صرح عدد من السياسيين المقربين من مركز صنع القرار في بغداد، بأن هناك حالة من التوتر بين قطبي كتلة الإطار التنسيقي الممسكة بالحكومة والبرلمان.
فمن جهة يحاول قيس الخزعلي الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق»، السيطرة على ملفات الأمن الوطني، بينما يحاول نوري المالكي الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية، دخول اللعبة بمنصب نائب رئيس الجمهورية، ومن ثم السيطرة على قرارات رئيس الوزراء محمد شياع
السوداني، الذي يرى بعض المراقبين أنه يحاول الاستقلال بقراراته. فهل ينجح السوداني بتمرير سياساته الحكومية وسط تجاذبات صراع قوى الإطار التنسيقي، أم سيطاح به نتيجة نزاعات الحلفاء؟
من المعلوم أن كتلة الإطار التنسيقي النيابية تشكلت من فصائل الطيف السياسي الشيعي المقرب من طهران، لمواجهة فوز التيار
الصدري في انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2021، وقد عملت كتلة الإطار بقوة وشراسة على عرقلة تشكيل حكومة الصدر بعد ائتلافه مع قوى سنية وكردية، ونجحت بعد مرور سنة في دفع الصدر خارج اللعبة السياسية، وإن كان البعض يرى أن انسحاب النواب الصدريين من البرلمان كان خطأ صدريا مثل ضربة حظ نجح الإطاريون في استغلالها، ومن ثم توصلوا لتشكيل حكومة يرأسها محمد شياع السوداني.
ومن الواضح أن هناك دفعا من قوى الإطار باتجاه تصفية رجال الكاظمي وتنحيتهم من مناصبهم، وحتى محاكمتهم إن أمكن ذلك؛ باعتبار أن حكومة الكاظمي كانت تحظى بدعم الصدر، وقد اتخذ السوداني بهذا الخصوص خطوات عملية، لكنها لم تكن كافية من وجهة نظر قيادات الإطار، التي يبدو أنها تعد العدة للهيمنة على مؤسسات الدولة والتحكم بالقرارين السياسي والأمني، بعد حملة «تطهير» شملت نحو ألف مسؤول سياسي وأمني وعسكري، واستبدالهم بعناصر من الإطار التنسيقي أو مقربين من قياداته. وقال تحالف الفتح بقيادة هادي العامري؛ إن قرارات إعفاء المسؤولين لم تصدر بدافع إقصاء جهة سياسية محددة، في إشارة إلى التيار الصدري؛ إذ صرحت مديحة المكصوصي النائبة عن كتلة الفتح النيابية بالقول؛ إن «القرارات الجريئة التي اتخذتها حكومة السوداني بشأن المناصب التي منحت بشكل غير أصولي لشخصيات معينة من قبل حكومة تصريف أعمال، هي عين الصواب وإجراء دستوري وقانوني»، مشيرة إلى أن «الإعفاءات لا تمثل استهدافا سياسيا أو إقصاء لطرف دون آخر، بل شملت الجميع، وسيعاد النظر فيها وفقا للمتطلبات والمعايير التي وضعتها الحكومة الجديدة»، مبينة أن «القوى السياسية لم تشترك في هذه القرارات، بل دعمت رئيس مجلس الوزراء بخطواته، وخولته بما يراه مفيدا لمصلحة عمل الحكومة».
ويشير بعض المراقبين إلى أن بوادر الصراع بين قوى الإطار ابتدأت مع محاولة قيس الخزعلي الاستحواذ على الملفات الأمنية والاستخباراتية وأجهزتها في حكومة السوداني، وقد صرح بعض المراقبين بالقول؛ «إن الخلافات بين الإطار التنسيقي ورئيس الوزراء الحالي، بدأت منذ الصراع على رئاسة جهاز المخابرات، وطرح اسم طالب شغاتي رئيس جهاز مكافحة الإرهاب السابق لشغل المنصب، لكن سرعان ما شهدنا طلب استقدامه لهيئة النزاهة بسبب تضخم أمواله. وقد بات واضحا أن قيس الخزعلي يسعى للاستحواذ على منصب رئاسة جهاز المخابرات، لكن السوداني يتعرض لضغوط خارجية، ولاسيما من الولايات المتحدة الأمريكية تمنعه من منح هذا المنصب لـ"العصائب"، أو تسليمه لشخصية قريبة من المعسكر الإيراني».
لقد سعى محمد شياع السوداني لترضية القوى المقربة من طهران في تشكيل كابينته الوزارية؛ إذ اختار قيادات من الفصائل المسلحة المقربة من طهران وزراء في حكومته، مثل نعيم العبودي القيادي في «عصائب أهل الحق» لوزارة التعليم العالي، وأحمد الأسدي قائد «كتائب جند الإمام» لوزارة العمل، لكن محطات تلفزيونية ومنابر إعلامية عراقية، سلطت الضوء مؤخرا على محاولة السوداني الوقوف بوجه ضغوط قوى الإطار التنسيقي؛ إذ رشحت بعض التسريبات حول رفض السوداني منح رئاسة جهاز المخابرات والأمن الوطني إلى فصائل مسلحة موالية لإيران، وإن هذا الأمر أثار حفيظة هذه الأطراف داخل الإطار التنسيقي، ولاسيما حركة «عصائب أهل الحق». وقد نقل موقع «أكسيوس» الإخباري الأمريكي، نقلا عن مصدرين عراقيين، معلومات عن إبلاغ إدارة بايدن لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، رفض التعامل مع الوزراء وكبار المسؤولين في الحكومة، المنتمين إلى الفصائل المسلحة.
وذكر الموقع، أن «إدارة بايدن أوضحت لرئيس الوزراء
العراقي أنّها لن تتعامل مع الوزراء وكبار المسؤولين المنتمين إلى الفصائل التي صنفتها الولايات المتحدة على أنها منظمات إرهابية». وأنّ «إدارة بادين قررت بالفعل عدم التعامل مع وزير التعليم العالي، نعيم العبودي، وهو الناطق الرسمي باسم حركة عصائب أهل الحق، الفصيل المسلح الذي تموله إيران». وأوضح التقرير، أن «السفيرة الأمريكية في العراق ألينا رومانوسكي اجتمعت مع السوداني عدة مرات منذ أن تولى منصبه، وأبلغته بالسياسة الأمريكية بشأن التعامل مع وزراء حكومته».
في المقابل، جاءت تصريحات قيس الخزعلي الإعلامية مستفزة، وتحمل نوعا من الإهانة الضمنية وهي تتناول السوداني بالنقد والتقريع، إذ قال الخزعلي، خلال مقابلة تلفزيونية؛ إن رئيس الوزراء ملزم بالرجوع إلى الإطار التنسيقي، لافتا إلى أن الأخير يعتبر بدرجة مدير عام في تمشية أمور الحكومة، أما الأمور الأمنية والاقتصادية والسياسية الاستراتيجية، فلا بد من رجوعه فيها إلى الإطار، حسب الاتفاق. وأوضح الخزعلي أن «نظامنا برلماني، ورئيس الجمهورية فيه غير منتخب من الشعب، حتى يتحمل المسؤولية أمام شعبه، إذن فعلى رئيس الوزراء عدم الانفراد بقرار الدولة، بل الرجوع إلى الإطار التنسيقي ويكون هو جزءا من القرار في اتخاذ القرار، والمقصود بالقرارات؛ الاستراتيجية السياسية، أو الاقتصادية، أو الأمنية».
من جانبه، يسعى نوري المالكي لأداء دور أكثر وضوحا عبر تسنمه منصب نائب رئيس الجمهورية، وقد كشفت عدة مصادر عن أن «أطراف الإطار التنسيقي، صوتت على ترشيح المالكي كمرشح وحيد لشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، وفق الاستحقاق الانتخابي». لكن المالكي بدوره يبدو غير راض عن أداء السوداني، إذ أبدى المالكي، خلال مقابلة تلفزيونية امتعاضه من تراجع السوداني عن بعض القرارات التي سبق أن اتخذها، ولاسيما إلغاء تعيين عدد من المسؤولين في عهد الكاظمي، ثم العودة عنها. وقال المالكي: «ليسمعها مني السوداني بأني غير راض عما اتخذه من قرارات، التي كانت في بداية الأمر شجاعة بإلغاء قرارات حكومة تصريف الأعمال، لكنه تراجع عن بعضها؛ لأنه لا يمكن لرئيس الحكومة أن يكسر قراراته». وكشفت بعض التسريبات أن «السوداني تخلف عن حضور آخر ثلاثة اجتماعات أسبوعية عقدها الإطار التنسيقي، الأمر الذي أثار حفيظة أطراف داخل الإطار، ولاسيما نوري المالكي، وقيس الخزعلي، وتوقعت أن «الهجوم الأخير المبطن الذي شنه نوري المالكي، وقيس الخزعلي على رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، كان مقصودا لإرسال رسائل تحذيرية من تمرده على الاتفاقات داخل الإطار التنسيقي، التي تلزم الأخير بالرجوع إليه في القرارات المهمة».
الصراع بين نوري المالكي وقيس الخزعلي، الذي محوره السيطرة على قرارات السوداني لم يعد خافيا على أحد في الساحة العراقية، وقد كشف النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني عماد باجلان عن جانب من هذا الصراع بالقول؛ إن «أربعة وزراء تابعين لائتلاف دولة القانون قدموا استقالاتهم إلى السوداني، بسبب تدخل العصائب في عمل الوزارات، وبيع معامل أكسدة تابعة لوزارة النفط».
وأضاف باجلان: «لولا تدخل هادي العامري وعمار الحكيم لتفاقمت المشكلة»، مؤكدا أن ائتلاف دولة القانون «يواجه مصاعب» من حركة عصائب أهل الحق. فهل سينجر الحلفاء لصراع يطيح حكومتهم التي وضعوا السوداني على رأسها؟ هذا ما سيكشفه المقبل من الأحداث.
(
القدس العربي)