نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرا سلطت من خلاله الضوء على المستوى الكارثي من الفقر الذي وصلت إليه مناطق شمال لبنان، وحالة اليأس التي اجتاحت سكانها.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"؛ إن دعاء عبد النور (22 سنة) كافحت هي وزوجها زين الدين حمد (24 سنة) لمدة 36 ساعة للبقاء على قيد الحياة، بعد غرق القارب الذي كان من المفترض أن يوصلهما إلى أوروبا. وقد أصابهما العطش والجوع وتورّمت أذرعهم وأرجلهم جراء التجديف المستمر ضد الأمواج اللامتناهية.
كُتب للزوجين عمر جديد بعد إنقاذهما من قبل قوارب صيد تم إرسالها من جزيرة أرواد السورية؛ للبحث عن ناجين من القارب المنكوب الذي انطلق قبل فجر يوم 21 أيلول/ سبتمبر وعلى متنه 140 شخصا. تم انتشال ما لا يقل عن 100 جثة حتى الآن، واأسعِف أولئك الذين تم إنقاذهم في مدينة طرطوس الساحلية، بينما أعيد اللبنانيون من بينهم إلى ديارهم.
وذكرت الصحيفة أن لبنان لطالما كان موطنا للفقراء والأغنياء على حد سواء، لكن الهوة بينهما اتسعت إلى درجة غير عادية. في محافظتي طرابلس وعكار الشماليتين، يعيش الكثير من الناس الآن دون كهرباء ومياه الشرب. ويطلق السكان على المنطقة اسم "الشمال المنسي"؛ لذلك هم يريدون الفرار منه.
اقرأ أيضا: إصابة القطاع العام اللبناني بالشلل.. والدولة تسير نحو الفشل
علمت عبد النور بوفاة جنينها في سوريا. وعندما عادت إلى طرابلس، زارت المستشفى الحكومي لإجراء عملية الإجهاض، فقط ليخبرها الطبيب أنه بسبب نقص المعدات والأموال، لا يمكنهم استقبال سوى الحالات الطارئة، ونصحها بالعودة إلى المستشفى "عندما تنزف".
أمضت أياما في البحث عن الحبوب التي وصفها الطبيب التي جعلتها تعاني من ألم شديد دون جدوى. ونظرا لأن عبد النور حاصلة على إجازة في التمريض، فقد كانت تدرك مخاطر عدم إجهاض جنين ميت. وبعد أن سمع أحدهم عن حالتها، اتصل بوزيرة الصحة التي تدخلت لوضع حد لكابوسها.
نقلت الصحيفة عن عبد النور: "هذا ما وصل إليه الوضع في لبنان أنت بحاجة إلى الواسطة، حتى لو كنت تحتضر". لطالما كانت المحسوبية من الظواهر المتفشية في لبنان. لكن مع انهيار الاقتصاد، تفاقمت هذه الظاهرة". وأضافت: "طرابلس وعكار معزولتان عن لبنان وكأنهما ليستا في البلد ذاته، والفقر هنا وصل إلى مستويات خيالية".
وأشارت الصحيفة إلى أن قادة لبنان فشلوا في معالجة ما وصفه البنك الدولي بأنه إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. خسرت العملة المحلية أكثر من 96 في المائة من قيمتها منذ سنة 2019.
وفي ظل غياب الخدمات الحكومية، مثل الرعاية الصحية والكهرباء، تم تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ، حيث بات السكان مجبرين على اللجوء إلى السياسيين المحليين لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
اقرأ أيضا: مصارف لبنان تقفل أبوابها الجمعة خشية اقتحامات المودعين
وعلى الرغم من أن عبد النور كانت من الأوائل على دفعتها في الدراسة، إلا أنها لم تتمكن من الحصول على عمل، بينما تمكن زملاؤها من إيجاد وظائف بفضل المحسوبية. وقد شعرت بالإحباط أكثر عندما خسرت عرضين للعمل في المملكة العربية السعودية. وتقدمت بطلب للحصول على جواز سفر منذ أكثر من سنة، لكنها مثل العديد من اللبنانيين الذين يأملون في الخروج من البلاد، ما زالت تنتظر على عكس الأشخاص الذين لديهم "واسطة".
توضح عبد النور أن السبب الذي دفعها للهجرة غير الشرعية هو نظام الواسطة والمحسوبية، وكلها أمل في أن تعيش في بلد متحضر لا تهيمن عليه مصالح الأحزاب السياسية.
وذكرت الصحيفة أن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، ينحدر من طرابلس، وهو مدرج في قائمة فوربس لأغنى 1000 ملياردير في العالم. لكن ثاني أكبر مدينة في البلاد لا تزال تعيش بين براثن الفقر ومنسية من الحكومة اللبنانية، ولا تزال أحياؤها تحمل آثار الحرب الأهلية التي انتهت في سنة 1990، وتتخللها واجهات منهارة مليئة بثقوب الرصاص. كما أن الشوارع مزدحمة بسيارات مرسيدس-بنز التي تعود لحقبة السبعينيات.
وأضافت الصحيفة أن المدينة تعاني من نقص مياه الشرب منذ شهور؛ لأن المضخات تعمل بالوقود الذي ارتفعت أسعاره في الوقت الحاضر. في غيابه، يشتري الناس غالونات من الماء من عمال توصيل مثل وسام التلاوي، الذي تولى الوظيفة الوحيدة التي وجدها لإعالة أسرته. وعندما تقطعت به السبل، قرر هو أيضا ركوب البحر مع زوجته وأطفاله الأربعة والهرب.
باع التلاوي منزله وكل ما يملكه واقترض المال لدفع 18000 دولار للرحلة، إلا أن القارب غرق جراء اكتظاظ وتعطل المحرك. فقد التلاوي في هذه المأساة زوجته سلمى وطفليه محمود ومايا.. وبينما هو يكافح للبقاء فوق الماء تحت أشعة الشمس مع طفليه الباقيين، شاهد ابنه عمورة يغرق ثم ابنته.
كان هذا الأب يأمل أن يتمكن من توفير حياة أفضل لأطفاله وتعليم مجاني في ألمانيا بعد أن سئم عدم قدرته على إعالتهم. وأكد التلاوي أنه كان يشعر بالخيبة والإحباط في كل مرة كان يطلب منه أطفاله شيئا بسيطا مثل الآيس الكريم ولا يمكنه توفيره لهم.
أتلانتك: من بيروت إلى طهران.. جيل يثور ضد النظام الإيراني
هل يحل ترسيم الحدود بين لبنان والاحتلال أزمة الطاقة بأوروبا؟
ذي هيل: الأشهر الـ6 المقبلة محورية لمستقبل لبنان