قالت
دراسة أعدها مركز حرمون للدراسات، إن ازدياد النقص وشدة التقنين وتراجع حصص
الأفراد والعائلات من الطاقة الكافية لأداء الوظائف الضرورية للحياة في
سوريا،
أظهرت تحولات تدريجية في أنماط الحياة الاجتماعية، أملتها ظروف التكيف القسري مع
الواقع الجديد.
وتناولت
الدراسة واقع ندرة الطاقة وأثرها على السوريين ومجتمعهم في مناطق سيطرة النظام
السوري.
ورأت
الدراسة أن غياب الخدمات الضرورية للحياة، أبرز المشاعر السلبية لدى السوريين،
وأنتج مزيدًا من القابلية والاستعداد للانحراف والتشوهات الاجتماعية الناجمة عن
مشاعر الضيق والتوتر والقلق، بسبب نقص الاحتياجات الرئيسية.
وتصاعدت
أزمات الطاقة بوضوح منذ عام 2012 في سوريا، لعجز النظام عن تأمين الكفاية، لأسباب
عسكرية واقتصادية، وترافقت الأزمات مع تقنين حاد وانخفاض في كميات حصص الطاقة التي
يمنحها النظام للأفراد والمؤسسات، وبدأ السوريون يخوضون حروبًا يومية لتأمين
احتياجاتهم منها.
وقسمت
الدراسة إشكاليات التقنين باستخدام المحروقات والكهرباء إلى ثلاثة أقسام هي: تخفيض
الكميات والحصص الممنوحة للأفراد والمؤسسات، والتحكّم في آليات التوزيع ومواعيده،
وارتفاع الأسعار الرسمي وغير الرسمي للمشتقات النفطية نتيجة هذا التحكم.
وأظهرت
الدراسة أن 3،5 بالمئة فقط من أفراد العينة حصلوا على القدر الكافي من مصادر
الطاقة، مقابل 96.5 بالمئة أكدوا عدم حصولهم على حاجتهم الضرورية منها.
ووفق
الدراسة فإن المشاعر السلبية تجاه الفقر الشديد وارتفاع عامل التزاحم المكاني في
البيوت بفعل وباء كوفيد-19، وفرت لدى البعض قابلية الانخراط في نشاط إجرامي وغير
أخلاقي.
وأكدت
الدراسة أن مشاعر الحرمان أدت لارتفاع معدلات الجريمة، وعلى رأسها جرائم السرقة
والجرائم العائلية، مع اتجاه عدد كبير من أفراد المجتمع نحو تعاطي المخدرات
وإدمانها، بما ينعكس في الوقت ذاته على تنامي المظاهر السلبية اجتماعيًا، كالطلاق
والتحرّش والدعارة والبطالة وعمالة الأطفال، وغيرها.
وعبر
37 بالمئة من المستجوبين عن اعتقادهم بوجود رابط كبير بين انتشار جرائم السرقة
وتناقص مصادر الطاقة، حيث وفر شح الطاقة وانعدام الإضاءة أجواء مواتية للسرقة في
ظروف العتمة وقلة العابرين ليلًا.
ولفتت
الدراسة إلى أن الطلاق جاء في المرتبة الثانية كأكثر ظاهرة اجتماعية تفاقمت بسبب
شحّ مصادر الطاقة، حيث أضاف شح الطاقة وغياب خدماتها المنزلية مزيدًا من الظروف
القهرية على العائلة السورية، فارتفعت نسب الطلاق في سوريا إلى ما يعادل ثلث عدد
حالات الزواج، فبمقابل 30 ألف حالة زواج في
دمشق، جرت 10 آلاف حالة طلاق.
وترافق
الطلاق مع العنف العائلي، حيث ساهمت الظروف المعيشية القاسية مع حالة العزلة
والتباعد الاجتماعي على خلق مزيد من الاحتكاك السلبي بين أفراد العائلة، وزيادة
العنف العام والعنف القائم على النوع الاجتماعي الموجه ضد النساء والأطفال.
وتعددت
أشكال العنف العائلي من التعنيف اللفظي والضرب، وصولًا إلى ارتفاع جرائم القتل
فيها، وبحسب الطبابة الشرعية في سوريا، فإن نسبة عالية من جرائم القتل في مناطق
النظام هي جرائم عائلية يكون القاتل والقتيل فيها من أسرة واحدة، وهو ما يدل على
التوتر الشديد داخل المنزل، وفق نص الدراسة.
وبينت
الدراسة أن الظروف الصعبة الناجمة عن تراجع سبل العيش وشحّ مصادر الطاقة خلقت مناخات
أجبرت النساء على الوجود والتعايش إلى حد ما ضمن بيئات لا توفر لهن الحماية
الجسدية والنفسية.
وأشارت
إلى ارتفاع نسب التحرش نتيجة الازدحام الخانق في المواصلات، ومع الحاجة إلى
الخدمات الأخرى، اضطرت النساء إلى الوجود في أمكنة وأزمنة غير مواتية، تعرضن فيها
للتحرش اللفظي والجسدي، ومع انقطاع الكهرباء وفرت العتمة في الشوارع مناخًا
ملائمًا لزيادة التحرش.
واضطر عدد كبير من النساء إلى التنازل الجسدي، مقابل خدمات المواصلات أو خدمات
مالية وعينية، واضطرت كثيرات إلى الصمت أو التجاوب مع تحرشات أرباب العمل، تحت ضغط
الحاجة المادية المتزايدة.
ورأى
22.5 في المئة من أفراد العينة أن حالات التحرش ارتفعت بالتوازي مع النقص في حوامل
الطاقة، بسبب الظروف الصعبة التي نجمت عنها، وعلى رأسها الازدحام الخانق في
المواصلات.
ولعب
النقص الشديد في مصادر الطاقة في سوريا دورًا فاعلًا في انخفاض شبكات الأمان
الاجتماعي، ضمن منظومة متهالكة ينخرها الفساد والاستبداد، وذلك من خلال غياب
الخدمات الرئيسية وعجز أرباب الأسر من الإناث والذكور عن تأدية وظائف الحماية
الأسرية، على الصعيدين الخدمي والاجتماعي، وما نتج منهما بفعل الضيق والغضب
والتشوهات النفسية والقيمية، ومحاولة سدّ النقص المادي والخدمي بطرائق جرمية، أو
محاولات الهرب من الواقع واستحقاقاته، كما في الإدمان على المخدرات.
وربط
20 بالمئة من أفراد العينة بين ارتفاع نسب الجرائم وشح الطاقة، وأكد 5 بالمئة منهم
وجود رابط بين انتشار المخدرات وتداعيات شح الطاقة.