قال الناشط السياسي المعروف،
رامي شعث، إن الشكوى الرسمية التي تقدم بها أمام اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والقضايا الدولية المُماثلة، "ستضع النظام
المصري أمام خيارين: إما تغيير توجّهاته والتوقف عن
القمع، أو تزايد رفع قضايا إقليمية ودولية ضده"، داعيا إلى انتهاج "أدوات وأساليب جديدة في مواجهة قمع
السيسي".
وأوضح، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن إقامة العديد من
الدعاوى القضائية الخارجية ضد النظام المصري "ستؤدي إلى عزل النظام عن العالم، وستعزز مواجهته بالقانون الدولي والعدالة في العديد من المحاكم الإقليمية والدولية، وحينها سيكون مُحاصرا من قِبل المحاكم الدولية".
وكان شعث قد أعلن، الاثنين، عن تقدمه بشكوى إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، التابعة للاتحاد الأفريقي، وذلك على خلفية "الانتهاكات المُمنهجة" التي أكد أنه تعرض لها خلال وبعد فترة اعتقاله في مصر، ومن أجل استعادة حقوقه التي سلبته إياها السلطات المصرية.
هذه الشكوى قدمتها بالإنابة عن شعث وزوجته الفرنسية سيلين ليبرون-شعث، منظمة المجتمع المفتوح (مبادرة العدالة) بالتعاون مع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومبادرة الحرية، ومعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط.
محاولة وقف الدعوى القضائية
ولفت شعث إلى أن "مصر وقعت على ميثاق الاتحاد الأفريقي واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، وبالتالي بات هذا الميثاق مُلزما للدولة المصرية"، مشيرا إلى أن "إجراءات التقاضي ستأخذ وقتها، وأنا متأكد من الوصول إلى النتيجة العادلة في نهاية المطاف".
وأكد أن "النظام الحاكم في مصر سيحاول وقف نظر الدعوى والشكوى التي قمت برفعها أمام المحاكم، لأنه يدرك جيدا أن هذه الدعوى وتفاصيلها تدين النظام وإجراءاته بحقي وبحق عشرات الآلاف من المصريين المعتقلين، إلا أنني متأكد من أن هذه الدعوى ستأتي بنتائجها المأمولة يوما ما".
في انتظار العدالة الغائبة
أما عن الأسباب التي دفعته لتقديم شكوى لدى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان، فأشار شعث إلى أنها تتمثل في تعرضه للاعتقال التعسفي المُخالف للقانون لمدة سنتين ونصف، وبلا أي محاكمة أو أدلة أو قضية أو حتى تهمة. فقط قمع واعتقاد في التسيد وقدرة النظام على انتهاك حقوق المصريين وحقوقي وحقوق أسرتي، وسرقة ممتلكاتي ومنقولاتي من البيت".
كما أن من بين الأسباب التي جعلته يلجأ لهذه الخطوة، التي قال إنها سيتبعها خطوات أخرى لاحقة، هو رفضه التام لوضع اسمه ضمن "قوائم الإرهاب"، وسحب جنسيته وإجباره على التنازل عنها، وترحيله قسرا خارج البلاد، فضلا عن ترحيل زوجته للخارج، مضيفا: "كل هذه الإجراءات غير قانونية وظالمة ومُجرمة جملة وتفصيلا".
وأردف: "أنا أطالب بالعدالة التي انتظرت -بلا جدوى- تحقيقها بعد 11 شهرا كاملا منذ إخلاء سبيلي، خاصة أن إخلاء سبيلي دليل على عدم وجود أي اتهامات حقيقية، لأنه جرى قمعي ظلما طيلة عامين ونصف، وبالتالي كان من الواجب فور انتهاء تلك الفترة القاسية والمريرة أن يتم تقديم اعتذار لي وتعويضي وتعويض أسرتي، ورد جنسيتي، لكني بكل أسف تعرضت إلى قمع أقسى وأكثر، بالإضافة إلى حملات التهديد والتشويه والسباب التي شنّها ضدي إعلام النظام في أوقات مختلفة".
وقال: "لقد انتظرت خلال تلك الأشهر الماضية رد حقي واعتباري، خاصة بعدما إطلاق الاستراتيجيات المزعومة لحقوق الإنسان، ولجان العفو والحوار السياسي، وكان لدي ثمة أمل أن هذا ينتهي بالإفراج عن جميع المعتقلين، وحل أزمة الاستبداد القائمة، وطي صفحة جمهورية الخوف في مصر، لكن ما حدث هو العكس تماما".
بدء مسار التقاضي الدولي
ونوّه شعث إلى أن "أعداد المعتقلين زادت خلال الـ11 شهرا الماضية، والحوار السياسي أتضح تماما أنه مائع للغاية، ولم يبدأ حتى الآن، وتشكيله ونواياه واضحة للكافة، واستراتيجية حقوق إنسان أصدرتها وزارة الخارجية بهدف التسويق الخارجي للنظام وليس بهدف استخدامها بشكل حقيقي داخل بلادنا، ولذلك لم يكن أمامي للأسف أي طريق سوى بدء مسار التقاضي الدولي".
واستطرد قائلا: "أنا أخذت قراري ببدء التقاضي إقليميا في اللجنة الأفريقية؛ فأنا داعم لقدرة أفريقيا داخليا على حل مشاكلها، وعلى معاقبة الاستبداد في بلادنا المختلفة، ولقد لجأت لهذا المسار بعد فشلي في التقاضي المحلي، وأملي كبير في استرداد حقوقي من تعويضات، واسترداد جنسيتي، وعودتي إلى بلادي، وتغيير القوانين الظالمة والمُخالفة لحقوق الإنسان التي اُستخدمت في قمعي وقمع عشرات الآلاف من المصريين".
وعبّر شعث عن أمله في "الحصول أولا على حقوقي المشروعة عبر هذه اللجنة الأفريقية، والأهم هو الضغط باتجاه إنهاء أزمة الخوف والاستبداد والمعتقلين في بلادنا، وثالثا تشجيع بقية المصريين والمصريات الذين تعرضوا -ولا زالوا- لنفس هذه المظالم وهذا القمع المتنامي، على اللجوء للقضاء الدولي، خاصة مع فشل قضائنا المحلي وتبعيته الكاملة للسلطة التنفيذية وفشله في رد حقوق المواطنين وفي مواجهة الظلم والاستبداد".
تعاطف شعبي عالمي
واستنكر بشدة البيان السابق الذي أصدرته وزارة الداخلية المصرية، والذي قال إنه يسعى لـ "كسب تعاطف الرأي العام الخارجي للحصول على مكاسب شخصية"، وقال: "بيانات وزارة الداخلية سخيفة ومُجرمة جدا بقدر أفعالها تجاهي وتجاه أسرتي وتجاه الشعب المصري".
وأضاف: "لست أنا الذي يسعى لكسب التعاطف الدولي، ولا يفرق معي مطلقا مثل هذا التعاطف، بل إنني طوال حياتي لم أفكر في السفر بعيدا عن بلادنا. أنا تم قمعي وحجزي وسجني ظلما لمدة عامين ونصف العام، ومن ثم سحب جنسيتي وترحيلي خارج البلاد قسرا عبر انتهاج إجراءات تعود للقرن التاسع عشر من أشكال الاستبداد الفج".
ولفت الحقوقي والناشط السياسي إلى أنه لا يتمتع بدخل أو عمل منذ خروجه من محبسه قبل نحو 11 شهرا، "لكني قادر على أتحرك بفضل لله، لأنني أحظى بدعم أسرتي وأصدقائي".
شعث استدرك قائلا: "لكن تعاطف المجتمعات عبر العالم مع حقوق الإنسان وقرارهم برفض الانتهاكات المستمرة بحق الشعب المصري أمر ضروري ونحن نقدّره ونثمنه".
واسترسل بقوله: "رغم أني لا أؤمن بالأنظمة والحكام حول العالم، إلا أنني أؤمن تماما بالشعوب وقدرتها على إجبار الدول والأنظمة من أجل الامتثال إلى حقوق الإنسان".
وقال: "نحن جميعا حول العالم نواجه أدوات قمع بأشكال مختلفة، وعلينا أن نتحد ونعاضد بعضنا البعض في مواجهة هذا القمع. التعاطف العالمي هو تعاطف الشعوب والأحرار في العالم مع قضيتي كما مع قضية كل الشعب المصري".
ولفت شعث إلى أن مشكلتهم مع الحكومات الغربية تتمثل في "انتهاجهم لمعايير مزدوجة واهتمامهم بمصالحهم الاقتصادية والإستراتيجية، والذين تهتم بمصالح إسرائيل أكثر من قيم حقوق الإنسان، ولكن شعوب العالم قادرة على الضغط على تلك الحكومات، ويمكننا نحن بناء علاقات مع تلك الشعوب وبرلماناتها وبلدياتها ونقاباتها ومؤسساتها وأحزابها المختلفة".
أدوات وتحركات جديدة
وبسؤاله عن طبيعة خطواته القادمة، أجاب شعث: "لقد بدأت انتهاج أداة جديدة في مواجهة القمع، وذلك من خلال اللجوء إلى القضاء الإقليمي أولا، رغم أنه كان يمكنني الذهاب للقضاء الدولي، لكني قررت اتخاذ الإجراءات بشكل تدريجي، وهذه إحدى أدوات مواجهة الظلم والانتهاكات التي يجب أن نضع حدا ونهاية لها".
وتابع: "هناك أيضا الأداة السياسية عبر التواصل مع شعبنا المصري وقواه السياسية والحيّة، ومع ضغطه ومقاومته للظلم والاستبداد، من أجل العمل على فضح النظام وكشف ممارساته الاستبدادية في مختلف أنحاء العالم، وبالتالي عدم السماح له بالظهور على أساس أنه نظام يحترم حقوق الإنسان، بينما في واقع الأمر يجري قمعنا في الظلام، وهنا يأتي ضرورة استخدام أداة الإعلام".
وأشار شعث إلى أن "هناك أدوات أخرى عديدة سنستخدمها جميعا في المطالبة بحقوقنا، وفي المطالبة بحقوق الشعب المصري، وفي المطالبة بحريتنا من القمع الشرس الذي نتعرض له".
واختتم شعث حديثه بالتأكيد على أن "لحظة التغيير في مصر قادمة لا محالة طال الزمن أم قصر، خاصة في ظل إصرار الشعب على ضرورة التغيير، وفشل النظام الحاكم على كل الصعد والمستويات السياسية الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يُحتم ويُقرّب قدوم لحظة التغيير التي ستجبر النظام على تغيير سياساته وممارساته أو أنها ستؤدي لتغيير المنظومة الحاكمة نفسها، وعلينا الاستعداد لكلا الحالتين".
ورامي شعث، البالغ من العمر 51 عاما، هو نجل السياسي الفلسطيني البارز نبيل شعث الذي حصل على الجنسية المصرية في ستينيات القرن الماضي في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وبالتالي فهو قد وُلد لأبوين مصريين.