤلاء طائفة من (لا مؤاخذة) التنويريين يفتحون
النار على شيخ الأزهر؛ لأنه ضُبِط متلبسا بقراءة كتاب "أفول الغرب" في
الطائرة!
هل هؤلاء مصريون حقا؟! هل هؤلاء مهمومون بالشأن المصري حقا؟! هل هؤلاء يرجون الخير لمصر حقا؟!
أجزم أن الإجابة هي: "لا" تكعيب!
إن هؤلاء مجبولين على العيش في أي مستنقع (علماني.. ليبرالي.. اشتراكي.. رأسمالي.. معدوم الهوية والملامح) لا يهم.. المهم أن يكون مستنقعا آسنا! أما إذا جاء مَن يحاول تجفيف هذا المستنقع؛ ليجعل منه "جنة" فهم أول من يناصبه العداء!
وأخيرا.. شوفنا مصر وهي معلقة من ساقيها كالذبيحة، في عرض الطريق، تُباع بالكيلو لمن يملك الثمن!
فهذا مبنى وزارة الخارجية للبيع! فما حاجة مصر إلى وزارة خارجية، وقد باتت معدومة التأثير، ولا شأن لها بين الدول؟! وهذه جزيرة الورَّاق (وجُزر ومناطق أخرى) للبيع.. وهذه موانئ مصر للبيع، وهذه مصانع مصر التي تحقق الأرباح للبيع، وهذه بنوك مصر للبيع، وهذه مدينة الحديد والصلب للبيع، إن لم تكن قد بيعت بالفعل! و.. و.. و..
شوفنا مصر وقد بات يحكمها الكفيل الخليجي الذي كان يمشي في الصحراء حافيا، قبل خمسة عقود فقط!
شوفنا مصر وهي في أسوأ حال، علي يد طبيب الفلاسفة، الشريف أوي، الصادق أوي، الأمين أوي (إن شاء الله) حسب تعبيره.. والحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروه سواه..
بينما الحال على هذا النحو من السوء والتردِّي، كثر المتنبئون والمنظرون والمحللون الذين أشبعونا كلاما (في الآونة الأخيرة) عن قرب رحيل الجنرال المنقلب، طوعا أو كرها.. أما الشعب المصري، فقد توزع أمام هذا المشهد إلى: نشطاء ثوريين، معارضين، مطبلين، منتفعين، متربصين، متفرجين، وآخرين..
وهذا حديث آخر..
أسرار مجهولة عن العدوان الثلاثي على مصر في ذكراه الـ66
خريف الجنرال ودور القوى الوطنية