تصاعدت عمليات اقتحام المودعين لمصارف لبنان
لسحب ودائعهم المحجوزة، منذ أول حالة التي حدثت في في 11 آب/أغسطس الماضي، على يد
المواطن بسام الشيخ حسين.
حيث اقتحم 9 مودعون نهاية الأسبوع الماضي فروعا
لمصارف لبنانية لسحب ودائعهم، وبدأت سلسلة الاقتحامات بقيام فتاة تدعى سالي حافظ
باقتحام أحد الفروع يوم الخميس لسحب جزء من أموالها، للمساعدة في علاج أختها
المصابة بالسرطان، واكتملت باقتحام 8 أخرين لفروع أخرى انتهت كلها دون إصابة أحد.
وكان العلاج هو أيضا الدافع الذي حرك من بدأ
هذه الاقتحامات بسام الشيخ حسين؛ حيث كان يحتاج المال لعلاج والده، الذي حظي بدعم
معنوي ولقب بـ"البطل" هو وسالي حافظ وغيرهم من المقتحمين من قبل لبنانيين.
وفي الوقت ذاته، قالت جمعية المودعين؛ إنها
"ستتبع هذا النهج لتحصيل حقوق المودعين المالية من البنوك"، ووصفت
العملية برمتها بحرب استعادة الودائع، مؤكدة "أنها لن تصمت حتى استعادة
حقوقهم".
بالمقابل أعلنت جمعية المصارف عن نيتها غلق
جميع المصارف 3 أيام، بدءا من يوم الاثنين؛ وذلك لوجود مخاوف أمنية، في ظل تزايد
اقتحام المودعين لفروعها.
التحول لظاهرة
يرى المحلل السياسي والأستاذ بكلية الإعلام في
الجامعة اللبنانية ببيروت، إبراهيم حيدر، أن "المشكلة تحولت لنوع من العنف، حتى وإن كان للمودعين حقوق وودائع مالية يطالبون بها".
وعبر حيدر خلال حديثه لـ"عربي21"، عن
اعتقاده بأن الأمر قد بدأ بالتحول لظاهرة، يندرج ضمن الفوضى القائمة في لبنان التي نعيشها ونعاينها على كل المستويات، سواء دستورية أو اجتماعية وكذلك انهيار
اقتصادي ومالي".
وتوقع أن "الأمر قد يتطور أكثر في ظل
إصرار جمعية المودعين على هذه الطريقة للحصول على الودائع المطلوبة، ومن ثم سيكون لها تداعيات وانعكاسات سلبية على العمل المصرفي عموما وعلى قدرة اللبنانيين
على سحب أموالهم؛ لأن الحل ليس عبر هذه الطريقة التي قد تؤدي لزيادة من حالة الفوضى
القائمة".
وحول انعكاس هذه الاقتحامات على الوضع السياسي
العام، قال حيدر: "الوضع السياسي القائم اليوم في غياب الحكومة نتيجة العجز
عن تشكيل حكومة جديدة والعجز عن السير في استحقاق انتخاب رئيس جديد، ينعكس
على الشارع كنوع من الفوضى والمزيد من
الانهيار، ومن ثم يصبح كل شخص يريد تحصيل وتسيير أموره بالقوة، ويزيد من جراح
اللبنانيين على كل المستويات".
وأضاف: "انعكاس ظاهرة اقتحام البنوك على الوضع
السياسي هو انعكاس متبادل، فالأزمات السياسية والاقتصادية والمالية، وعدم قدرة
الدولة على وضع إطار قانوني لحل مشكلة أموال المودعين، أعتقد أنه ينعكس على أوضاع
المودعين وأكثرية اللبنانيين في هذا الإطار".
وتابع: "قد تستمر إذا لم تتمكن الدولة
والمؤسسات من وضع إطار صحيح لحل هذه القضية على جميع المستويات؛ التشريعية
والقانونية والاقتصادية والسياسية، ولهذا أعتقد أن الأمور ستتطور إلى حالة من
العنف، قد تتخطى مسألة اقتحام فروع المصارف، وتصل إلى عنف أهلي سينعكس على وضع البلد
كله".
وحول احتمالية أن تدفع ظاهرة اقتحام البنوك
الطبقة السياسية للبدء بعملية إصلاح شاملة، قال حيدر: "يبدو أن الطبقة
السياسية والمؤسسات الدستورية غير قادرة على فعل شيء في عملية الإصلاح، وبرأيي الطبقة السياسية الحالية هي جزء من
المشكلة القائمة".
بالمقابل يرى الكاتب والباحث اللبناني، وائل
نجم، أن "اقتحامات المودعين للمصارف، التي بدأت كحالات فردية، كادت أن تتحول
مع اقتحامات يوم الجمعة إلى ظاهرة منتشرة، خاصة أنّ الوضع الاقتصادي بلغ مع الناس
حالة صعبة".
واعتبر نجم خلال حديثه لـ"عربي21"،
أن "ما حصل يوم الجمعة خطير جدا، بغض النظر إن كان المودعون على حق فيما
قاموا به أم لا، غير أنّه أسّس لحالة من الفوضى في سوق المال والمصارف، التي أعلنت
إقفال أبوابها بداية الأسبوع المقبل لثلاثة أيام، فضلا عن أنّ تحوّل الاقتحامات
إلى ظاهرة سيعني هروب المصارف أو إعلان إفلاسها وبعد ذلك فقدان المودعين لودائعهم
بشكل كامل".
وأكد أن "ما حصل الجمعة قد يشكل سابقة
خطيرة قد تنشر الفوضى في لبنان، في ظل شعور المودعين أنّ أموالهم نهبت ولا بدّ من
استردادها بأي طريقة، ويأتي ذلك في ظل انسداد أفق الحلول السياسية من ناحية، والأزمة الاقتصادية المتفاقمة".
التأثير والحلول
وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي بدأت منذ ثلاث
سنوات وأدت إلى انهيار اقتصاد لبنان، يبرز تساؤل هام حول تأثير هذه الاقتحامات في
حال تحولت لظاهرة كما توقع البعض على الاقتصاد، وكيف يمكن أن تفاقم انهياره، وما
هي الحلول التي تضمن للجميع المودعين والمصارف حقوقهم؟
اعتبر الخبير الاقتصادي اللبناني جان طويلة، أن
"هذه الأحداث هي نتيجة طبيعية لترك الشعب وإهماله من قبل السلطة، ومن ثم تُرك ليأخذ حقه بيده، وفي الواقع كل ما يحدث اليوم هو غير شرعي؛ لذا يحاول المودع
الحصول على أمواله بطريقة غير شرعية، خاصة أنه ليس هناك قانون ينظم عملية سحب
الأموال".
وحول التأثير على قطاع البنوك، قال طويلة
لـ"عربي21": "أولا سيكون هناك عدم مساواة بين المودعين، بما أن كل
شيء الآن غير شرعي، فكل شيء يمر عبر طرق ملتوية، بمعنى اليوم حينما نمنح مودعا مبلغا أكبر من المبلغ الممنوح لمودع آخر، بغض النظر عن طريقة المنح، سواء بالقوة مثل
العمليات التي نراها أو من خلال الواسطات والمحسوبيات، هذا يُشكل عدم مساواة ويتم
ظلم البعض".
وحول حجم التأثير المالي للاقتحامات في ظل
انخفاض مخزون العملة الصعبة في لبنان، أوضح أنه "على الرغم من ضعف المخزون، إلا أن هذه العمليات التي يتم من خلالها سحب مبالغ معينة مثلا 10 آلاف أو 20 ألف
أو أكثر، لن تؤدي لهذا التأثير السلبي الكبير، ولكن المشكلة الأساسية هي بنهج الطرق
الملتوية، ولكن طالما اليوم لا يوجد قانون يحمي المصارف أو المودعين، بالنهاية
سيؤدي الأمر لنتيجة كارثية؛ لأنه عندها سيأخذ كل شخص حقه بيده كما يحدث
الآن".
وأكد أن "التأثير فعليا حاصل، فاليوم
نتحدث عن مصارف هي بوضع إفلاس، فهي لا تملك هذا المخزون الكبير من العملة الصعبة، ولذلك يطبقون سياسة منح المودعين أموالهم بنسب بسيطة جدا، ومن ثم ما يحدث الآن
لن يكون له تأثير أكبر على المصارف؛ لأنها أصلا مفلسة".
وفيما يتعلق بالحلول التي تضمن لجميع أطراف
العملية النقدية حقوقهم، قال طويلة: "الحل هو اعتراف المسؤولين في السلطتين
السياسية والنقدية بالمسؤولية عن المشكلة، فهم يتهربون من تحمل المسؤولية عن الوضع
الذي يعيشه لبنان اليوم حتى يحموا مصالحهم الشخصية، حتى لو تم ذلك على حساب إفقار
الشعب، ومن ثم هم يؤجلون المشاكل لا يحلونها".
وأضاف: "كذلك يجب أن تقوم السلطة الجديدة
بعد انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة بتغيير النهج السياسي والمالي، وأن تتوفر إرادة لتحمل المسؤولية، وحينما يبدؤون إصلاحات فعلية، عندها يمكن التفاوض مع صندوق
النقد الدولي، والهدف ليس فقط الحصول على 2-3 مليار منه، بل الهدف عكس صورة إيجابية
عن لبنان ليستعيد ثقة الدائنين والمانحين الآخرين به، وخاصة دول الخليج وغيرها، ومن ثم منحه قروضا أخرى".
وأوضح أنه "حينما تحدث إصلاحات حقيقية
أيضا، يتشجع المغتربون ويستثمرون أموالهم في البلد، عوضا عن إرسال فقط ما يكفي
لتسيير حياة واحتياجات عائلاتهم اليومية".
من جهته أكد الكاتب والباحث الاقتصادي اللبناني
زياد ناصر الدين، أن "الاقتصاد سيتأثر جراء هذه الاقتحامات، ومن ثم المصارف
ستتجه للإقفال، وقد فعلتها سابقا وأدى ذلك إلى ما عُرف بالانهيار الأول
للاقتصاد".
وأوضح ناصرالدين خلال حديثه
لـ"عربي21"، أن "هناك اليوم خشية من أن يؤدي إقفال المصارف أبوابها
لانهيار ثالث للاقتصاد، مع العلم أنها تقوم فعليا بتقنين الأموال وفقا للقوانين
كما تدعي، وهذا غير صحيح، فحينما يذهب المواطن لسحب أموال يحتاجها لأجل العلاج
ويقدم جميع المستندات التي تثبت ذلك، تقول له المصارف إننا لا نملك المال، ولكن
حينما يستخدم القوة يتوفر النقد. وعليه، هناك حالة غريبة وفوضى".
واعتبر أن "إغلاق المصارف سيكون نتيجة لكل
هذه الفوضى النقدية التي اتبعتها هي وإدارة السياسة النقدية والحكومات في لبنان،
وعدم وجود أي إصلاحات هو ما أوصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم".
وأكد أن "المصارف تريد الهروب من تحمل
المسؤولية، وواضح أن صندوق النقد الدولي وضع شروطا قاسية على لبنان من أجل إعادة
هيكلة ورأسمالة المصارف، التي بدورها ترفض الاعتراف أنها أفلست وأساءت الأمانة
وإدارة أموال المودعين، وقامت بتمويل دولة مفلسة".
ولفت إلى أن "الحل هو البدء بحوار حقيقي
مع المودعين، ووضع جدول زمني لهم، وإقرار قانون بالمجلس النيابي يحفظ حقوقهم، وأنها
لن تسقط بمرور الزمن كمرحلة أولى، ومن ثم الدخول بمرحلة ثانية عبر معرفة كيفية
تأمين أجزاء من أموال هؤلاء المودعين؛ لأنه كان هناك تبديد لها بشكل عشوائي، ومن حق
الناس الحصول على أموالهم وودائعهم".
مواطنون مسلحون في لبنان يقتحمون بنكين لاسترداد ودائعهم
جدل بلبنان بعد رشق وزيرين "إسرائيل" بالحجارة (شاهد)
السعودية تطالب باعتقال وتسليم رجل هدّد سفارتها ببيروت