اقتصاد عربي

ما سبب منع سحب الدولار من البنوك المصرية بحرية؟

قال الخبير المصري إن إجراءات البنوك "تقترب بالجهاز المصرفي المصري من الحالة اللبنانية"- أرسيف

قررت بنوك مصرية تخفيض سقف "السحب" و"الشراء" ببطاقات الخصم المباشر أو البطاقات الائتمانية عبر ماكينات الصرف النقدي الآلية من خارج البلاد ومنع السحب في بعض الحالات، تزامنا مع مضاعفتها رسوم استخدام بطاقات الدفع والائتمان في الخارج من 3 بالمئة لـ6 بالمئة.


والخميس، جرى تطبيق القرار ما دفع مراقبين للتساؤل حول أسبابه، وإعلان مخاوفهم ومخاوف المودعين من الوصول للنموذج اللبناني، حيث يعاني المودعون هناك في الحصول على ودائعهم من الدولار بالبنوك.


وقررت أغلب البنوك العاملة في مصر حكومية وخاصة، خفض حد السحب من الدولار، ورسم حد أقصى لكل بنك لسحب الدولار خاص به عبر البطاقات ومن خلال ماكينات الصرف الآلي.


والثلاثاء، أرسلت معظم البنوك رسائل نصية لعملائها تشدد عليهم بضرورة الانتباه لحد السحب الأقصى عند السفر للخارج، وذلك لحاملي البطاقات الكلاسيكية، وهو القرار الذي أعلنت تطبيقه من الخميس.


وحددت بعض البنوك حد السحب من ماكينات الصراف الآلي وعبر البطاقات بمبلغ ضئيل هو 500 دولار فقط والذي يعادل نحو 10 آلاف جنيه مصري، وبينها بنك مصر الذي خفض حدود السحب النقدي بالدولار بين 500 إلى 1500 دولار شهريا.


وقال مسؤول ببنك مصر لـ"الشرق بلومبيرغ": "بناء على توصية من البنك المركزي جرى تعديل حدود السحب والعمولات، كما خفضنا الحد المتاح للعميل المسافر الحصول عليه عند إبراز بطاقة السفر إلى 1000 دولار من 2000 دولار سابقا".


ومن جانبه، رفع البنك التجاري الدولي (CIB) الحد الشهري للسحب النقدي خارج مصر لبطاقة "بلاس تيتانيوم" 10 آلاف جنيه، وحد الاستخدام الشهري للشراء خارج البلاد 50 ألف جنيه، أو ما يعادلها بالعملة الصعبة.


ووضع بنك أبوظبي الأول مصر حدا أقصى لسحوبات الدولار من ماكينات الصراف الآلي خارج مصر عند 500 دولار لبطاقات الائتمان "تيتانيوم".


كما خفض بنك "HSBC" مصر الحد الأقصى لاستخدام بطاقاته إلى 5000 دولار شهريا.


ويأتي القرار بعد إقرار البنك المركزي المصري في 22 أيلول/ سبتمبر الماضي، زيادة بنسبة الاحتياطي النقدي التي تلتزم البنوك الاحتفاظ بها لديه، لتصبح 18 بالمئة بدلا من 14 بالمئة، ما دفع مراقبين لاعتبار خفض البنوك حد سحب الدولار، نتيجة طبيعية لتوجيه المركزي.


ووفق ما نقلته "مدى مصر" من تقرير "الوضع الخارجي للاقتصاد المصري" الذي يغطي الفترة بين بداية تموز/ يوليو 2021 حتى نهاية آذار /مارس 2022، فإن إنفاق المصريين باستخدام الكروت البنكية ارتفع بنسبة 53.6 بالمئة بتلك الفترة، ليصل 3 مليارات دولار.


لكن مواقع وصحفا مصرية تحدثت عن أن قرار البنوك التي يبلغ عددها في مصر 38 بنكا، منها 9 حكومية، يأتي لوقف ما أسمته بعمليات التلاعب وسحب الدولار من الخارج عبر البطاقات البنكية ووضعه في السوق السوداء المصرية.


ويسجل سعر صرف الجنيه مقابل الدولار والعملات الأجنبية أدنى مستوياته عبر التاريخ، منخفضا بنحو 25 بالمئة منذ آذار/ مارس الماضي، إذ بلغ أمس الخميس نحو 19.70 جنيها مقابل الدولار رسميا، فيما تعدى سعره في السوق السوداء 22 جنيها.


إلا أن خبراء ومراقبين أعلنوا مخاوفهم من أن ذلك القرار قد يتبعه قرارات أخرى مماثلة بالتضييق على العملاء، معتبرين أنها قرارات تضر بسمعة المصارف المصرية، مشيرين إلى أن هذا السيناريو يقترب مما حدث قبل تحرير سعر صرف الجنيه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016.

 

اقرأ أيضا:  مستشار السيسي يدعو للحد من زيادة السكان.. "طفلان لكل أسرة"


"حيثيات القرار"


يأتي القرار، في ظل زيادة الالتزامات المصرية عن حجم الأصول بالدولار، إذ تضرب مصر أزمة نقص في الدولار منذ شهور وسط تراجع الاحتياطي النقدي للبلاد، فاقمها تأخر قرض تطلبه القاهرة من صندوق النقد الدولي منذ آذار/ مارس الماضي، ومع زيادة حاجة البلاد للعملة الصعبة لسداد فوائد الديون المتفاقمة.


كما يأتي القرار في ظل حاجة البلاد للعملة الصعبة وخاصة الدولار خاصة مع تخارج معظم أموال الصناديق الدولية من سوق الأوراق المالية المحلّية، وهي الحالة التي تقابلها الحاجة لاستيراد السلع الاستراتيجية التي تعاني نقصا منها، وسط تفاقم نسب التضخم لمعدلات قياسية.


وتعاني مصر عجزا بصافي الأصول الأجنبية لنحو عام، والذي انخفض بنحو 18.06 مليار جنيه (925 مليون دولار) في آب/ أغسطس الماضي، مواصلا التراجع بحوالي 5 بالمئة ليبلغ سالب 385.8 مليار جنيه، حسب بيان البنك المركزي 2 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.

 

"المعادلة الصفرية"
وفي رؤيته، قال المستشار السياسي والاقتصادي الدكتور حسام الشاذلي: "يجب أن ننتبه إلى أن الأزمة الدولارية وصلت حدا لم يعد ممكنا التهرب من حقيقته أو التلاعب بأرقامه كما إعتاد النظام المصري وإعلامه أن يفعل".

وأضاف لـ"عربي21": "تحديد حد السحب على البطاقات البنكية الكلاسيكية والبلاتينية، مؤشر على فداحة أزمة العملة، وأزمة الدولار الجمركي، وشركات الشحن التي امتنعت عن إستيراد البضائع للشركات والمصانع لعدم سداد الفواتير الدولارية القديمة لعجز البنوك عن توفير العملة لعملائها".

الشاذلي، الذي يرأس جامعة "كامبردج المؤسسية" بسويسرا، أكد أن "تحديد حد السحب من الممارسات المعتادة بالبنوك لضمان أمن الحسابات، ولكن عندما يصل حد السحب الأقصي إلى 500 دولار فقط، فسوف يؤثر هذا على عنصرين هامين".

"أولهما: عدم قدرة مصريي الخارج على السحب من حساباتهم بالكروت ما سيكون له أثرا سيئا على تعاملاتهم اليومية، ويؤدي لوقف تحويلاتهم أو تقليلها إلى الحد الأدنى ما يزيد من فداحة الأزمة الدولارية في مصر".

وثانيا: وفق الخبير المصري، "سيكون لتحديد حد السحب تأثيرا مباشرا على الرحلات السياحية للمصريين بالخارج، بما فيها رحلات رجال الأعمال، وهذا يؤدي لإضعاف الاقتصاد المتهالك أصلا، ويقلل ثقة الشركات الدولية بالتعاملات البنكية المصرية".

وتابع: "سيدفع ذلك الكثير من الشركاء الدوليين لرفض التعامل بالجنيه بالسوق المصري، ووضع شروط صعبة للتعامل بالدولار والدفع المقدم".

وبشأن ما يثار حول التلاعب بعد سحب الدولار من الخارج، قال الشاذلي: "لا يخفي علي أحد أن تعليل الإعلام المصري للقرارت يدخل في إطار البروباجندا السياسية الخادعة والتي لم تعد تنطلي على أحد".

وأضاف: "أزعم أن المنظومة الاقتصادية المصرية تقفز بخطوات نحو حالة من شبه الإفلاس، ومن عدم توفر السيولة اللازمة لتغطية الودائع البنكية، ما سيكون له أشد الأثر الاجتماعي والاقتصادي على الحالة المصرية".

ويعتقد الخبير والأكاديمي المصري، أنه "لا أمل في الخروج من تلك المعادلة الصفرية إلا بتغيير سياسي شامل يعيد هيكلة المنظومة الاقتصادية، ويسمح لمصر بفترة سماح تُسقط جزءا من الديون، وتعيد هيكلة الجزء الآخر".

وكذلك: "تفتح باب المساعدات الدولية غير المشروطة، والمرتبطة بتحسن واضح بمؤشرات النهضة الاقتصادية، وحقوق الإنسان، والقدرة علي تحديد أولويات الصرف والاستقرار السياسي".

 

طريق الهاوية

 

ومن جانب آخر،أعرب متابعون مصريون عن مخاوفهم من أن تكون تلك الإجراءات مدفوعة بأزمات النظام الاقتصادية والمالية، بل والمخاوف من الإفلاس، ومن إجراءات أكثر صرامة وتقييدا لحقوق المصريين في استرداد مدخراتهم وودائعهم وأموالهم أو صرفها بالعملة الأجنبية وقتما أرادوا.


ووصف نشطاء تحديد بعض البنوك المصرية سقف سحب كروت الإئتمان بالعملة الصعبة للعملاء بالخارج ورفع رسوم السحب بالكروت لنفس العملاء إلى 6 بالمئة بأنه "حركة غير عادية".


وأرجعوا القرار "للنقص الشديد في الدولار بالبنوك، ولانتظارها قرض صندوق النقد الدولي الذي لم يتم الموافقة عليه إلى الآن"، مؤكدين أن "هذه خطوات على طريق الهاوية".

 

 

 

 

 


"تلاعب بالمودعين"


واشتكى مودعون ومتعاملون مع البنوك المصرية لـ"عربي21"، من تلاعب البنوك معهم ومحاولة منعهم من الحصول على جزء من ودائعهم بالدولار، أو صرف التحويلات الخاصة بهم والقادمة من ذويهم الذين يعملون بالخارج، بالعملة الصعبة والإصرار على منحها لهم بالجنيه المصري.


ومن بين المشتكين، روى أحد المصريين عن واقعة تكررت مع أحد البنوك الحكومية، والتي كان آخرها الاثنين الماضي، موضحا أن أفرادا من عائلته يعملون بالخارج، ويقومون بتحويل أموالهم بالدولار للقيام ببعض الأعمال الخاصة بهم.


وأكد الشاهد أن "موظف البنك، في كل مرة يطلب مني تغيير قيمة الحوالة بالمصري، مدعيا عدم وجود دولار الآن"، مبينا أنه "جرى خداعه عدة مرات، ولكنه لاحقا ظل يرفض ويتمسك بحقه في الحصول على التحويل كاملا بالدولار".


وأضاف أن "الموظف كان يستدعي المدير في كل مرة أُصرُ فيها على الصرف بالدولار، وكان يطرح حلا بأن يحول البنك أية مبالغ أقل من 100 دولار إلى العملة المحلية بسعر البنك الرسمي، وعندما أرفض يقول: ليس لدينا فكة من الدولار، ويضطرني لتنفيذ قراره".


"النموذج اللبناني"


وفي تعليقه على تخفيض البنوك المصرية حدود سحب الدولار، وزيادة رسوم السحب، رأى الخبير الاقتصادي والمصرفي، علاء السيد، أننا في مصر على مقربة من نموذج لبنان.


وقال الاستشاري في التمويل وتطوير المشروعات والأوقاف الاستثمارية لـ"عربي21": "يأتي هذا الإجراء المصرفي غير القانوني من البنوك المصرية ليمنع المودعين من استرداد أموالهم وودائعهم في البنوك كما يشاؤون وبالمبالغ التي يحتاجونها".


أرجع ذلك إلى أن "الدولة قد سطت فعليا على ودائع المواطنين من خلال الاقتراض المحلي الحكومي عدة مرات في الأسبوع الواحد ولسنوات طويلة، لسد عجز الموازنة العامة للدولة ولسداد الديون المحلية والخارجية".


وألمح الخبير المصري إلى أن ذلك يأتي "اعتمادا على ديون جديدة على شكل أذون خزانة أو صكوك أو سندات حكومية سواء بالدولار أو بالجنيه، حتى وصل العجز بالبنوك لنحو 20 مليار دولار أمريكي".


وفي توصيفه لأسباب تفاقم الأزمة، أوضح السيد أنه "بدلا من أن يتم توجيه ودائع المواطنين لتمويل مشروعات القطاع الخاص، ومشروعات شركات قطاع الأعمال العام، بما يوفر فرص عمل ويدعم الصناعات المختلفة والصادرات والزراعة والخدمات، ويدعم الناتج المحلي؛ فإن الدولة تسطو على هذه الودائع".


وأضاف: "تماما كما فعلت بأموال التأمينات والمعاشات وغيرها، لإنقاذ السيولة التي في يد الحكومة وسداد ديونها وعجز موازنتها على حساب المواطنين للأسف الشديد".


وقبل أيام، أعلنت الحكومة المصرية عن استثمار أموال التأمينات والمعاشات التي يستفيد منها 10.7 ملايين مواطن ببرنامج طروحات الشركات الحكومية، بحسب تصريح رئيس هيئة التأمينات والمعاشات لواء الجيش السابق جمال عوض، لموقع "البورصة" في 28 أيلول/ سبتمبر الماضي.


ويعتقد الخبير المصري، أن تقليص البنوك حد السحب ورفع رسومه وغيرها من الإجراءات المماثلة، "يقترب بالجهاز المصرفي المصري من الحالة اللبنانية بشكل متسارع".


وتابع: "طالما حذرنا لسنوات طويلة المواطنين من الاحتفاظ بأموالهم بالبنوك المصرية التي يتحكم فيها قصر (الاتحادية) بشكل مباشر بعد أن أفسد قانون البنك المركزي وأخضعه لرئيس الجمهورية ليتصرف شخصيا وبشكل منفرد في ودائع الشعب المصري".


وكذلك في "مدخراته، وأصوله المالية، ويتحكم بالسيولة النقدية للبلاد، ويوجهها كما يشاء، لا كما يحتاج أصحابها، ولا بما يخدم مصالح الاقتصاد، ودون مراعاة لمصالح البنوك نفسها، وسمعة الجهاز المصرفي الذي أصبح غير مؤتمن على أموال الشعب".


ورأى السيد، أنه "ينبغي أن يكون البنك المركزي المصري والجهاز المصرفي المصري مستقلين عن سلطة رئيس الجمهورية حيث أن هذا الجهاز يمثل خزانة الشعب الخاصة التي يحتفظ فيها بأمواله".


كما نصح المودعين بأن "يسارعوا بكل الطرق والوسائل لسحب أرصدتهم النقدية من البنوك المصرية، وتحويلها لعملة صعبة سواء دولارات أو يورو أو جنيه إسترليني أو ريال سعودي أو ما شابه، وشراء سبائك ذهبية بنصف مدخراتهم على الأقل والتي لا يحتاجونها لمدة سنة فما فوق".


وأضاف: "كما أنصح كل من امتلك فائضا من المال بتخزين طعام يكفيه لمدة عام، والامتناع عن شراء السلع غير الضرورية، وتسييل كافة الأصول العقيمة غير المنتجة بأي ثمن، وتحويل قيمتها لسبائك ذهبية بأسرع وقت ممكن".


وأكد الخبير المصري أن هذه الخطوات ضرورة حالية "قبل أن يأتي يوم لا نحب أن نرى فيه شعبنا يكرر حوادث اقتحام البنوك لصرف أموالهم بالقوة كما يحدث في لبنان لا قدر الله".