أثار
تصدر
فرنسا مؤتمرات بغداد للتعاون والشراكة في نسختيه الأولى والثانية، العديد من التساؤلات
عن أسباب دخول باريس إلى الملف
العراقي، ومساعيها إلى تخليص العراق من "الهيمنة
الإيرانية"، بحسب ما صرّح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.
وعقد
الثلاثاء "مؤتمر "بغداد 2" للشراكة والتعاون" في منطقة البحر الميت بالأردن،
بتنظيم عراقي -فرنسي، ومشاركة السعودية والأردن والإمارات والبحرين وتركيا وسلطنة
عُمان وقطر والكويت ومصر وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون
الخليجي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
"إنهاء
التبعية"
وبعد
انتهاء المؤتمر صدرت تصريحات عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال مقابلة مع صحيفة
"النهار" اللبنانية، الجمعة، أكد فيها أنّ هدف مؤتمر "بغداد
2" هو تقديم طروحات إلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لكي لا يبتعد
عن أجندة إقليمية.
وأوضح
ماكرون أنه "مقتنع منذ البداية بأنه لا يمكننا إيجاد أي حل لمشكلة لبنان والعراق
وسوريا إلا في إطار حوار لتقليص التأثير الإقليمي الإيراني"، مؤكدا أن "الإيرانيين
لم يستمعوا، ولم يلتزموا بشكل صادق. لقد رأينا ابتداء من 2019 و2020 أن رئيس الحكومة
العراقية مصطفى الكاظمي يبدي رغبة في التقدم بالعمل".
وتابع:
"ثم جاء رئيس الحكومة العراقي السوداني المدعوم من غالبية معروفة بأنها أقرب إلى
الإيرانيين. بالنسبة لي لو لم نجمع هذا المؤتمر لكان الخطر أن يبتعد العراق عن الأجندة
الإقليمية. مع هذا الإطار نتيح إيجاد بدائل. قبول السوداني لهذا المؤتمر هو انتصار
لهذه الأجندة، وأن يعقد هذا المؤتمر بشكل جيد هو انتصار، كما أن بداية وضع مشاريع على
السكة هو انتصار".
وتطرق
ماكرون إلى اجتماع "عقد في إطار مصغر دون الأتراك والإيرانيين وبدأنا نضع خطوطا
للعمل بدءا من الشهر المقبل. هناك مشاريع حيوية للعراق في المياه والكهرباء والغاز
والتطور الاقتصادي. بإمكاننا مساعدتهم ولديهم حاجات للخروج من التبعية الإيرانية والنفطية.
وهذا لن يتم حله في يوم واحد".
"تبادل
أدوار"
وبخصوص
أسباب دخول فرنسا إلى الملف العراقي، قال أستاذ الإعلام العراقي الدكتور فاضل البدراني
إن "فرنسا دخلت إلى الملف العراقي حتى قبل رعايتها لمؤتمر بغداد في نسخته الأولى
التي جرت في آب/ أغسطس 2021، ونسخته الثانية التي عقدت قبل أيام في العاصمة الأردنية
عمّان".
وأوضح
في تصريحات لـ"عربي21" أن "الرئيس الفرنسي زار قبل ذلك بغداد، وأدلى
بتصريحات بخصوص التعاون مع العراق، فكل هذا يدل على أن فرنسا بدأت تقترب من العراق،
وهو جزء من الاهتمام الأوروبي في الشرق الأوسط، وكأن الفرنسيين مكلفون بالنيابة عن
أوروبا بالدخول للمنطقة".
وربط
الخبير في الشأن العراقي "التوجه الفرنسي بالتوجه الغربي الأوروبي نحو الشرق الأوسط
ومحاولة تهدئة أوضاعه، وفي محاولة لمعالجة الفجوة التي حصلت مع روسيا، وخصوصا ما يتعلق
بمصادر الطاقة، والتي توقفت بسبب الحرب مع أوكرانيا، وتعيش أوروبا بسببها أزمات كبيرة".
ورأى
البدراني أن "تصريحات الرئيس ماكرون بخصوص إخراج العراق من الهيمنة الإيرانية،
يجعلنا نعتقد أن الموقف الأمريكي والفرنسي واحد، ولا أستبعد أن تكون واشنطن قد كلفت
باريس بهذا الدور لمحاولة إخراج العراق من الهيمنة الإيرانية".
وأشار
إلى أن "الفرنسيين قد يكون لهم مقبولية من وجهة نظر الأمريكيين والغربيين، حتى
تحل محل الولايات المتحدة التي لا تزال صورة الاحتلال وجرائمه في العراق حاضرة، وهذا
شوه صورة أمريكا لدى المواطن والسياسي والأحزاب العراقية".
وتابع:
"يبدو أن العراق يمثل بالنسبة للأوروبيين قمة الهرم في منطقة الشرق الأوسط من
حيث أهمية ثرواته وموقعه الجغرافي، وهذا بدأنا نلمسه. وقبل يومين جاءت زيارة رئيسة وزراء
إيطاليا جورجيا ميلوني في السياق نفسه، في أول زيارة خارج أوروبا لها منذ توليها المنصب".
من جهته،
قال رئيس مركز "التفكير السياسي" في العراق الدكتور إحسان الشمري لـ"عربي21"
إن "فرنسا ساعية باتجاه اقتطاع مساحة لها على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وتجد
في العراق وبعض البلدان الهشة خير ما يمكن أن يحقق اندفاعها وحصولها على مساحة النفوذ
هذه".
وأوضح
الشمري أن "فرنسا لديها تطلعات اقتصادية، فهي تجد في العراق ودول المنطقة ما يمكن
أن يلبي طموحها الاقتصادي سواء على مستوى الصناعات أو ما يرتبط بالتبادل التجاري، وإمدادات
الطاقة".
واستبعد
الخبير العراقي أن "تنسحب الولايات المتحدة لصالح فرنسا، وإنما هذا الانخراط الفرنسي
قد يكون نوعا من أنواع تبادل الأدوار، وأن باريس قد تكون مقبولة أكثر من واشنطن، لكن
في النهاية هذه الملفات التي انخرطت بها فرنسا قد تكون معقدة للغاية بالشكل الذي لا
يمكن أن تحقق به تقدما كبيرا".
التجربة
اللبنانية
وعن
مدى نجاح فرنسا في ملف العراق، قال البدراني إن "فرنسا لن تنجح في مساعيها لإخراج
العراق من الهيمنة الإيرانية، فهي لن تعوض مكان الولايات المتحدة التي لها تأثير في
الجوانب السياسية والاقتصادية والتحولات في العلاقات الدولية في التأثير ومحاصرة إيران
وانتشال العراق، وأن فرنسا لا تمتلك كل هذا".
وأكد
البدراني أن "فرنسا فشلت في الملف اللبناني، وأن الملف العراقي يكاد أن يكون نسخة
مكررة من ملف لبنان الشائك والمعقد في إطار المكونات والمذاهب والديانات، لكن ربما
تنجح في ملف تحسين العلاقات مع العراق اقتصاديا بما في ذلك ملف الطاقة".
وأوضح
أن "ذلك ممكن أن يكون عاملا يخدم العراق، إذا كان متحررا من الهيمنة الحزبية،
لتنشيط التنمية الشاملة في العراق وتكون مبيعات النفط العراقي إلى فرنسا، وكذلك لتنشيط الشركات الفرنسية في العراق حتى يتحقق النجاح للبلدين".
ورأى
البدراني أن "هذا قد يكيف الأجواء باتجاه صناعة الاستقرار في العراق، خصوصا إذا
كان هناك تنسيق مع الأطراف العربية، التي كانت حاضرة بقوة في مؤتمر بغداد بنسخته الثانية.
وهذا يمكن أن يخفف الدور الإيراني الممسك بالعراق".
وفي
السياق ذاته، رأى الشمري أن "الخطوات الفرنسية لم يكتب لها نجاح في الداخل العراقي،
فهو محكوم بمعادلة ثنائية (واشنطن-طهران) لذلك فإن باريس تحاول. لكن لا أعتقد أنها ستتكلل
بالنجاح، خصوصا في ظل تدافع أكثر حدة من السابق".
وخلص
رئيس مركز "التفكير السياسي" في العراق الدكتور إحسان الشمري، في ختام حديثه
إلى أن "تجربة لبنان قد تكون ماثلة من جديد أمام فرنسا في قضية عدم اكتمال نجاحها
في العراق".
وفي
ذات الصدد، قال الكاتب العراقي، فاتح عبد السلام، خلال مقال نشرته صحيفة "الزمان"
العراقية، السبت، إن "ماكرون يعرف من خلال كلامه مديات التأثير الإيراني في اللعبة
السياسية في المحور الإقليمي كله بما فيه العراق، وهو من خلال ذلك يرسم الدور الفرنسي".
ورأى
عبد السلام أن " كلامه (ماكرون) يقوم على تناقض كبير، ذلك أنَّ مطالبته بتغيير
قادة لبنان من أجل إصلاح البلد، وقسم منهم متلاحم الولاء والتبعية مع النظام في طهران،
إنّما هي دعوة من لا يستطيع أن يغير شيئا من واقع يتجذر يوما بعد آخر".
وأردف:
"وفي ضوئه يجري رسم الخرائط الإقليمية الجديدة، التي لا يتوقف ترسيمها إلا إذا
وقعت حروب كبرى جديدة، وهي غير مضمونة النتائج أيضا، وبالنتيجة فلا يملك ماكرون حلولاً
للأزمات إلا من خلال الباب الإيراني".
وكان
البيان الختامي لمؤتمر "بغداد 2"، قد أكد وقوف الدول المشاركة فيه إلى جانب العراق في
مواجهة جميع التحديات، بما فيها "الإرهاب"، والمضي في التعاون معه دعما لأمنه
واستقراره وسيادته ومسيرته الديمقراطية وعمليته الدستورية وجهوده لتكريس الحوار سبيلا
لحل الخلافات الإقليمية، رافضين "التدخل في شؤونه الداخلية".