يتجه الأمريكيون في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل إلى
صناديق الاقتراع للمشاركة في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، حيث ينتخبون جميع
أعضاء مجلس النواب الذين يجري انتخابهم كل عامين، إضافة
إلى ما يزيد على ثلث أعضاء مجلس الشيوخ.
ويتنافس الحزبان الديمقراطي والجمهوري على مقاعد مجلس
النواب البالغ عددها 435 مقعدا، كما أنه سيتم انتخاب 35 عضوا لمجلس الشيوخ. ولهذه
الانتخابات أهمية قصوى، فهي تُعد تصويتا على طريقة عمل إدارة الرئيس في العامين
الأولين (النصف الأول) من فترته الرئاسية.
ووفقا لخبراء تحدثت معهم "عربي21"، فإنه في
العادة يخسر حزب الرئيس أغلبيته في مجلس النواب، إلا في حالة استثنائية في فترة
الرئيس جورج بوش الابن، حيث فاز الحزب الجمهوري آنذاك بالأغلبية.
ويتم توزيع مقاعد مجلس النواب على الولايات الأمريكية
وفقا لحجم الولاية، بينما تحصل كل ولاية على مقعدين في مجلس الشيوخ بغض النظر عن
عدد سكانها.
نظرة متباينة ومختلفة
وتأتي هذه الانتخابات في وقت حرج للرئيس الديمقراطي جو
بايدن وحزبه، خاصة في ظل ارتفاع أسعار النفط وبالتالي ارتفاع أسعار الوقود في
بلاده، ووجود انتقادات شديدة لطريقة إدارته للملف الاقتصادي.
وحتى بالنسبة للجمهوريين فهي أيضا تأتي في وقت حرج،
خاصة بعد أن تجاوزت المحكمة العليا التي عين فيها الرئيس السابق دونالد ترامب قضاة
محافظين الخطوط الحمر وفقا للأمريكيين التقدميين، حيث إنها ألغت قرارا سابقا للمحكمة
يسمح بالإجهاض ويعتبره حقا دستوريا، الأمر الذي يشكل حساسية للأمريكيين الذين
يعتبرون أن هذا القرار يُعد تعديا على حرية المرأة.
كذلك سيتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع بعد ثلاثة
أشهر من مداهمة عناصر الـ"أف بي آي" منزل ترامب، واتهامه بنقل وثائق سرية من البيت الأبيض إلى
منزله، أيضا تأتي بعد مرور أقل من عامين على هجوم أنصاره على مبنى الكابيتول في 6
كانون الثاني/ يناير 2021.
وكانت استطلاعات الرأي التي أجريت في شهر أيلول/ سبتمبر
الماضي قد أشارت إلى تقاسم الحزبين الديمقراطي والجمهوري أصوات الناخبين، ومع هذه
النتيجة وتخبط بايدن وفقا لخصومه في الملف الاقتصادي، وفي نفس الوقت زيادة تطرف
بعض أنصار ترامب، يُطرح تساؤل حول شكل هذه الانتخابات.
اقرأ أيضا: ما أهمية الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة؟
ويشير روبرت شمول، وهو أستاذ فخري للدراسات الأمريكية
في جامعة نوتردام، إلى أن "شكل انتخابات التجديد النصفي هذا العام سيكون
بالنسبة للجمهوريين بمثابة استفتاء على أول عامين للرئيس جو بايدن في المنصب، وما
فعله الكونغرس الديمقراطي في هذه الفترة، كما سيثير الجمهوريون، من بين مواضيع
أخرى، قضايا ارتفاع التضخم وزيادة الجريمة والمشاكل الموجودة على الحدود بين
الولايات المتحدة والمكسيك".
وتابع شمول خلال حديثه لـ"عربي21":
"أما بالنسبة للديمقراطيين فستكون القضايا الرئيسية في هذه الانتخابات: حق
المرأة في اختيار إنجاب طفل أم لا، والتحديات التي تواجه الديمقراطية التي يفرضها
"رافضو الانتخابات"، والتهديد بعودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى
منصبه"، كما قال.
ولفت إلى أن "أعضاء الحزبين الرئيسين ينظرون إلى
أمريكا بطرق مختلفة للغاية، وسيظهر ذلك بشكل جلي في هذه الانتخابات".
حالة استثنائية
ويلفت الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والشؤون
الأمريكية، خالد الترعاني، إلى أنه "تاريخيا يخسر حزب الرئيس الأغلبية في
انتخابات التجديد النصفي التي تجرى في عهده، إلا في حالة الرئيس جورج بوش الابن
بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، حيث كسب حزبه الأغلبية، وذلك لأن شعبيته كانت مرتفعة
جدا".
وأوضح الترعاني في حديث لـ"عربي21"، أن
"الذي قد يجعل هذه الانتخابات حالة استثنائية أيضا، أن الديمقراطيين تتحسن
صورتهم، كذلك ترينا استطلاعات الرأي أن المنافسة محتدمة وتتقارب نتائجها حول فرص
الحزبين كثيرا، على الرغم من أنه في العادة تكون فرص الحزب المنافس لحزب الرئيس هي
الأعلى، بل إنه على العكس وفقا لاستطلاعات الرأي إذ يتقدم الديمقراطيون على الجمهوريين في
كثير من الولايات".
وأضاف: "بالتالي فإن نتائج استطلاعات الرأي تضفي
ضبابية على المشهد الانتخابي وتوقعات النتائج، بمعنى: هل ستشكل سابقة تاريخية بأن
يحافظ حزب الرئيس على الأغلبية وهو المفترض أن يخسرها وفقا لما هو معتاد تاريخيا،
أم لا؟".
وحول أسباب تقدم الديمقراطيين في استطلاعات الرأي، قال
الترعاني: "هناك عدة أسباب، أهمها انخفاض أسعار الوقود (البنزين) خلال الأشهر
الماضية. ويشكل ارتفاع شعبية الرئيس بايدن منذ شهر تموز/ يوليو حتى نهاية أيلول/
سبتمبر بخمس نقاط شاهدا على تأثير ذلك، وهذه قضية مهمة فهذه أول مرة ترتفع بهذا
المستوى"، وفق تقديره.
وأشار إلى أن "السبب الثاني هو انحسار كوفيد-19
بشكل شبه كامل ورفع الحظر بسببه، فهذا أيضا يرفع أسهم جو بايدن وفرص الحزب
الديمقراطي في أن يحافظ على الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ أو ألا يخسر الكثير
منها".
وقال الترعاني: "تصدر ترامب نشرات الأخبار بصورة
سلبية ساهم في تقدم الديمقراطيين، حيث ظهرت صورته بهذا الشكل السلبي بسبب خبر تفتيش
أف بي آي لبيته في ولاية فلوريدا، والكشف عن وثائق سرية في مكتبه هناك، وهذا كله
أثر بشكل سلبي على الرئيس السابق، خاصة بعد تخبطه وقوله إن أف بي آي هو من وضع هذه
الوثائق، وهذا كله يرفع من فرص الديمقراطيين"، وفق قوله.
وتابع الترعاني: "تتعزز فرص الديمقراطيين أيضا
بسبب قرار المحكمة العليا التي تحظى بأغلبية قضاة محافظين تم تعيينهم من قبل
ترامب، والذي تم بموجه إلغاء قرار سابق لها يسمح بالإجهاض، وبالتالي فإنها ألغت حقا
دستوريا".
وأوضح أن "هذا القرار أثر حتى على كثير من مؤيدي
الحزب الجمهوري، حيث إن حوالي 65 في المائة من الجمهوريين مع حق الإجهاض على الرغم
من أنهم محافظون، كذلك تأثرت النساء في الحزب الجمهوري كثيرا بهذا القرار، وصدرت
عنهن ردة فعل سلبية قد تؤدي إلى خسارة الحزب الجمهوري أو عدم تحقيق تقدم في
انتخابات التجديد النصفي"، بحسب الترعاني.
التحقيق مع ترامب
وكان محققو أف بي آي قد اقتحموا في آب/ أغسطس الماضي
مقر إقامة ترامب في منتجع مارالاغو في ولاية فلوريدا.
ووفقا لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، فإن
الاقتحام كان بهدف البحث عن وثائق رئاسية سرية يمكن أن يكون الرئيس السابق قد
نقلها إلى مقر إقامته بعد خروجه من البيت الأبيض.
وأشارت وسائل إعلام أمريكية مختلفة إلى أن مداهمة مقر
اقامة ترامب تمت بتفويض من المحكمة، حيث يشتبه بأنه أساء التعامل مع وثائق سرية، بعدما
رفض الاستجابة لطلب مكتب الأرشيف الوطني بإعادة 15 صندوقا من الوثائق.
كذلك أكدت مجلة نيوزويك الأمريكية؛ أن ترامب يتعمد
تأجيج العنف، وأنه يغازل عناصر الجماعة اليمينية المتطرفة "كيو أنون"
التي تؤمن بنظرية المؤامرة.
وبحسب روبرت بابي، الأستاذ بجامعة شيكاغو؛ فإن
"تواصل ترامب مع جماعة كيو أنون خطير جدا"، موضحا أن "الرئيس
السابق على دراية بما تنطوي عليه هذه المنظمة، وأن إشاراته لمؤيديها يمكن أن تكون
لها تداعيات عنيفة في الانتخابات المقبلة".
وحذر بابي من أن أبحاثه تشير إلى أن 13 مليون
أمريكي "يدعمون إعادة دونالد ترامب إلى الرئاسة ولو بالعنف والقوة".
وفي ظل رفض الكثير من الأمريكيين لقرار إلغاء دستورية
الإجهاض، وكذلك التحقيق مع ترامب، كيف سيؤثر ذلك على نتائج انتخابات التجديد
النصفي للكونغرس، وما هي التوقعات لهذه النتائج؟
يرى شمول أن "الرئيس السابق دونالد ترامب يحظى
بدعم 35- 40 في المائة من الجمهوريين، وهم مخلصون له للغاية، كما أن العديد من
هؤلاء المؤيدين ينكرون أنه ارتكب أي خطأ".
وتابع: "بالمقابل بالنسبة لمعظم الديمقراطيين،
فإن الرئيس السابق يستحق أن يخضع للتحقيق وتوجيه الاتهام له ومحاكمته".
وأوضح أنه "سيتأثر عدد قليل جدا من الناخبين
الجمهوريين بالتحقيق مع ترامب، حيث يرى كثير من الموالين له أن هذه التحقيقات
حزبية بطبيعتها، وقد أجريت في جزء كبير منها لإضعاف الرئيس السابق سياسيا، لكن
ترامب يضخم هذه الفكرة بالقول مرارا وتكرارا إنه ضحية مطاردة الساحرات التي لا
أساس لحدوثها"، بحسب تعبيره.
سيطرة جمهورية
وحول توقعه لنتائج الانتخابات، قال شمول: "في هذه
المرحلة، قبل أسابيع معدودة من الانتخابات، يبدو أن الجمهوريين يتمتعون بميزة
السيطرة على مجلس النواب، ويعود ذلك جزئيا إلى أن الناخبين الجمهوريين الأساسيين
يعيشون في دوائر بالكونغرس تتمتع بأفضلية للجمهوريين".
وأضاف: "أما في سباقات مجلس الشيوخ، فستكون
النتيجة الإجمالية متقاربة جدا، ولكن من المحتمل جدا أن يستمر الديمقراطيون في
الاستحواذ على الأغلبية، وإذا كان الكونغرس منقسما، فلن يتم إنجاز الكثير في
العامين المتبقيين من إدارة الرئيس بايدن، ويمكن للعالم أن يتوقع حربا متواصلة بين
الجمهوريين والديمقراطيين"، وفق شمول.
نتائج غير محسومة
لكن الترعاني يرى أن "الأمر لا يزال غير محسوم،
حيث إن استطلاعات الرأي تدل على أن فرص الحزبين متقاربة، وإذا صدقت نتائج هذه
الاستطلاع واستمر الحزب الديمقراطي في التقدم فيها والمحافظة على ذلك حتى موعد
الانتخابات، وفاز بكل المقاعد المتوقع فوزه بها بناء على هذه الاستطلاعات، فهذا
يعني أنه سيحافظ على الأغلبية في مجلس الشيوخ، وهذا الأمر سيشكل انتصارا كبيرا جدا
لجو بايدن".
وأوضح أنه "في حال حافظ الديمقراطيون على الأغلبية
في مجلس النواب وهو الأسهل، فسيعني ذلك احتفاظهم بالأغلبية في المجلسين، وهذا يعني
أن فترة العامين القادمين ستكون مريحة لإدارة الرئيس بايدن وستسير أجندته السياسية
كما يرغب إلى حد ما"، وفق تقديره.
وفي ما يخص نتائج مجلس الشيوخ قال الترعاني:
"تنقسم مقاعد مجلس الشيوخ حاليا بين الحزبين، أي خمسين عضوا لكل حزب، والذي
يحسم التصويت حسب الدستور الأمريكي هو نائبة الرئيس، ولهذا فإنها في بعض القرارات اضطرت
للذهاب إلى مجلس الشيوخ لتحسم التوازن، وهذا الوضع مقلق جدا بالنسبة
للديمقراطيين".
وتابع: "في حال لم تكن الأغلبية في مجلس الشيوخ
للديمقراطيين، أي عدم حصولهم على 51 في المائة، عندها سيضطرون للاستعانة بنائبة
الرئيس، وقد حدث ذلك من قبل في قضية البيئة والاستثمار في البنية التحتية والتي
كانت بالنسبة لبايدن من أهم القرارات التي يريد تمريرها في الكونغرس"، كما
يقول الترعاني.
اقرأ أيضا: السجال يتواصل بين ترامب وبايدن.. والأخير: نحترم رغبة الشعب
واشنطن تهدد الرياض والأخيرة تتمسك بموقفها.. توتر مستمر
محللون يقرأون حلولا مطروحة للتخلص من نظام السيسي
هل ستؤدي أسعار النفط إلى خلافات سعودية إماراتية؟