نشرت مجلة "نيويوركر" الأمريكية تقريرًا، تحدثت فيه عن أزمة المهاجرين الذي مات وفقد الكثيرون منهم في طريقهم إلى أوروبا، والطرق المعقدة التي يتبعها الطب الشرعي لتحديد هوية الجثث.
ونقلت
المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، قصة ناسنيت ألمي وايلدميكائيل من إريتريا التي مرت في رحلتها إلى ألمانيا خلال سنة 2015 بأربعة بلدان برا وبحرا، وأمضت شهرا في سجن للمهاجرين. ولمغادرة البلاد، يجب أن يحصل الإريتريون على تأشيرة خروج، التي نادرًا ما تمنحهم إياها الحكومة.
اضطر شقيقها في سن الـ16 إلى الالتحاق بالخدمة العسكرية، حيث يعاني المجندون من العمل القسري، والأجور المنخفضة، والاعتداء الجسدي. وبما أنها لم ترغب أن يلتحق ابنها بالجيش، غادرت البلاد وسارت ثلاثة أيام عبر الصحراء للوصول إلى السودان، حيث عاشت 6 سنوات في الخرطوم عملت خلالها نادلة في مقهى. لكن إقامتها في السودان كانت غير قانونية وكانت مهددة بالترحيل.
وفي ربيع 2013، غادر والد ابنها السودان وهو في السادسة والعشرين من عمره. وفي وقت لاحق من تلك السنة، توقف عن مراسلة أصدقائه بعد أن استقل قاربا في ليبيا متجها إلى إيطاليا. وبعد ذلك بوقت قصير، في الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر،
غرق قارب صيد متهالك مكتظ بالمهاجرين كثير منهم إريتريون قبالة ساحل لامبيدوزا أقصى جنوب إيطاليا.
ذكرت المجلة أن السلطات عثرت على جثث 366 شخصا. وتم تداول صور الضحايا المحتملين بين المجتمع الإريتري المتماسك في الخرطوم، وشعرت ناسنيت بحزن شديد عندما رأت صورة شخص يشبه والد ابنها بنيام. وبعد مرور سنتين على الحادثة، قررت بدورها السفر إلى أوروبا في رحلة محفوفة بالمخاطر.
وأوضحت قائلة: "كنت أعلم أن الطريق من السودان إلى ليبيا صعب، خاصة بالنسبة إلى امرأة. كنت أعرف أن الناس يموتون في
البحر للوصول إلى أوروبا. ولكنني حسمت قراري".
لقد أرادت كسب المال لإرساله إلى والدتها في الوطن، ومنح طفلها الفرص التي حُرمت منها وهي "الدراسة والحصول على وظيفة وحياة طبيعية". قررت ترك طفلها الصغير مع صديق للعائلة في الخرطوم من أجل سلامته. وفي حال حصلت على حق اللجوء في أوروبا، يمكن لابنها يافت الانضمام إليها.
شقّت ناسنيت طريقها عبر صحراء الساحل التي مات فيها العديد من المهاجرين جوعا وعطشا، وحيث ينتشر العنف الجنسي لدرجة أن بعض النساء يأخذن موانع الحمل قبل الشروع في الرحلة. وعندما وصلت إلى ليبيا، تم احتجازها في مركز اعتقال في طرابلس. وبعد شهر أطلق سراحها ودفعت حوالي ألفي دولار للصعود على متن قارب متجه إلى إيطاليا ثم واصلت رحلتها إلى ألمانيا، وحصلت في نهاية المطاف على حق اللجوء وعلى تصريح إقامة لمدة سنتين قابلة للتجديد.
وذكرت المجلة أنه عندما اتصلت نانسيت بالسفارة الألمانية في الخرطوم لتطلب التحاق طفلها بها، قيل لها إنه لا يمكنه الانضمام إليها إذ ينص القانون الألماني على أنها بحاجة إلى موافقة والده لإحضاره أو شهادة وفاة تثبت وفاته. ولكن نادرًا ما يتم العثور على جثث المهاجرين الذين لم ينجحوا في الوصول ولم يكن لديها دليل على وفاة بنيام.
في السنة الماضية، اتصلت نانسيت بطبيبة أنثروبولوجيا متخصصة في الطب الشرعي تُدعى كريستينا كاتانيو، رئيسة مختبر الأنثروبولوجيا وعلم الأسنان في جامعة ولاية ميلانو. أمضت كاتانيو معظم حياتها المهنية في التعرف على جثث الأشخاص الذين فقدوا في إيطاليا. ومنذ سنة 2013، استخدمت أيضًا أدوات علم الطب الشرعي، التي تشمل صور ما قبل الوفاة، وتركيب الأسنان، وعلامات الجسد، والممتلكات الشخصية، وعينات الحمض النووي، للمساعدة في التعرف على جثث المهاجرين المفقودين.
صُدمت كاتانيو عندما سمعت لأول مرة عن المدة التي قضاها بِنيام في عداد المفقودين، دون أي جهد حكومي لتحديد مصيره. وتبنت كاتانيو القضية على الفور مشيرة إلى أن الأمر يتعلق باحترام حقوق البشر في التعرف على موتاهم.
أشارت المجلة إلى أن البحر الأبيض المتوسط وشواطئ إيطاليا ومالطا وقبرص واليونان أصبحت في العقد الماضي مقبرة شاسعة. ونتيجة للصراع والقمع والظروف الاقتصادية والمجاعة والجفاف، حاول أكثر من مليوني شخص عبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا منذ سنة 2014، معظمهم من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والشرق الأوسط.
فُقِد حوالي 25 ألف شخص ويُفترض أنهم لقوا حتفهم، ولا تزال معظم هذه الجثث في قاع البحر، بينما جُرف بعضها إلى الشاطئ ودفنوا في قبور مجهولة الهوية ألفان منها في إيطاليا وحدها.
أنشأ الرئيس بيل كلينتون اللجنة الدولية لشؤون المفقودين في سنة 1996، في أعقاب الصراع الذي اندلع في البلقان. على إثر فقدان 40 ألف شخص، اندفعت اللجنة الدولية لشؤون المفقودين إلى مساعدة البلدان في ترتيب أعمال نبش المقابر الجماعية واستخراج الحمض النووي من الجثث البشرية.
وفي نهاية المطاف، تم التعرف على 70 بالمئة من الجثث. وفي سنة 2004، بعد زلزال المحيط الهندي وتسونامي، ساعدت المنظمة البلدان المتضررة في استخراج عينات الحمض النووي لبناء قاعدة بيانات واسعة النطاق للمفقودين، مما أدى إلى تحديد هوية عشرات الآلاف من الأشخاص.
نقلت المجلة عن كاثرين بومبرغر، المديرة العامة للجنة، أن "العثور على الأشخاص المفقودين والتحقيق في اختفائهم هو مسؤولية الدولة، بغض النظر عما إذا كان الشخص مواطنًا أو لا، وبغض النظر عن جنسيته أو خلفيته العرقية. ولكن من الواضح أن هناك معايير مزدوجة".
شجّعت اللجنة الدولية لشؤون المفقودين على بذل جهود مماثلة لتحديد مكان جثث المهاجرين المتوفين والتعرف عليها اليوم، والتحقيق في اختفائهم. وفي سنة 2017، اقترح عضو في البرلمان الإيطالي تمويل تحديد هوية المهاجرين، لكن اقتراحه رُفض. وفي السنة التالية، وافقت إيطاليا ومالطا واليونان وقبرص على تبادل المعلومات مع المفوضية حول الحمض النووي لجثث المهاجرين، لكن لم تقدم أي دولة حتى الآن البيانات المطلوبة. وبدلاً من ذلك، استثمر الاتحاد الأوروبي بكثافة في الجهود المبذولة لمنع الهجرة، حتى لو استلزم الأمر المخاطرة بأرواحهم.
وذكرت المجلة أن المفوضية قامت في سنة 2018 بتدريب خفر السواحل الليبي ومدّه بالمعدات اللازمة لاعتراض طريق المهاجرين المتجهين إلى أوروبا، فقام في بعض الأحيان بإغراق القوارب واقتياد ركابها إلى سجون ليبيا، حيث تعرضوا للتعذيب والابتزاز والعمل القسري. أما الاتحاد الأوروبي، فقد منع المنظمات الإنسانية من الوصول إلى المهاجرين لإنقاذهم أثناء غرق مراكبهم.
وأشارت إلى أن الوفيات غير المسجلة لها تداعيات قانونية؛ فالأشخاص الذين لا يستطيعون إثبات وفاة أحد الزوجين يجدون صعوبة في الزواج مرة أخرى، كما يواجه أقارب المهاجرين المفقودين تحديات عند رفع دعاوى مدنية أو الشروع في إجراءات جنائية ضد المهربين المتهمين بتحميل القوارب فوق طاقتها الاستيعابية أو إرسال السفن الرديئة إلى البحر.
وفي أواخر حزيران/ يونيو، حاول ما يقارب ألفا مهاجر ولاجئ من السودان ودول أفريقية أخرى تسلّق السياج الحدودي بين المغرب ومليلية في الجانب الإسباني. وأصيب العشرات في حوادث تدافع، ولجأت قوات الأمن المغربية إلى ضرب المهاجرين بوحشية وإطلاق الرصاص المطاطي عليهم، فيما لجأ الحراس الإسبان إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع تجاههم.
قُتل ما لا يقل عن 23 شخصًا آنذاك، وأُبلغ عن فقدان 77 آخرين. وفي الأيام التي تلت ذلك، نشرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان صوراً على تويتر تظهر قبوراً محفورة حديثاً، وزعمت أن الحكومة خططت لدفن المتوفين دون التعرف عليهم أو إعلام عائلاتهم أو التحقيق في أسباب وفاتهم.
أوردت المجلة أن مختبر لابانوف في ميلانو أنشأ في سنة 2012 قاعدة بيانات وطنية هي الأولى من نوعها في إيطاليا جمعت صورًا لجثث مجهولة الهوية. وفي 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2013، طالب المختبر المكتب الخاص للمفوض المعني بالأشخاص المفقودين بالسماح له بالتعرف على الضحايا بعد كارثة غرق قارب مهاجرين على بعد أقل من ميلين من ساحل لامبيدوزا كان على متنه 518 شخصًا توفي معظمهم.
كانت الشرطة قد انتشلت الجثث والتقطت صورًا لها وأخذت عينات من الحمض النووي لكل جثة، وتمكنت من تحديد هوية 150 شخصًا، وطلبت من المختبر المساعدة في تحديد هويات 176 آخرين. وطلب مكتب المفقودين الإيطالي من السفارات السودانية والإريترية في
الدول الأوروبية الأخرى الإعلان عن محاولة إيطاليا التعرف على ضحايا القارب. وفي الأشهر التي تلت ذلك، سلكت 80 عائلة طريقها من الدنمارك والنرويج وألمانيا وسويسرا والمملكة المتحدة وأماكن أخرى في أوروبا للقاء فريق المختبر في ميلانو وروما، ومعها صور لأبنائها المفقودين برفقة أقارب لهم لإعطاء عينات من حمضهم النووي.
وفي بعض الحالات، تمكن فريق المختبر من تحديد بعض الهويات بشكل سريع عن طريق بعض الوشوم أو تركيبة الأسنان، حيث تعرف على عشرات الجثث في غضون أيام، وساعدهم في ذلك صور قدمها عائلاتهم.
وأشارت المجلة إلى أن المختبر لم يتلق أي تمويل من الدولة منذ تأسيسه، بل اعتمد في ذلك على المنح المقدمة من المنظمات غير الربحية والباحثين المتطوعين. واستطاع التعرف على 50 جثة، ولكن لا تزال هناك 430 جثة مجهولة الهوية من 68 قاربًا محطمًا قام الفريق بجمع البيانات عنهم.
في السنة الماضية، رفع أبراهام جميكل، وهو مهاجر إريتري يعيش في أستراليا، قضية لمعرفة مصير صهره أبراهيل، الذي قرر أن يشق طريقه إلى أوروبا وكان يعتزم إحضار عائلته بمجرد أن يستقر. ولكن جميكل فقد الاتصال مع أبراهيل في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، في وقت قريب من حادثة غرق سفينة لامبيدوزا. وعندما علمت أسرة جميكل أن القارب قد غرق، اشتبهوا في أن أبراهيل كان على متنه.
حاول جميكل أن يكفل زوجة أبراهيل - شقيقة زوجة جميكل - وأطفاله للانضمام إلى عائلته في أستراليا لكن وزارة الداخلية الأسترالية طلبت شهادة وفاة أبراهيل. تحدث جميكل إلى تاريكي برهان، وهو ناشط إريتري في إيطاليا ثم تواصل مع كاتانيو. بعد ذلك ساعد المنظمة الدولية للهجرة في الحصول على عينات من الحمض النووي لأطفال أبراهيل، الذين كانوا في إثيوبيا، وكانت العينات مطابقة. مات أبراهيل على متن القارب، وكانت كاتانيو تعرف مكان دفن جثته. وتستعد أرملته وأطفاله الآن للانتقال إلى أستراليا.
وحسب المجلة فإن العمل ليس دائمًا بهذه السهولة. في سنة 2015، غرق قارب مهاجرين آخر يقل ما يقرب من ألف شخص بين ليبيا ولامبيدوزا. اعتقلت إيطاليا المهربين الذين أجبروا الركاب على الجلوس على فتحة بدن السفينة بمجرد أن بدأت تمتلئ بالمياه لمنع الأشخاص بالداخل من الهروب. وبعد سنة من غرق القارب، رفعته إيطاليا من البحر وسحبته إلى مدينة ميليلي في صقلية. طلب المكتب الخاص للمفوض المعني بالأشخاص المفقودين من مختبر كاتانيو والجامعات الأخرى إجراء تشريح للجثث قبل وضعها في توابيت ودفنها.
قامت كاتانيو وفريقها بتشريح الجثث لمدة ثلاثة أشهر متتالية في مدينة ميليلي. أثناء تشريحها لجثة صبي يبلغ من العمر تسعة عشر عامًا، وجدت كاتانيو أنه كان يحمل كيسًا بلاستيكيًا من التربة؛ تساءلت في البداية عما إذا كانت مخدرات. لكن عندما عثر فريقها على ركاب آخرين بأكياس مماثلة، علمت أنهم كانوا يحملون تربة من بلدانهم الأصلية.
عملت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مع مختبر كاتانيو للحصول على ملفات تعريف الحمض النووي من مائة وعشرين عائلة ومقابلة الناجين والمهربين. لكن التعرف على الهوية كان أكثر صعوبة لأن القارب كان تحت الماء لمدة سنة، وتحللت وجوه الضحايا واختلطت بعض بقاياهم.
وأفادت المجلة أنه بالعودة إلى سنة 2013، بعد أسبوع من حادثة الغرق التي وقعت في 3 تشرين الأول / أكتوبر، غرق قارب آخر في المياه المالطية كان على متنه حوالي 300 مهاجر سوري، العديد منهم أطفال. قُبض على ضباط من خفر السواحل الإيطالي لفشلهم في المساعدة على الرغم من تلقيهم عدة مكالمات استغاثة. (لم يتم تقديم القضية للمحاكمة مطلقاً، وانتهت فترة التقادم الخاصة بالتهم في 2022.)
قابلت كاتانيو العديد من ذوي الضحايا السوريين وأخذت عينات من حمضهم النووي. قال أحدهم لكاتانيو إن أطفاله الثلاثة اختفوا عندما انقلب القارب. لكن كاتانيو لم تتعرف على أي جثث بين الحطام. كان المختبر يحتوي على 21 جثة فقط ومن المحتمل أن يكون البقية لا يزالون في قعر البحر.
توجهت كاتانيو وزميلتها عالمة الأنثروبولوجيا الشرعية ديبورا مازاريلي إلى حالة نانسيت. لقد كانوا يحاولون منذ شهور التحقق مما إذا كان والد ابنها قد غرض مع حطام سفينة 3 تشرين الأول / أكتوبر. وقام الناجون بتجميع قائمة بالركاب المحتملين، وكان موجودًا فيها.
رأت كاتانيو وماتزاريلي صورة لجثة ذات هيكل وجه يشبه بينيام رغم أنه كان من الصعب التأكد. وقد أرسلوا صورًا للجثة إلى نانسيت، لكن تحديد الهوية باستخدام القرائن المرئية مثل الصور الفوتوغرافية، بدون دعم علمي، ينطوي على هامش خطأ بنسبة ثلاثين في المائة.
كانت حادثة غرق 3 تشرين الأول / أكتوبر غير مسبوقة في إيطاليا. ولمدة ستة أشهر، واصل السياسيون الإيطاليون ووسائل الإعلام في البلاد التعاطف مع وفيات المهاجرين. ولكن بعد ذلك إنساق انتباههم إلى مكان آخر.
وفقا للتقديرات، تم انتشال 13 بالمئة من جثث المهاجرين الذين لقوا حتفهم في تلك الرحلات بين سنتي 2014 و2019، ولا تزال بقية الجثث إما في قاع البحر الأبيض المتوسط أو متحللة في صحراء شمال إفريقيا. أعطت مجموعة من الأمهات التونسيات اللواتي يبحثن عن أبنائهن عينات من الحمض النووي الخاص بهن إلى المختبر، لكن كاتانيو لم يكن لديها أي جثث أو ملامح وراثية من حطام السفن ذات صلة لاختبارها.
وحتى عندما يكون لدى كاتانيو الجثث، يكون من الصعب العثور على العائلات التي ينتمون إليها، لذلك فهي تعتمد على بعض النشطاء الذين على علاقة بالمهاجرين المتواجدين في الشتات، الذين قد يكونون في أي مكان.
تعتقد كاتانيو أنه يجب إجبار الدول الأوروبية على انتشال الجثث من مياهها ودفع تكاليف التشريح والتوعية واختبار الحمض النووي، كما يجب على الدول بعد ذلك تخزين هذه المعلومات في قاعدة بياناتها. وحيال هذا الشأن، قالت كاثرين بومبيرغر، من اللجنة الدولية المعنية بالمفقودين: "لم تواجه هذه الدول مشكلة الأشخاص المفقودين على هذا المستوى منذ صراع البلقان أو الحرب العالمية الثانية، لذلك فإن هذه الآليات غير موجودة في الواقع"، لكن أعداد الأشخاص المفقودين حول العالم آخذة في الازدياد.
وأشارت المجلة إلى أن قلة من القادة الأوروبيين يوافقون على ذلك، حيث يعتقد بارايبار أنه طالما لم تعدل البلدان سياسات الهجرة الخاصة بها، "فإنه لا يوجد حل سحري"، نظرا للعدد الضئيل للجثث المسترجعة. فعلى سبيل المثال، كلف رفع قارب مليلي من الماء إيطاليا 9.5 مليون يورو، ومن المرجح أن يكون رفع المزيد من السفن باهظ التكلفة.
في المقابل، جادل السياسيون المحافظون بأن المهاجرين يعبرون البحر باختيارهم ويعرفون العواقب المحتملة. وترى لينا دوبونت، العضوة الألمانية في البرلمان الأوروبي، أنه من الأفضل إنفاق الأموال على جهود منع الهجرة في المقام الأول، بما في ذلك الاستثمار في التنمية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى واستمرار الشراكات مع خفر السواحل الليبي لمنع المهاجرين من الوصول إلى أوروبا. وأضافت دوبونت: "هذا لا يعني أننا لا نهتم بأولئك الذين يغرقون في البحر الأبيض المتوسط، بل نحن بحاجة إلى التركيز على وجود الأدوات المناسبة في متناول اليد، ونظام فعال لمنع تلك الوفيات، نظرًا لأن لدينا موارد محدودة على المستوى الأوروبي".
في غضون ذلك، تستمر المشاعر المعادية للمهاجرين في اجتياح أوروبا. وقبل أيام من زيارة أخيرة إلى لامبيدوزا، قال ماتيو سالفيني، وزير الداخلية السابق: "لا يمكن لإيطاليا أن تقبل عشرات الآلاف من المهاجرين الذين لا يجلبون سوى المشاكل. إيطاليا ليست مخيم
اللاجئين الخاص بأوروبا".
وفي لقاء افتراضي بين كاتانيو وبيرفرانشيسكو ماجورينو، وهو عضو آخر في البرلمان الأوروبي، رتّب ماجورينو لكاتانيو للإدلاء بشهادتها أمام البرلمان لدعم مشروع قانون بشأن تحديد هوية المهاجرين. وسيجعل مشروع القانون الدول الأوروبية مسؤولة عن تحديد هوية جثث المهاجرين الموجودة في مياهها وإنشاء قاعدة بيانات يمكن للمنظمات الإنسانية استخدامها لتحديد هويتهم.
وأضافت المجلة أنه حتى مع وجود مثل هذا القانون، سيظل العمل صعبًا. كانت كاتانيو تعتقد أن أوروبا يمكن أن تساعد في جعل الرحلة أقل خطورة في المقام الأول، مما يسمح للمهاجرين بالسفر بأمان عبر ممرات المساعدة الإنسانية. وأشارت كاتانيو إلى أن ما يحصل ضرب من الجنون، وأنه عندما غزت القوات الروسية أوكرانيا قبل بضعة أسابيع، كانت أوروبا ترحب باللاجئين بشكل لم يسبق له مثيل.
كانت ألمانيا والنمسا تقدمان رحلات مجانية بالقطار، وقام الاتحاد الأوروبي، لأول مرة، "بتقديم الحماية المؤقتة"، مما سمح للاجئين الأوكرانيين بالبقاء في أوروبا لمدة عام على الأقل، مع الحق في العمل والتمتع بالخدمات الاجتماعية. وحسب كاتانيو: "حصل ذلك للأوكرانيين لأنهم أوكرانيون وليسوا أفارقة من جنوب الصحراء الكبرى".
وذكرت المجلة أن أزمة المهاجرين المفقودين لم تقتصر على أوروبا إذ يتم العثور على رفات مئات المهاجرين المتوفين على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك كل عام، وتعتمد العائلات على المتطوعين لتحديد مصير أحبائهم. وأكدت كاتانيو: "معرفة ما إذا كان ابنك ميتا أو حيا هو حق أساسي. وفي فترات تاريخية أخرى، كان الموتى يعاملون باحترام أكبر." وأضافت أيضا أنها مستعدة، إذا لزم الأمر، لرفع دعوى نيابة عن أفراد أسر المفقودين "في حال صرّح البرلمان الأوروبي بأنه لا يهتم وأنه لن يفعل أي شيء حيال ذلك، على الرغم من اطلاعه على كل هذه المعلومات".