إلى حد اليوم ونحن في عام 2023 لم تحل عقدة
العلاقات الفرنسية
المغاربية وتضيع فرص للتعاون ونخسر مكاسب كان بالإمكان تعزيزها نظرا للتاريخ
المشترك والعلاقات الاقتصادية بيننا وبين
فرنسا.. ولكن ظل الرئيس ماكرون "مغلقا" أو
مترددا حول مطلب شرعي من الجزائر بالإعتذار عما اقترفه الاستعمار من فظائع نعتها
ماكرون نفسه بأن بعضها يصل درجة الجرائم ضد الإنسانية!
وأتذكر أنه في يوم من أيام سنة 2018 (17 تشرين الأول / أكتوبر) تعرض
وزير الاتصالات الجزائري في مطار (أورلي) بباريس إلى عملية تفتيش لدى شرطة المطار
بلغت حد التدقيق البدني من نزع الحزام والحذاء وتفتيش جيوب البدلة إلى آخر هذه
الإجراءات التي اعتبرتها السلطات الجزائرية مهينة (ونحن معها)، لأن الوزير يحل في
باريس في مهمة رسمية تندرج ضمن وظيفته وهو يحمل جواز سفر دبلوماسي! وأعقب هذه
الحادثة احتجاج من وزارة الخارجية الجزائرية ودعوة السفير الفرنسي للاستفسار ثم
تعبير الخارجية الفرنسية طبعا عن (الأسف لوقوع هذا الحادث)!
وكما هو متعارف في الأعراف الدبلوماسية (وفي معاهدة فيينا لسنة 1961)
فإن التعبير عن الأسف لا يعني تقديم (الاعتذار).. وللتذكير فقد سبق أن قدمت
الخارجية الفرنسية (الاعتذار الرسمي) بعد حادثة مماثلة تعرض لها وزير الخارجية
بالمملكة المغربية صلاح الدين مزوار في آذار / مارس 2014 في مطار شارل ديغول وهو متجه
من لاهاي إلى الرباط عبر باريس! فاختلف السلوك الحكومي الفرنسي في الحادثتين رغم
أنه لقائل أن يقول بأن كلا الوزيرين من بلدان مغاربية جارة وصديقة! فلماذا تعتذر
فرنسا في الأولى وتعبر عن أسفها في الثانية؟
المهم اليوم هو أن حلقة جديدة أضيفت إلى سلسلة الأزمات المتعددة
والمتجددة بين فرنسا والجزائر، وفي الحقيقة بين فرنسا والإقليم المغاربي كله..
وتؤكد هذه الحلقة بأن الجراح التاريخية بين ما كان يعرف بالإمبراطورية الاستعمارية
الفرنسية وبين مستعمراتها القديمة لم تندمل بعد، بل لا تزال تنزف بين ضفتي البحر
الأبيض المتوسط.. وقد مر على استقلال الجزائر (آخر معقل للاستعمار) أكثر من ستين
عاما.
ولم يخطئ زملاؤنا الإعلاميون الجزائريون (وبعض نواب البرلمان) حين
علقوا على الحادثة بقولهم إنها وقعت يوم 17 تشرين الأول (أكتوبر) كأنما المقصود أن
تحيي فرنسا بطريقتها الخاصة مجزرة يوم 17 تشرين الأول (أكتوبر) 1961 في باريس حين
قمعت الشرطة الباريسية بقيادة (موريس بابون المتعاطف مع النازية) مظاهرة مدنية
سلمية نظمتها الجالية الجزائرية يومها للمطالبة باستقلال الجزائر فردت الشرطة
ومعها ميليشيات يمينية متطرفة بقتل حوالي مائتي شهيد جزائري إما برصاص الشرطة أو
بإلقاء الأبرياء في نهر السين ليتوفاهم الله غرقا ثم جهز الاستعمار محتشد (سان
موريس لوزاك) لسجن من ألقي عليهم القبض من الناشطين المنادين باستقلال بلادهم.
فلعل إحياء هذه الذكرى الأليمة كما يقول بعض الزملاء الجزائريين هي التي جعلت
الشرطة الفرنسية تهين وزيرا جزائريا بشكل لا يليق بمعاملات بين الدول ذات السيادة!
المهم اليوم هو أن حلقة جديدة أضيفت إلى سلسلة الأزمات المتعددة والمتجددة بين فرنسا والجزائر، وفي الحقيقة بين فرنسا والإقليم المغاربي كله.. وتؤكد هذه الحلقة بأن الجراح التاريخية بين ما كان يعرف بالإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية وبين مستعمراتها القديمة لم تندمل بعد، بل لا تزال تنزف بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط..
وللعلم فإن هذه الممارسات تخرج عن كونها مجرد "أخطاء فردية
تستدعي أسف الحكومة الفرنسية" لأنها امتداد لتيار فكري سياسي ذي نزعة عنصرية
له تأثير في الطبقة السياسية والرأي العام في فرنسا وأوروبا عموما.. ونذكر بأن كل
الرؤساء الفرنسيين سبق أن رفضوا مطلب الدولة الجزائرية بالاعتذار عن جرائم الإبادة
التي اقترفها استعمارهم (في الحقيقة استخرابهم) خلال 130 سنة في الجزائر.. ويكفي
أن نعد جريمة الجنرال (جيرو) الذي قام سنة 1848 بإحراق غابة جبلية كاملة تحصنت
فيها قبيلتان جزائريتان بالنساء والأطفال والمسنين هربا من القمع فلم ينج من
القبيلتين مسلم واحد وأحرقوا عن آخرهم!
ونذكر أيضا مجزرة مدينة سطيف يوم 8 أيار (مايو) 1945 التي استشهد
فيها حوالي 50 ألف مواطن جزائري تظاهروا ضد الظلم والتمييز العنصري ورفعوا راية
بلادهم!
ونذكر المجازر التي تمت منذ اندلاع الثورة الجزائرية سنة 1956 إلى
غاية التحرير والاستقلال سنة 1961 والمليون شهيد الذين سقوا بدمائهم الزكية أرض
الجزائر!
وطبعا الشهداء الذين ماتوا تحت التعذيب على مدى سنوات واعترف
الجلادون في مذكراتهم بأنهم قتلوهم! وليت الأمر وقف عند رفض الاعتذار بينما فرنسا
تطالب تركيا بالاعتذار عما سمته مجزرة الأرمن! لأن حكومة الرئيس شيراك تقدمت بمشروع
قانون للبرلمان في 28 شباط (فبراير) 2005 يعيد الاعتبار لكل المعمرين (أي
المستوطنين) وكل الجنود الذين حسب هذا القانون (ساهموا في إشعاع فرنسا وقوتها
وازدهارها في المستعمرات التي كانوا فيها وخاصة شمال إفريقيا (تونس والجزائر
والمغرب) وبلدان إفريقيا! ثم يدعو القانون أن يقع تدريس هذا الجانب
"الإيجابي" من الاستعمار في المدارس الفرنسية وتأصيل هذه المبادئ لدى
الناشئة!!!