السباق المحموم على
امتلاك الفضاء
في عصر السباق المحموم نحو
الفضاء، لا سيما على خلفية الحرب الباردة في ما كان يعرف بحرب النجوم، بين المعسكر
الغربي الذي تقوده أمريكا، والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق، تطور
هذا السباق رغم سقوط الاتحاد السوفييتي، وفي خضم العولمة التي أسست لتعاون دولي في
جميع المجالات والتي أثمرت عن محطة دولية شارك فيها المعسكران الشرقي والغربي. ظلت
المنافسة في ذلك المجال ودخلت دول جديدة لم تكن لتنخرط في هذا المجال لولا الجهود
العملية المبذولة في هذا الشأن، ودفع تلك الدول باتجاه تملك تلك التكنولوجيا التي
كانت في السابق حكرا على الدول الكبرى، فباتت الدول تتزاحم في الفضاء بأقمار
صناعية، منها ما تمت صناعته محلياً في تلك الدول لإثبات التفوق والجدارة في مزاحمة
الكبار، ومنها ما تم شراؤه لإثبات الحضور بين الكبار.
فالعالم اليوم بات يعتمد
على الفضاء بشكل كبير في الكثير من المجالات، بداية من المجالات العسكرية، وصولا
إلى الزراعة والاتصالات الشخصية بين الأفراد، وقيادة سياراتهم، ومروراً بالإعلام
الذي يلعب دورا كبيرا على مستويات مختلفة وأسباب مختلفة كل حسب الدولة والنظام
الذي يستخدمه، نفعاً لشعوبها أو قهراً لهم. لذا تحول السباق من سباق إثبات الذات إلى
اقتصاد تتصارع للسيطرة عليه الدول الكبرى وتحاول مزاحمتها دول صاعدة كتركيا.
ولأن المحاصصة هي العالم الموازي الذي يعيش فيه الفضائيون في العراق، فقد هيَّأ النظام الحاكم لصراعات القوى الفاعلة في البلاد المجال لحياة أطول لهؤلاء الفضائيين، ومع اختلاف صانعي النظام على شكل ومساحة تحركات الفضائيين فهناك من يطالب بتغير النظام السياسي المعمول به الآن، النظام البرلماني، إلى النظام الرئاسي، وكأن المشكلة في شكل النظام الحاكم، لا في طريقة تطبيق النظام السياسي
ففي الوقت الذي لا تزال
فيه دول الاقتصاد الريعي تصارع الموت في ظل التحولات الغربية من الوقود الأحفوري
الذي ستنتهي استخداماته في السنوات العشر
أو العشرين القادمة، يصنع الغرب اقتصاده فيما يسمى باقتصاد الفضاء، ليحلب ما تبقى
من مليارات دول الاقتصاد النفطي، غير مكتف بالمليارات التي استولى عليها خلال
السنوات الماضية بحجة الحماية، أو حتى بالابتزاز.
العراق وعالم الفضاء
بعيداً عن كل هذه
الازدحامات والفلسفات والتجاذبات يغرد
العراق في فضاء آخر، غير ذلك الفضاء المحدود
الذي يظل العالم بقمره ونجومه والكواكب الأخرى في الجوار التي يتسابق العالم للوصول
إليها واكتشافها. فالعراق الذي عرف الفضاء وأرسل فضائييه بعد 2003 للتسكين في
الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية في المحافظات، كان له السبق في أن يمثل
العالم العربي في هذا المجال، بعد أن استشرت الظاهرة وباتت جزءا من المنظومة
الإدارية في عراق ما بعد الاحتلال الأمريكي
وسيطرة المليشيات على مقدرات هذا البلد
الذي كان يصنف في فترة من الفترات بين الدول الساعية لدخول نادي الكبار؛ بثورة
علمية استجلبت لها العقول العربية التي لم تتأخر لنداء العراق في وقتها، وفتحت
الجامعات والمعامل أبوابها للعلماء العراقيين والعرب من أجل صناعة الحلم نموذجاً
لتقتدي به العرب، قبل أن يحطم الحلم مغامرات سياسية سحبت البلاد في النهاية
للاحتلال.
لمن لا يعرف تعريف
الفضائي في العراق، فهو ذلك الموظف الوهمي الذي يصرف له راتب وهو بالأساس غير
موجود على رأس عمله، إنما يستفيد من إدراج اسمه على قوائم الرواتب أحد السياسيين
أو المسئولين، حيث تحول رواتب هؤلاء الفضائيين إلى الحسابات البنكية لهؤلاء
السياسيين أو قادة المليشيات
ليتربحوا من وراء هؤلاء.
لكن الجديد في
حكومة السوداني الذي تم اختياره للخروج من أزمة تشكيل الحكومة
المستمرة منذ عام، وما تخللها من صراعات واعتصامات وتظاهرات واقتحامات للدوائر
الدستورية للدولة، وسقوط ضحايا من المغيبين والمخطوفين ذهنياً وغير المستفيدين من
مكاسب المحصلة من قبل قادة الأحزاب والمليشيات، أن الفضائيين تمت ترقيتهم إلى درجة
وزير.
المحاصصة في العالم الموازي
لفضائيي العراق
منذ صدوره في 2005
والدستور الحالي للعراق يتعرض لاتهامات بترسيخ
الطائفية والانقسام المذهبي والعرقي،
من خلال توزيع المناصب، كما أن عدم وضوح بنود مختلفة فيه، خاصة فيما يتعلق بالفصل
بين السلطات التشريعية والتنفيذية، وآلية تشكيل الحكومة، وصلاحيات مجالس المحافظات
والمحافظين، وانتخاب رئيس الجمهورية، جعلت المحكمة الاتحادية تتدخل بشكل مستمر،
ولأن الأمور أبعد من أن تصدر فتاوى دستورية، فقد اتخذ الفاعلون على الأرض قراراً
بتقاسم السلطة من خلال لوغاريتم لا يمكن لأحد حله إلا من صنعوه، وحتى من صنعوه
يختلفون في تفسيره، لأنه في النهاية مبني على المحاصصة المبنية على فكرة البقاء
للأقوى. والأقوى في العراق هو من يمتلك السلاح الأكثر، والذي يستطيع أن يهدد مصالح
باقي الشركاء.
حقيقة الأزمة في العراق تكمن فيمن يتصدرون المشهد ويطبقون هذا الدستور على عيوبه. فلقد تجاوزوا الفضاءات الملغومة في الدستور إلى فضاءات أوسع؛ يُنتهك فيها حق المواطن في تداول السلطة والتعبير عن الرأي، إلى حقه في وظيفة تحترم آدميته
ولأن المحاصصة هي العالم
الموازي الذي يعيش فيه الفضائيون في العراق، فقد هيَّأ النظام الحاكم لصراعات
القوى الفاعلة في البلاد المجال لحياة أطول لهؤلاء الفضائيين، ومع اختلاف صانعي
النظام على شكل ومساحة تحركات الفضائيين فهناك من يطالب بتغير النظام السياسي
المعمول به الآن، النظام البرلماني، إلى النظام الرئاسي، وكأن المشكلة في شكل
النظام الحاكم، لا في طريقة تطبيق النظام السياسي. ولأن الحقيقة تكشف عن واقع أكثر
قتامة مما يتخيل الداعون، فإن تحول العراق من البرلماني للرئاسي أو حتى المختلط لن
يغير شيئا، فمن يحركون الخيوط من وراء الستار في النهاية هم من يتحكمون في شكل
الدولة وتوجهاتها، لكن الدعوة للنظام الرئاسي تخفي وراءها نفساً طائفياً، لا سيما لو
عرفنا أن وراءها واحدا من قادة المليشيات ذات السطوة والنفوذ في العراق، ولا عزاء
للثوار الحالمين بدولة مدنية تستوعب الجميع.
فالأزمة لا تكمن في
الدستور الحالي في حد ذاته، وإن كان به الكثير من المواد المثيرة للأزمات، لكن
حقيقة الأزمة في العراق تكمن فيمن يتصدرون المشهد ويطبقون هذا الدستور على عيوبه.
فلقد تجاوزوا الفضاءات الملغومة في الدستور إلى فضاءات أوسع؛ يُنتهك فيها حق
المواطن في تداول السلطة والتعبير عن الرأي، إلى حقه في وظيفة تحترم آدميته ولقمة
يقتات بها من جوع فرضه عليه توزيع إيرادات النفط على أباطرة السياسة والسلاح الذين
يحكمون بلده.
إن ما يعيشه العراق اليوم
هو سردية الدولة الموازية، يلعب فيها الفاعلون الحقيقيون في طهران بعرائس الماريونت
ليمثلوا في تلك السردية حكاية دولة كان يفترض بها أن تكون كبيرة، فانتهى بها
المقام إلى أن تحلق في الفضاء بوزارات وحكومة فضائية يجني من ورائها النظام في
طهران مكاسب سياسية قبل الاقتصادية، ولا أعرف ماذا لو سقط هذا النظام، فمن لتلك
العرائس وهؤلاء الفضائيين، ومن للعراق ليعيده إلى أرض الواقع ليبني دولة المواطنة
الحديثة التي يحلم بها كل وطني حر؟